حاولنا من خلال هذا التحقيق الميداني الذي أنجزناه مع مصالح الأمن المشتركة لولاية تيارت أن نتقرب أكثر ونتعرف على عمل الشرطي خلال شهر رمضان، لكن المهمة حقيقة كانت صعبة وشاقة مع ارتفاع درجة الحرارة والتي تجاوزت 45° إلا أن ما لاحظناه خلال مرافقتنا لأفراد الشرطة عبر مدينة تيارت تلك العزيمة والقوة والاحترافية في الحفاظ على سلامة المواطنين وقد تعددت مهامهم إلى مراقبة حتى المواد الغذائية وباختلاف أنواعها حفاظا أيضا على صحة المستهلك. الانطلاقة كانت في حدود الساعة الحادية عشر صباحا من مديرية الأمن الولائي بتيارت حيث رافقنا في المهمة مدير الأمن العمومي محافظ الشرطة "قواو سمير" ومحافظ الشرطة "كيوس يوسف"، وكانت وجهتنا في البداية بعض الأسواق اليومية المنتشرة في وسط المدينة فوجدنا أفراد الشرطة منهمكين تحت درجة حرارة مرتفعة جدا في تنظيم حركة المرور، وكذا مراقبة دقيقة للأسماك المعروضة ومنع بيعها، حيث أن القانون يحدد ألا تتجاوز الساعة منتصف النهار وإلا سيتعرض صاحبها إلى حجز أسماكه وعقوبات صارمة، فبسوق حي "السوناتيبا" الجديد تحدثت مع بعض المواطنين فأبدوا ارتياحهم بتواجد عناصر الأمن داخل السوق، مما خلق جوا من الهدوء باعتبار أن أفراد الشرطة وبتواجدهم المستمر داخل هذا السوق الذي يعج بالحركة منذ الساعة الأولى من الصباح قد قضى نهائيا وهذا بشهادات المواطنين على حالات الاعتداءات والشجار بين الباعة والمواطنين حتى لفت انتباهي إلى تدخل أحد عناصر الشرطة وهو يتحدث إلى أحد الباعة للخضر والفواكه أمره وبشدة أن يخفض الأسعار بعد أن اشتكى منه العديد من المواطنين وبعدها توجهنا إلى السوق اليومي بحي المنظر الجميل فوجدنا أفراد الشرطة التابعين للأمن العمومي ينظمون حركة المرور بالطريق المجاور للسوق، وقد أكد لنا مدير مصلحة الأمن العمومي أن التعليمات الموجهة لأفراده صارمة بما فيها تنظيم مرور المركبات داخل النسيج الحضري، وما أشار إليه مدير الأمن العمومي أن القضاء على الأسواق الفوضوية ساعد على تسهيل مهمة مصالحه، وبعدها كانت لنا جولة بالسوق اليومي المعروف بالبلاصة حيث وجدنا أفراد الشرطة منهمكين في أداء واجبهم وفي ظروف مناخية لا يمكن تحمّلها، وما لفت انتباهنا أيضا أن باعة السمك ملزمون بالتوقف عن العمل حسب الأوقات التي تحددها مصالح الشرطة وبالتعاون من الأطباء البياطرة لتجنب أية حالات تسمم محتملة. تدعيم الاستعجالات بأعوان من أفراد الشرطة وبعدها كانت وجهتنا الاستعجالات الطبية حيث التقينا برئيس مصلحتها الذي أكد لنا أن الاستعجالات الطبية تدعمت ب5 أعوان من أفراد الشرطة منذ بداية شهر رمضان مما طمأن كثيرا الأطباء الذين كانوا يعانون خلال الأشهر الماضية من الاعتداء من قبل زوار المصلحة، كما أن تواجد أفراد الشرطة قد حال دون دخول أشخاص لا يحتاجون إلى التمريض أو الاسعافات الطبية اللازمة، وأضاف أن أفراد الشرطة ألزموا الزوار بالبقاء بعيدا عن الباب الرئيسي للمصلحة بهدف عدم عرقلة الاسعافات أو نقل الجرحى نتيجة حوادث المرور، كما أبدى العديد من المواطنين ارتياحهم للإجراءات التي اتخذت لفرض الأمن والأمان داخل الاستعجالات الطبية. تواجد أمني مكثف ومستمر بالساحات وحول بيوت العبادة واصلنا دوريتنا مع مصالح الأمن العمومي لنتوقف بأحد المساجد بحي الفولاني فشاهدنا سيارات أخرى للشرطة متوقفة بالقرب من المسجد وكانت الساعة الرابعة والنصف، فأكد مدير الأمن العمومي أن هناك إجراءات مشددة أمام دور العبادة والمساجد خاصة مع صلاة التراويح أو حتى بعدها حيث يكون للمصلين التواجد الكبير بمختلف مساجد المدينة فعمل مصلحة الأمن العمومي لا يقتصر فقط على تنظيم حركة المرور، بل هي قوة عمومية لها مهمة الحفاظ على أرواح الأشخاص. وبالمقابل أيضا فمنذ بداية شهر رمضان لم تسجل أية حالة اعتداء على الأشخاص بمدينة تيارت، وهذا يرجع إلى التواجد المستمر للشرطة من خلال تمركزها بعدة نقاط بالأحياء والشارع الرئيسي ساحة الشهداء بوسط المدينة، أو عبر أحياء أخرى كالبلاصة والفولاني والمعروف بمحلاته التجارية التي تعج بالحركة ليلا ونهارا. تفتيش 7 مركبات ومراقبة وثائق 18 شخصا في 45 دقيقة وفي حدود الساعة الخامسة رافقنا في هذه المهمة كلا من فرقة من مصلحة الشرطة القضائية وفرقة من مصلحة الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية كنا على متن 3 سيارات رباعية الدفع رافقني الملازم الأول حمادو ربيع، فضل في البداية أن ينصب حاجزا بالطريق المؤدي إلى بوشقيف دون أن أعلم بذلك، فبعد دقائق شرح الملازم الأول الخطة الأمنية، ففي هذه الأوقات الحرجة يجب على ضابط الشرطة أن يختار نقاطا أو ما تعرف بالمنافذ المؤدية إلى مخرج المدينة أو مدخلها، فالمهربون وبكل أنواعهم يفضلون هذه المسالك تجنبا للشرطة، لكن بفضل التجربة وحنكة أفرادها يقفون دائما بالمرصاد لهؤلاء، وشرع أفراد الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية بعمليات تفتيش دقيقة ففي أقل من 45 دقيقة تم تفتيش 7 مركبات ومراقبة وثائق 18 شخصا، غير أنني لم أكن أعلم أنه بداخل إحدى السيارات المصفحة شرطي وبحوزته جهازا يعرف بالمحفظة الإلكترونية الخاصة بالمحفوظات، وهي عبارة عن حاسوب محمول به كل المعلومات الخاصة بالسيارات والأشخاص عبر كامل التراب الوطني تستخدم فيها الأنترنيت، ففي أقل من دقيقة يمكن فحص هوية أية مركبة أو شخص مهما كان المكان الذي يقطن فيه عبر أرجاء الوطن، وفي حال أية معلومات أو أن هذا الشخص مطلوب للعدالة أو المركبة مسروقة وهي محل بحث يمكن لأفراد الشرطة توقيفه في أقل من دقيقة وتسليمه لمصلحة أخرى. المحفظة الإلكترونية لتسهيل البيانات وقد أفاد الضابط المرافق لنا في المهمة أن تواجد هذا الحاسوب ساعد أفراد الشرطة في محاربة الجريمة، حتى أن المبحوث عنهم يتخوفون كثيرا من مراقبة وثائقهم عند كل حاجز أمني ما خلق الذعر والخوف في أوساطهم، وبالرغم من ارتفاع درجات الحرارة اندهشت وأقولها ببرودة أعصاب الشرطة بدليل أن العديد من أصحاب المركبات كانوا يترددون في البداية لتسليم وثائقهم قصد التحقق منها، وقد أرجع البعض منهم أنه ليس لديهم وقت لذلك فاستغربت لهذا التفسير، بالرغم من أن أفراد الشرطة يعملون طيلة 24 ساعة كاملة، أي بمعنى أن الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية التي عملت معنا في ذلك اليوم كانت في حدود الساعة الرابعة والنصف صباحا في عملية تمشيط واسعة مع أفراد الجيش الوطني الشعبي حفظهم الله ورعاهم، ولم يتوقفوا عن أداء واجبهم ومواطنون يشتكون من الحرارة والعطش وما بالك أفراد الشرطة يقضون ساعات طويلة في مكافحة الإرهاب والجريمة، وحماية المواطن. بعدها في حدود الساعة السابعة مساء توجهنا إلى مقر الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية وهي فرقة مختصة ومجندة للتدخل في أي وقت، مهما كانت الظروف في محاربة الإرهاب والجريمة بكل أنواعها. إفطار الشرطي لا يتجاوز 10 دقائق التقينا بمحافظ الشرطة ورئيس المصلحة السيد بديع الذي استقبلنا بصدر رحب، فهذه الفرقة لا يقتصر عملها على القضاء أو محاربة الإرهاب الهمجي، بل تتعدى إلى ما هو عمل إنساني، و قد نصبت خيمة للإفطار توزع 30 وجبة للفطور أي وجبة كاملة بكل المواصفات، حتى أن الموز والتفاح من بين الأطباق وهم مشكورون على ذلك، والأدهش أن المصلحة سخرت سيارة رباعية الدفع بدوريات على مختلف محطات المسافرين ونقلهم إلى مقر الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية، فهذا أكثر ما يقال عنه عمل إنساني، فأفراد الشرطة لم تعد مهمتهم الحفاظ على الأمن بل تعدت إلى مساعدة الأشخاص ومن مختلف شرائح المجتمع، وهذا فعلا ما وقفنا عليه، ولم أتوقع أن أبقى مع محافظ الشرطة بالقرب من الحاجز الأمني بأكثر من 20 دقيقة فاستغربت ذلك، فابتسم وصرح قائلا أن هذا يدخل ضمن المخطط الأمني المحكم، ففي هذه الدقائق هناك دوريات لمصالح الشرطة بوسط المدينة، كما أن أفراد الشرطة المختصين والمدربين على مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة مستبدلون من قبل زملائهم المناوبين في ظرف وجيز بمعنى أن معدل وجبة الشرطي للإفطار لا تتجاوز ال10 دقائق ومدججين بأسلحتهم متأهبين في كل لحظة من أجل الوطن، وهذا ما تأكد منه فعلا حتى أن أحد حراس الثكنة لم يغادر مكانه إلا بعد مرور 20 دقيقة ، أما في حدود 9 ليلا توجهنا إلى مديرية الأمن الولائي وجدنا رئيس كتيبة حركة المرور والطرقات محافظ الشرطة قبسي الجيلالي وهو يقدم تعليماته الصارمة فخيل لي أنهم أي أفراد الشرطة لم يتناولوا وجبة الإفطار أي بعد مرور فقط 35 دقيقة هم مجندون للنزول إلى الميدان وحفظ الأمن بمختلف الشوارع، كما رافقنا محافظ الشرطة قبسي الجيلالي في المهمة الليلية ففي الشارع الرئيسي الذي تم غلقه تجنبا لاختناق في حركة المرور تم توزيع أكثر من 26 من أفراد الشرطة فقط بشارع واحد وما بالك بالشوارع الأخرى فلحساسية المكان الذي يعج بالحركة تم تدعيمه بأفراد من الشرطة مختصين في مكافحة الجريمة وواصلنا الدورية عبر حواجز أمنية فكانت إجراءات المراقبة صارمة تفاديا لأية حالات من التهريب للمخدرات أو اعتداءات محتملة. حواجز أمنية للتصدي لتهريب المخدرات أو الاعتداءات وبعدها توجهنا إلى مقر الشرطة القضائية وهناك تفاجأت بتواجد مدير الأمن الولائي بتيارت العميد الأول بروي إلياس وهو بالزي الرسمي يقدم تعليمات للضباط السامين حول العمل الليلي وتوزيع الأفراد عبر مختلف النقاط المحددة والمدروسة مسبقا، وكانت لنا معه دردشة قصيرة أكد فيها أنه منذ بداية رمضان لم تسجل أية حالة اعتداءات أو تجاوزات فالأمن تم التحكم فيه وبنسب مئوية متفاوتة قد تجاوزت 95%، فلا يمكن لنا الحديث فقط عن مدينة تيارت، وإنما باقي الدوائر الأخرى والبلديات والتي يتطلب تواجدا مكثفا ومستمرا لمصالح الشرطة ومراقبة دائمة وبدون انقطاع من قبل مصالح مدير الأمن الولائي والهدف الحفاظ على المواطن. وفي المهمة الأخيرة رافقني ضابط الشرطة الملازم الأول عماني يحيى الذي ترأس فرقة من البحث والتحري ورافقتنا أيضا سيارتان من الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية فلم أتوقع أن أجد فرقة شابة من البحث والتحري كلهم في مقتبل العمر قد أبدوا احترافية في العمل الليلي فبعد العاشرة والنصف ليلا أوقفت هذه العناصر دون أن أعلم أو ألاحظ ذلك فتاة قاصر رفقة شاب كانا على متن سيارة، وبعد إجراءات التفتيش تم تحويلهما إلى مديرية الأمن الولائي، حيث تم تسليمهما للضابط المناوب، وقد أبدت القاصر ارتباكا شديدا من عواقب توقيفها، إلا أن الملازم حاول أن يهدئ من روعها إلى أن سلمت للضابط المناوب رفقة الشاب الآخر، احترافية في التعامل مع المواطن وما لاحظناه أن طريقة التعامل كانت في حدود اللباقة والاحترافية وعدم تجاوز الحدود، فالقانون يلزم قائد فرقة البحث والتحري أن يقوم بتفتيش المركبة والإطلاع على وثائق الموقوفين فقط، وفي حالة الشبهة الجنائية يتم تحويلهما إلى المناوبة الليلية التابعة لمديرية الأمن الولائي، ولا أخفي أن العمل مع هذه الفرقة الشابة كان شيقا للغاية، وعلى رأسها الملازم الأول عماني يحيى وهو مشكور أيضا لما أبداه هو و زملاؤه من رزانة وتحكم في الأعصاب واحترافية بالرغم من أن درجة الحرارة في تلك الليلة تجاوزت ال43° إلا أن فرقة البحث والتحري، والفرقة المتنقلة للشرطة القضائية كانت في المستوى المطلوب والمعهود لدى الشرطة الجزائرية، ففي ظرف ساعة فقط وخلال حاجز أمني بالطريق الأمني المؤدي إلى طريق السوقر تمت مراقبة وثائق أكثر من 10 سيارات و20 شخصا ويتم أيضا استخدام الحاسوب التابع لمديرية الأمن الوطني والذي سخرته لمختلف مصالح الأمن عبر مختلف الوطن للإطلاع وفي ظرف وجيز فقط على وثائق الأشخاص والسيارات. ملاحظة: "نتوجه بالشكر الجزيل إلى مدير الأمن الولائي بتيارت العميد الأول بوي إلياس الذي سهل لنا المهمة كثيرا، كما أشكر وباسم جريدة الجمهورية ضباط الشرطة والأعوان الساهرين والعاملين في ظروف مناخية قاسية طوال السنة ليس فقط في شهر رمضان، فعملهم مقدس وواجب وطني نكن له كل الاحترام والتقدير".