1-في الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة ذكرى أول نوفمبر أفصح عن الكشف قريبا عن تعديل الدستور فما هي الدلالات التي يحملها هذا التعديل في جو الظروف الداخلية و الإقليمية التي تعيشها الجزائر ؟ - تعديل الدستور قضية جد مهمة وتخص الجميع ، وحتى يكون النقاش مثمرا من الضروري الحديث في التعديل عن المتوقع والذي يطغى في الساحة بمعنى ما يرغب فيه السياسي ويريد أن يصل إليه ، وما يأمل فيه الحقوقيون المتشبثون بالقانون و الذين باستشارتهم قد نصل إلى تحقيق القفزة النوعية في استكمال بناء دولة القانون . أولا فالجمهورية بعد إرساء قواعد الاستقرار السياسي بحاجة إلى استقرار قانوني ودستوري لأن كثرة التعديلات تحدث ارتجاج في البناء المؤسساتي ،ولأن الدستور الحقيقي هو الذي يستعصي على التعديل المتكرر ويحفظ للقواعد ثباتها . ذلك أن التعديل يعيد السؤال حول مكانة المجالس الرقابية في النظام السياسي ونقصد بها كل من البرلمان بغرفتيه والمجلس الدستوري ، بالأخص إن باشرت الهيئات المذكورة التعديل بعيدا عن الاستشارة الشعبية. وعندما تتطرق تعديلاتها لمواد في الدستور الحالي كانت في حد ذاتها محل تعديل ولم يمض عليها الوقت الكافي لإثبات نجاعتها، عندها يطرح التساؤل كيف لهذه المؤسسات تعليل الترويج للتعديل عند اصطفافها خلف مشاريع صادقت عليها بالأمس وتأتي اليوم بما يناقضها ؟ هذا ما يدفع إلى ضرورة إبقاء التعديل بيد الإرادة الشعبية في الوقت الحالي باعتبارها إرادة الإرادات بدلا من الوسائط الأخرى. ثانيا ،التعديلات مرحب بها إن كانت بغرض تقوية دور الهيئات الرقابية من قبيل مجلس المحاسبة و تفعيل دوره برقابة آنية وليست بعدية وبصلاحيات قضائية تضع حدا للتجاوزات الحاصلة في حق المال العام . أما عن الشق الثاني من السؤال فإن التعديل مسألة سيادية ،الاستجابة تكون للتطلعات الداخلية لا علاقة له بالمجريات الخارجية. ذلك أن التعديل لا يكون الغرض منه المساس بجوهر الدستور وثوابته وإلا كنا أمام دستور جديد في ثوب التعديل. 2-في القانون الذي يحكم المجلس الدستوري تشير مادة إلى أن هذا الأخير بإمكانه أن يخطر نفسه بنفسه إذا اقتضى الأمر و هو الأمر الذي لم يحصل و لا مرة في تاريخ المجلس الدستوري الجزائري فلماذا برأيكم ؟ - المادة المقصودة في الحديث إن وجدت فلا مؤشر على قيام المجلس بالتحرك ،لأنه في نظرنا ومن خلال تجربة أثبت أنه رهين الإرادة السياسية و لكن عليه أن يكرس استقلاليته في صالح الدستور بدل ان يكون جهازا سياسيا يباشر وظيفة إدارية ، مما يحد من فاعليته ليقوم بمهامه الدستورية .لهذا كانت مطالب القانونيين تعديل بنيوية الهيئة بإدماج أهل الاختصاص لإثراء منظومته الفقهية ، إذ تحول المجلس في النظم المقارنة إلى مصدر تفسير القواعد وضبط العلاقة بين السلطات حال حدوث الخلاف . هذه الدعوات التي تعد اليوم على رأس مطالب الإصلاح لن تتحقق إلا من خلال تزويد الهيئة الدستورية بالصلاحيات الكافية في علاج الخلل القائم في أولوية السلطة التنفيذية بشكل أعاق باقي المؤسسات عن أداء أدوارها ، مثال ذلك المجلس الدستوري إن كان يراقب العمل السياسي والسيادي الصادر عن البرلمان الممثل في التشريع ، فكيف له بتركيبته السياسية وصلاحياته المحدودة أن يراقب دستورية التنظيم الذي كما نعلم قطعا يعد تصرف إداري يخضع لرقابة الشرعية وليس رقابة الدستورية وشتان بينهما ،لأن العمل بالرقابة الثانية يحرم مجلس الدولة كهيئة قضائية من أداء وظيفته الأساسية والممثلة في ضرورة إخضاع نشاط الإدارة للقانون . فإصلاح يعيد الأوضاع إلى نصابها ويقيم بالتالي وزنا للمسائلة والرقابة الحقيقية القضائية وليست الصورية التي تعكسها محدودية عدد القرارات أو الآراء التي أصدرها المجلس إلى غاية اليوم والتي جرت في إطار الرقابة الإلزامية . 3-تتضمن مسودة الدستور موضوع النقاش إمكانية إخطار المعارضة البرلمانية للمجلس الدستوري أداءً لدورها في المراقبة فكيف تقرؤون هذا المكسب كقانوني ؟ - إشراك المعارضة الحقيقية والمتجانسة في العمل التمثيلي أحد أسس الديمقراطية الحديثة ، إذ أن الانتقاد البناء داخل المجالس والذي ينتهي إلى طرح الحلول على المستوى المؤسساتي كفيل بامتصاص شتى صور الاحتجاج وبإرجاع الثقة في المؤسسات النيابية الممثلة للإرادة الشعبية . العملية تتم بإتاحة الفرصة لنواب الأقلية داخل المجلس الشعبي الوطني بأحقية إخطار المجلس الدستوري في شأن مشاريع النصوص المتنافية مع القواعد الدستورية. وبهذا نستبعد إقصاء المعارضة من المشاركة في العمل السياسي والقانوني البنّاء. 4-مشروع الدستور المقبل يتطلع إلى إرساء دعائم ديمقراطية هادئة في جميع المجالات و لعل من أهمها توسيع مكاسب المعارضة البرلمانية بتمكينها من إخطار المجلس الدستوري و أيضا دسترة اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات فهل هذه الخطوة ضامنة للرقابة التي تمارسها المعارضة في الاستحقاقات ؟ - تحريك دور المعارضة داخل المجالس لا يتوقف على النصوص إنما ضرورة أن تعي الأحزاب نفسها دورها الاجتماعي والسياسي وطرح مبادرات تشارك بها في حل المعضلات القائمة. كما أن الرقابة الحقيقية للاستحقاقات الانتخابية لا تتقرر إلا من خلال تمكين السلطة القضائية من الإشراف على العمليات الانتخابية وإعلان نتائجها ، ذلك أن الانتخاب ممارسة سياسية تتطلب في المقابل مجهودا قضائيا بمضمون قانوني يكرس احترام الخيار الشعبي. و هنا تثار مسألة أهمية الحيادية في الرقابة وإعلان النتائج ،وقد أثبتت التجربة قصور هذا النوع من اللجان بسبب يعود كذلك إلى ظرفيتها وافتقادها للوسائل الكفيلة لتحمل أعباء ما ينجر عن العملية الانتخابية . 5-من خلال نظرة استشرافية للمسودة هل تعتقدون أنه يمكن إلغاء مجلس الأمة أو منحه صلاحيات أكبر؟ في كثير من حالات الدولة المركزية ، الغرفة الثانية قد تكون سبيلا في تعطيل العمل التشريعي بدل من الإسراع فيه وانقسام سلطة التشريع و تضعضعها لأن طريقة انتخاب أعضائها في الغرفتين وصلاحياتهما متباينة يؤدي إلى تزايد التعارض في صالح سلطة تنفيذية أكثر انسجاما. ازدواجية الغرف بعيدة كل البعد عن التقاليد السياسية الجزائرية التي تعتمد الاقتراع العام المباشر والسري بما يتسق والاتجاه العام للدستور الذي ينص في عديد المواد والتي منها 06 ، 07 ، 08 و 11 كلها نصوص تؤكد على أن الشعب مصدر السلطة ، و متلك السيادة الوطنية التي يمارسها بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها باختيار المباشر لممثليه المنتخبين. . 6-هل ترون أنّ الجبهة السياسية منخرطة بالشكل الكافي في الإصلاح المؤسساتي أم أن الدستور الحالي يحد من دورها و لابد على الدستور القادم أن ينصفها أكثر ؟ - لقد آن الأوان أن تعي الطبقة السياسية وتستوعب دورها جيدا لأننا في مرحلة فارقة تتطلب منها تحمل مسؤولياتها كاملة والتعديل الدستوري فرصة سانحة في تقديم مطالب تفرزها التكتلات عقب إجراء مشاورات مع قواعدها النضالية بالحث على الحفاظ على مكاسب الأمة برفع الحواجز الإجرائية عن الكثير من القواعد والتي تحول دون تطبيق الدستور كاملا . 7-أكد خطاب الرئيس أن الدستور المقبل سيعزز أكثر مكانة عناصر الهوية الوطنية ( و نعرف أن الأمر مفروغ منه بالنسبة للغة العربية و الإسلام ) فهل سيحمل الجديد للأمازيغية ؟ نحن لا نعيش أزمة هوية كما يحاول البعض تصوير ذلك ، الحل موجود في ممارسة "مواطانتية " للحقوق المنصوص عليها في الدستور ، مسألة اللغة أو اللهجات أو التعدد الثقافي بمثابة إثراء للمكتسبات .الارتقاء الديمقراطي للأفراد يتأتى من احترام مبدأ الأغلبية والتي عليها أن تتسع للجميع وتستوعب الجميع . 8-المجلس الدستوري الحالي سياسي بدرجة أولى ( 4 من البرلمان 2 من الجهاز التنفيذي و 2 قضاة) فهل ممكن تعديل تركيبته كآلية تصحيح و إصلاح جديدة ؟ و هل يمكن أن يحمل الدستور المقبل إنشاء محكمة دستورية ؟ على الإطلاق ،وان كان الموضوع يثير حساسية لدى البعض إلا أننا لا نرى مانعا في وجود محكمة دستورية بصلاحيات قضائية تسهر فعليا على احترام الدستور ، نضع من خلالها حدا للعقم الذي يتخبط فيه المجلس الدستوري الحالي نتيجة بقائه رهين الإرادة السياسية التي تكبل قدرته على امتلاك هامش من حرية التحرك الفاعل والايجابي ، وأن لا يتوقف موقفه فقط عند المسائل التي تعرض عليه ، بل أن جل تدخلاته انحصرت في حدود الآراء التي هي أقرب للاستشارة منها للقرار الحقيقي الملزِم . ومن قبيل الإشارة إلى نقائص المجلس الدستوري الحالي نشير إلى التالي : إشكالية الإخطار لابد من الفصل فيها وإتاحة الفرصة للوزير الأول لأن دوره أساسي في عرض النصوص ومخاطبة النواب وتنفيذ البرنامج الحكومي. فتح الباب أمام المعارضة أو الأقلية داخل الهيئة وهذا ما سوف يعطي أفاق جديدة لجميع الأطراف بإشراكها وإثراء المجلس الدستوري للمنظومة التشريعية بما يحقق سمو الدستور. إسهام الهيئة في استطلاع مواقف الأفراد من تطبيق القواعد والاستجابة إلى مطالب تطبيق النصوص الدستورية على أرض الواقع بإدراج إجراء الأولوية الدستورية من خلال الإخطار القضائي وبهذا نقترب أكثر من آلية التحرك التلقائي لفائدة الدستور،آلية حققت من خلالها بعض النظم القانونية نجاحات معتبرة بواسطة التعديل الدستوري. كلها خطوات في الاتجاه الصحيح قد تلقى سندها في نصوص هذا الدستور ، من ذلك ما جاء في المادة 139 والتي تنص بأن السلطة القضائية تحمي..وتضمن للجميع ولكل واحد المحافظة على حقوقه الأساسية. بمعنى إمكانية الادعاء أمام القضاء الدستوري للدفاع عن حق أساسي لا يكون منصوص عليه إلا في الدستور. 9-إلى أي مدى يمكن الفصل بين السلطات و نحن نعرف أنّها تتكامل بمعنى أين تكمن خطوط التماس بينها ؟ - الفصل بين السلطات يتطلب وجود سلطات ثلاث بصلاحيات حقيقية بدل ترجيح كفة السلطة التنفيذية التي تشهد تزايدا في حجمها ونفوذها بمناسبة كل تعديل و و تدفع مقتضيات الواقع نحو البحث عن سلطة قضائية مستقلة و بصلاحيات أكبر مع إعادة توزيع أفقي متوازن للصلاحيات بالأخص في ممارسة الاختصاص التنظيمي بشكل متكامل وليس متعارض . 10-هل يمكن للدستور الجديد أن يلغي مسألة التشريع بالأوامر ( و قد كانت أصلا قليلة لدينا)؟ - التشريع بأوامر يكاد يكون مهجورا في الأنظمة الديمقراطية التي تخلت حتى على التفويض التشريعي لأن التشريع لا يكون مصدره إلا البرلمان من خلال مناقشة حقيقية ومتأنية للنصوص ، وممارسة البرلمان لاختصاصه الكامل بحسب نص المادة 122 . كما أن الأوامر كانت ممارسة فرضتها المرحلة الانتقالية وفق المادة 179 من الدستور فقط 11-هل يضمن الدستور الجديد على ضوء الإصلاحات الكبيرة التي عاشتها الجزائر ما يسمى بحقوق الجيل الرابع في الثروة و الحريات الفردية و العقائدية و الصحافة و التجمهر ؟ تصحيح الحديث عن الجيل الثالث وليس الرابع ، الفرق ليس في التسمية أو التصنيف إنما التراوح بحسب الضمانات المدعمة في حماية أي منها ،الحقوق الجيلية المذكورة وحرياتها تبقى إعلان مبادئ أو تطلعات ، أما التكريس الحقيقي لها يكون حينما يتطلع المجلس الدستوري لأدواره ببلورتها و تفعيلها ضمن القواعد سارية المفعول والتصدي حال وجود نصوص تتجاهلها أو تعترض تطبيقها. بل حتى حقوق الجيل الأول أو الثاني قد تكون بدون معنى إن افتقدت للآليات العملية والإجرائية في ممارستها.لأن الطابع التأسيسي للحقوق يقتضي قابلية تطبيقها المباشر أولا وثانيا إمكانية الادعاء بها من قبل الأفراد أمام القضاء .