معاناة مرضى السرطان لا تنتهي أمام شبح الداء و قسوة الظروف و إن توفر الدواء فانه يكون أكثر ألما من المرض ذاته. تلك هي حال مرضى السرطان عموما لكنها أكثر قسوة بالمؤسسة الإستشفائية لعلاج مرضى السرطان الأمير عبد القادر المتواجدة تحديدا بمنطقة الحاسي و المعروفة بمستشفى مسرغين كونه واقع على الطريق الوطني رقم "02" المؤدي إلى بلدية مسرغين. هناك قضت "الجمهورية" يوما برفقة بعض المرضى عشنا فيه تفاصيل ساعات المأساة في مواجهة الألم و مصارعة الموت تحت رحمة العلاج الكيميائي كانت الساعة في حدود منتصف النهار توجهنا إلى المركز و كان باعتقادي إني سأجد مرضى كباقي المرضى في كل المستشفيات و لكني اكتشفت ما هو أمر من الظاهر لأن مرضى السرطان في الواقع يعيشون بدون أمل و لكنهم يحاولون قدر المستطاع مواجهة المرض من أجل الحياة و إن كانت نسبة الشفاء ضئيلة جدا في معظم الحالات، و رغم حرص إدارة المشفى و الفريق الطبي على توفير الظروف اللازمة لراحة المرضى ضمن الإمكانيات المتاحة إلا أن الحالة النفسية للمرضى هي بالفعل أسوء بكثير من الحالة الجسدية. فهناك خلف جدران المركز الاستشفائي نساء، و رجال، و شيوخ، و أطفال يتوجعون في صمت، و أولياء و أبناء يموتون ألف مرة كلما سمعوا أنين مرضاهم و لكن لا حول و لا قوة لهم أمام طغيان المرض. محمد، و إيناس، و نجم الدين أطفال أهلكهم السرطان و أتعبتهم الظروف في حديقة المشفى التقينا بمجموعة من الناس جالسين في حسرة و شرود تقربنا منهم و سألنا عن وضعهم فكانوا آباء و أمهات لأطفال مرضى يتابعون العلاج بهذه المستشفى منهم المقيمين و منهم من يترددون باستمرار لتلقي العلاج الكيمائي و العلاج بالأشعة، و كان محمد طفل في السنة و النصف من عمره من بين المرضى الذي أخرجته جدته لاستنشاق الهواء وقت زيارتها له و هو مصاب بورم سرطاني على مستوى الكلى. و حين بدأت الجدة تحكي عن حالته حتى أقبلت الأم و كانت فتاة في مقتبل العمر و محمد أول طفل لها و ما أن سألناها عنه حتى تغرغرت عيناها بالدموع ثم جمعت قواها و حكت قصة طفل قيل أنه ولد بالورم لكن اكتشافه كان قبل أشهر قليلة فقط ليتم التحاقه بالمركز لتلقي الفحوصات الأولية لبدء تلقي العلاج الكيمائي. عائلة محمد تقطن بمنطقة تارقة بعين تموشنت تتكبد الأم مشقة الذهاب و الإياب في كل مرة يطلب منها إجراء فحص أو تحليل معين تضطر إلى مغادرة المركز إلى تلمسان من أجل إجراء ما هو مطلوب. و هو الحال بالنسبة لباقي المرضى و نفتح قوس في هذا الشأن لنسلط الضوء على هذه النقطة السلبية أو الفضيحة التي تعممت في مستشفياتنا العمومية على وجه الخصوص ففي الوقت الذي يصرح المسؤولون بتزويد مثل هذه المراكز بأحدث التقنيات و أضخم الأجهزة للتكفل بكل الفحوصات التي يحتاجها المريض نجد هذا الأخير يتحمل عناء و مشقة الجري وراء العيادات الخاصة خيالية لا يتحملها المريض تمتص ما بقي فيه من دم تركته جلسات العلاج القاسي لاجراء تلك الفحوصات كالسكانير، و التصوير الاشعاعي و التحاليل و غيرها مقابل مبالغ ، و للأسف لا يزال الوضع يزداد سوء أمام هذه الظاهرة المستفحلة و صمت متواصل...و يبقى السؤال مطروحا يحير أولياء المرضى الذين تزداد مأساتهم أما مشقة التنقل و مصاريف العلاج الذي من المفروض أن يكون مجاني خاصة في الحالات الحرجة و هو النقص المسجل بمركز مسرغين و الذي اشتكت منه أم محمد و أغلب المرضى الذين صادفناهم. غير بعيد عن محمد اتجهنا نحو غرف الأطفال المرضى أين كانت ترقد أجساد صغيرة تحمل السرطان وتتحمل معه آلاما لا تنتهي و تقابلهم أمهات و آباء يموتون في اليوم ألف مرة حين يئن الطفل من وجع لا يعرف ما هو و لا يجيد حتى التعبير عنه. تلك كانت حالة ايناس التي لم يتجاوز عمرها الثمانية أشهر لتصاب بسرطان الدم الذي تسبب في تشوه على مستوى الوجه و لم يزدها العلاج الكيماوي الا ألما و قالت والدة ايناس بكل حسرة و حزن ان حالها يزداد سوءا و لم يبق باليد حل و لا امل رغم جهود الفريق الطبي و محاولاته إنقاذ حياتها مذ التحاقها بالمركز منذ أكثر من أسبوعين، و رغم أنها وصلت إلى حال ميؤوس منها إلا أن أم إيناس تقف بكل قوة لتواجه كل الظروف حتى تبقى صامدة أمام خيارات القدر الذي جعل الأم تتخلى عن أبنائها و بيتها بسيدي بلعباس و تعيش حياة المستشفى الصعبة. و نفس الظروف تتحملها أم نجم الدين الذي تجاوز عامه الأول على سرير المركز يتابع العلاج الكيماوي لمحاربة سرطان الدم. و قابلتنا والدته القادمة من ارزيو بوجه مبتسم يعكس الرضا بالحال المتعب الممزوج بأمل بعيد بالشفاء و أكد اولياء الأطفال المرضى الذين التقينا بهم على مستوى المركز أنهم بالفعل يعيشون ظروفا قاسية فالمرض من جهة و مشاكل التنقل و المصاريف الزائدة من جهة أخرى الا انهم يثقون بأن كل شيء يهون في سبيل راحة و شفاء فلذات أكبادهم. حرقة البعد عن الأهل و تكاليف التنقل تثقل كاهل المرضى كلونديستان ب 500 دينار إلى محطة سيارات الأجرة خرجنا من جناح الأطفال نحو الجناح الذي يرقد فيه رجال و نساء من مختلف الأعمار و مختلف الولايات لم يكن في المركز ظاهرا شيء يعيبه من حيث التهيئة و النظافة و حتى المراقبة الطبية فكل المرضى أشادوا بخدماته. و في إحدى الغرف التقينا بأربع نسوة مصابات بسرطان عنق الرحم ينتظرن بصبر موعد الشفاء حيث أكدت السيدة "ب ع" القادمة من الغزوات أنها ترقد بالمشفى منذ 10 أيام تنتظر حصة العلاج بالأشعة و تكلمت بكل حرقة أنها أهملت بيتها و أطفالها لتعيش بين جدران المركز بجسدها المريض بينما الفكر و البال عند عائلتها التي تجهل وضعها في غيابها. و غير بعيد كانت تجلس الحاجة فاطمة من تيارت تصارع نفس المرض و تترقب نهاية مسلسل الألم و المعاناة و قد اشتكت مرافقتها من مشقة و تكاليف التنقل قائلة أن سيارات الكلونديستان تستغل فرصة حاجة المرضى إلى التنقل بسرعة للوصول إلى بيوتهم عبر مختلف الولايات ليطالب السائق مقابل نقل المريض إلى محطة الطاكسي بايسطو، أو الحمري أو كاسطور 500 دينار حتى 600 دينار بدون رحمة أو شفقة غير مراعين حال المريض المنهارة ماديا ومعنويا. و نفس الشكوى قدمها المرضى من رجال و شباب لاسيما الذين يترددون يوميا إلى المركز من أجل حصص العلاج الكيماوي و العلاج بالأشعة. زيادة على مشكل آخر يرافق المرضى أيضا تتعلق بمهمة البحت عن الفصائل الدموية التي لا يحصلون عليها الا بعد شق الأنفس و بعد انتظار طويل حيث ان الكثير من المرضى قضوا و هم ينتظرون متبرع ينقذ حياتهم بقطرة دم. و تبقى هذه النقطة الحساسة التي يتخوف منها المرضى كثيرا لا سيما و أنهم يحتاجون باستمرار الى الصفائح الدموية، و الكريات البيضاء و كذا الحمراء ورغم إقبال الكثير من المواطنين للتبرع على مستوى المركز إلا أن النقص المسجل يحول دون استفادة كل المرضى من المخزون لا سيما بالنسبة للزمر الدموية السالبة.