تصادف الاجتماع الثامن لدول جوار ليبيا في تونس الثلاثاء الماضي مع تصاعد موجة الارهاب العابر للقارات بعد أن هزت تفجيرات انتحارية عنيفة العاصمة البلجيكية بروكسل على خلفية القاء القبض على المشتبه به الأول في تفجيرات باريس صلاح عبد السلام ، و استعجلت دول جوار ليبيا الاجتماع في تونس من أجل تصور حل نهائي و فعّال يجنب تحول المنطقة إلى بؤرة نزاع دائم بين الجماعات الارهابية و الدول المركزية في ظل تنامي ظاهرة التجنيد في التنظيمات المتطرفة و يوعز عدد كبير من الملاحظين و المحللين السياسيين هذا الأمر إلى السيطرة التي يفرضها التنظيم المتطرف المسمى " دولة الخلافة " في شمال غرب و جنوب شرق البلاد الذي يتكفل بدعم لوجستيكي و تدريب منفذي العمليات الارهابية داخل ليبيا و في الجوار . و لا تزال الأوضاع المتردية منذ الاطاحة بنظام القذافي تلقي بتبعاتها على راهن دول الجوار بعد أن دخلت الأراضي الليبية فصائل إرهابية تنتمي إلى تنظيمات مختلفة و التي استطاعت استدراج مئات الشباب من مختلف الجنسيات ، و استقدام أولئك الذين كانوا يقاتلون في سوريا و العراق منذ سنوات . و حتى إن اختلفت الاحصائيات حول عدد المجندين في صفوف الجماعات الارهابية من جنسيات مختلفة ، فان الاحصائية في حد ذاتها تعتبر صادمة و تنذر بخطر يداهم دول الجوار كمرحلة أولى و لا تستثني الدول التي تصفها ب " الجهات التي تحاربه " أو تقدم دعما للحكومات المركزية من أجل مواجهتها عسكريا و لوجستيكيا . و الحديث عن دول جوار ليبيا يقودنا إلى العمليات الارهابية الأخيرة التي أخذت من بلدة بن غردان في الجنوب الشرقي لتونس مسرحا لها ضد مركز للأمن التونسي و تمكنت قوات الجيش من القضاء على عناصرها ،و تجنيب البلدة مجازر حقيقية رغم تجدد الهجمات و المواجهات بين الطرفين خلال الأيام التي أعقبت الثامن مارس و قد وضعت الأجهزة الأمنية يدها على مخابئ لأسلحة كثيرة نوعا و كما . أمّا في مصر فيرتبط تنظيم أنصار بيت المقدس الذي نفّذ عديد العمليات في شبة جزيرة سيناء وبايع تنظيم دولة الخلافة بنفس أيديولوجية الجماعات التكفيرية المتشددة المتطرفة الارهابية المنتشرة في شمال إفريقيا و في ليبيا تحديدا. و في الوقت الذي يواجه الجيش المصري هذه العمليات الدموية يكثف نشاطه على الحدود مع ليبيا و البالغة 1940 كلم للحد من تسلل العناصر الإرهابية إلى الأراضي المصرية . ويمكن اعتبار مصر أكثر دول الجوار تأثراً بسيطرة التنظيمات الارهابية على ليبيا ، فإضافة إلى بؤرة التوتر والتسليح والتجنيد التي باتت على مقربة من حدودها الغربية ، تم استهداف 21 من أبنائها ذبحاً ، مع ما أثارته تلك الجريمة من ردود فعل شعبية قوية وضغوط على الحكومة من أجل الرد العسكري عليها. إلا أن الجماعات المتطرفة في شمال إفريقيا تمثل أيضا حلقات مترابطة لا تفصل بينها الحدود ، فبين ليبيا وتونس و الجزائر ، يتمتع المسلحون بحرية كبيرة في الحركة مما يجعل من جهود مكافحة الإرهاب تحديا يستلزم جهدا جماعيا من هذه الدول التي لا تتوانى جيوشها في إحكام المراقبة و التصدي لمحاولات الاختراق . تدخل أطلسي و تحذير جزائري و لا تزال حادثة تيقنتورين ، يناير 2013 في جنوبالجزائر في الحسبان إذ أنه للمرة الأولى تستهدف الجماعات الارهابية موقعا نفطيا جزائريا قريبا جدا من الحدود الليبية ناهيك عن الانشغال المتواصل للجماعات المتشددة من أجل نقل السلاح و الذخيرة إلى الجزائر و التي لا يزال الجيش الوطني الشعبي يتصدى لها . هذا بالإضافة إلى محاولة تفجير الحقل الغازي بالمنيعة و التي أحبطتها مفرزة للجيش الوطني يوم الجمعة 18 مارس. و في بداية تدخل منظمة حلف شمال الأطلسي في ليبيا حذرت الجزائر من أن منظمة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ستستغل هذا التطور الجديد و من مخاطر وقوع الأسلحة و خاصة صواريخ أرض-أرض في يد الارهاب و وجدت المبادرة الجزائرية ترحيبا إقليميا ودوليا وإشادة من الأمين العام للأمم المتحدة ومن مبعوثه الخاص إلى ليبيا مارتن كوبلر. كما اتخذت تداعيات الأزمة الليبية على تونس ثلاثة أشكال عسكري و اقتصادي و اجتماعي. وما يُغذي هذه الأبعاد هو ارتفاع عدد المقاتلين التونسيين في سورية و العراق ، بحسب تقديرات وزارة الداخلية التونسية ، إلى 3800 عنصر لا يُستبعد أن يعود كثير منهم إلى بلدهم. كما أن في ليبيا حالياً ما لا يقل عن 1500 مقاتل تونسي مدربين و مسلحين. و رغم استمرار هشاشة الوضع في جنوبتونس فإنه يستعصى على التنظيم الارهابي " دولة الخلافة " إقامة إمارته هناك و بالتالي فتح ممر نحو افريفيا و المغرب العربي لقد تأكدت عديد الدول الافريقية و الأوربية التي هزها الارهاب أن أمنها لا يبدأ من حدودها الإقليمية بل من الداخل الليبي الذي يزداد تعفنا أمنيا و سياسيا برفض الليبيين الحوار بينهم في ظل تأجيج عناصر الفرقة .