بينما هو يحتضر في سريره بالمستشفى ينتظر نزول إرادة اللّه تعالى أريد أن أحيي صديقي وأخي الأكبر "نذير بن درامة" أو المدعو "قاسم" كما يحلو لأصدقاء الطفولة بمناداته مثل قدور بخلوفي عبد القادر شراكة أو "بين" كما يسميه بعض اللاعبين الذين تتلمذوا على يده، حيث أطر عدة أندية من مختلف المستويات بكل من أوروبا، الجزائر والمغرب، أردت فقط أن أشيد بإبن "الطحطاحة" المولع بحماس الباهية و"بلده الأم" المنقوشة في قلبه دائما على الرغم من عدم وجود تقدير وإعتراف لمساهمته الكبيرة في تطوير كرة القدم على الصعيد الدولي. وقبل شهر كان من دواعي سروري لرؤيته يغادر المستشفى لأجل بضعة أيام معه بمقر إقامته الكائن بمنطقة "فال دي مارن" كان يكافح المرض الخطير الذي أصابه ولا أمل في شفائه لكنه بقي هادئا وكأن شيئا لم يحدث له، فهذا السلوك جدير برجل عظيم يصارع المرض ببسالة، لقد تجاذبنا أطراف الحديث عن كرة القدم وتطرقنا لمسيرته الإحترافية منذ أن كان لاعبا الى غاية حصوله على شهادة مستشارا مختصا في الإدارة الرياضية ( لمناجمنت الرياضي) ومرورا بمختلف المحطات والتحديات التي رفعها في تأطير الأندية سيما تلك التي كانت تحتل مراتب غير مشرفة في جدول الترتيب إذ ساهم في تحسين مستواها والإرتقاء بها الى المراتب العليا. بن درامة يعد من أبرز الوجوه الرياضية الوهرانية المعروفة في الساحة الكروية، كان أعظم مساهم في تطوير اللعبة شأنه شأن اللاعبين المعروفين الذي صنعوا المجد في هذا العالم، والذين إشتهروا بقيمهم الإنسانية قبل ولوج عالم الإحتراف في الميدان. بن درامة هو المؤطر الذي أسس أول مدرسة كروية للرياضيين بفرنسا، وتقلد منصب المدير الفني للفريق الوطني للمحترفين سنوات الثمانينات. "نذير" أو "قاسم" كما يلقبه أصدقاؤه لا يتراجع أبدا أمام التحديات الكبرى إجابته دائما هي الحضور لرفع التحدي وذلك منذ أكثر من أربع عقود التي نجح خلالها في مهامه وطاف عدة دول على غرار أوروبا عبر فرنسا، إسبانيا، بلجيكا والمغرب. ولمعرفة المزيد عن هذا الرجل الذي قدم خدمات جليلة خصيصا لكرة القدم في كل الأوقات وفي شتى الملاعب وبمختلف أقطار المعمورة، وسيما الميادين المغاربية والأوروبية من حي "راديوز" بمدينة بيفران لافلاموند البلجيكية، أين يفضل تناول طعام الغذاء مرورا "بكتالونيا" الإسبانية ووصولا الى "إيل دوفرانس" الواقعة شمال فرنسا الى غاية توقفه بالقرب من جيراننا بمدينة قنيطرة المغربية يكفي فقط الوقوف عند مبادئه الرئيسية المنتهجة على النحو التالي: شعاره "العمل الجاد يجني ثماره في نهاية المطاف" طريقته "التركيز على الجانب البدني والتكتيكي مع التحلي بالإنضباط لرفع مردود الفريق ميزته "الصبر" ودعائمه "المراهنة على الشباب دون تردد" العودة الى نقطة الصفر إذا تطلب الأمر. أهدافه تدريب نوادي تحتل المؤخرة للإرتقاء الى المراتب العليا. وبهذه المبادىء وإتفاع المنهجية المذكورة يمكن أن تكتسب مؤهلات هذا الوجه العظيم المعروف بالساحة الكروية الوهرانية في صورة عمه العزيز عبد القادر فيرود. هذه الشخصية الفريدة التي كانت تنشط في الظل أو الخفاء إستوقفتنا على على عجالة عند مسيرتها. والبداية بناديه الأصلي "كالو" المتخصص في تكوين الشباب هذه المدرسة الرائدة التي تعد الأولى في شمال إفريقيا ويعود الفضل في تأسيسها الى "إكسلابيز" عميد كرة القدم الإفريقية. مشواره مع المحترفين بعد مغادرته لفريق "كالو" سنة 1955 عندما كان يبلغ من العمر 19 سنة، إنضم الى فريق أولمبيك نيسي أين إلتقى بزملائه المحترفين بفرنسا على غرار عبد الحميد زوبا، بن تيفور، وقريبه الآخر أحمد فيرود، حيث كان ينشط في هذا النادي ألمع النجوم الكروية آنذاك أمثال "أمالفي"، "فونتان" روبان برافو وغيرهم ثم أعير بن درامة الى "أفسي باربينيون" وساهم في تحويله عمدة مقاطعة نيسي الفرنسية، إذ تدرب بن درامة على يد "كوتش" المعروف في السابق "بير سينيالدي" الذي كان مثله الأعلى وقدوته في التدريب بعدها تحولت وجهة "بن درامة" الى عالم التدريب، وفي نفس الوقت كان لاعبا قضى فترة قصيرة بإسبانيا في نادي رديبول الذي كان ينشط في الدرجة الثانية نداء جبهة التحرير الوطني بعد أول ظهور له كلاعب محترف وأبان عن قدراته الفنية إنتقل الى مدينة "بيزيه" عام 1958 أين صادف رفاقه على غرار بوخالفة، عمارة، وصديقه كروم قبل إنضمامه الى نادي لوريون لمسوم (60/59) وعلى غرار بقية أثرابه من المحترفن إلتحقوا متأخرين لنداء الوطن أمثال (الإخوة فيرود بيتولوز ونيس، سعدي (أورليون )، ودجاني (فوندوم بلوا)، ماحي (رانس) وهي المجموعة التي لم تتمكن من الإلتحاق بمجموعة بومرزاق ومعوش، قاسم لم يكن قادرا للأسف على الإلتحاق برفاقه الى تونس، وقبل بمهمته الجديدة لمساعدة ترحيل أعضاء فريق جبهة التحرير (الأفلان) من مدينة "ميدي بيريني " الى غاية مقاطعة "كرانساك". ومن هنا رفع أيضا التحدي الأول في المجال الرياضي لدى الفرق الهاوية المحلية حيث خاض مبكرا أول تجربة في مجال التأطير والتدريب "يقول أنه جسّد مبادىء مطعمه ومدربه السابق "سينيبالدي" هذه التجربة مكنته من إكتشاف المواهب على غرار زيبانياك وألاش وضمهم ضمن اللاعبين المحترفين. وفي أعقاب الإستقلال، إنتقل إلى الأبيار سنة 1963 ليحل مكان إبرير الذي رحل إلي ولاية تيارت، حيث أشرف على تأطير مدارس التكوين بنادي الأبيار (JSEB) وبعدما نجح في تجربته الأولى ب» كرانزاك« الفرنسية، تألق بن درامة أيضا مع شبيبة الأبيار ووصفته الصحافة الجزائرية آنذاك بالساحر على طريقة عمه عبد القادر فيرود وساهم في بلوغ أبناء الأبيار الدور نصف النهائي في ثاني طبعة لمنافسة كأس الجزائر سنة 1964 للعلم أن فريق الأبيار صنع الحدث في تلك الفترة بعد اقصائه لنادي ستاد دورانس في الدور السادس عشر من منافسة كأس فرنسا سنة 1957 . وفي سنة 1965 درب وداد تلمسان الذي كان يضم ترسانة من اللاعبين الممتازين من بينهم 7 عناصر من 0صنف الأواسط من جيل بلخوجة، خليفة، مراد، بندي وغيرهم. وبعد قضاء إجازته بوهران ساهم أيضا في اعداد فريق من اللاعبين لنادي مولودية وهران الذي كان يتواجد بدون مدرب بسبب هروب سعيد عمارة إلى سعيدة وكانت الفرصة للاعبين المحنكين لفريق مولودية ودران أمثال (وناس، قشرة، هدفي ميلود، جلاي، مهدي، شعيب...إلخ ) من إستفادتهم لتدريبات حقيقية، حيث تأقلم ميلود هدفي مع طريقة التدريب التي كانت على أعلى مستوى، وحتى الشيخ »زوبير« الذي خلفه وجد مدرسة في التكوين جاهزة للموسم الجديد. مسيرة حافلة بالإنجازات ... بعدما انهى مسيرته بشرف على الصعيد المحلي وعاد إلى فرنسا عام 1967 حقق بن درامة موسما ناجحا مع ناديه الذي احتل صدارة الدوري الفرنسي وعلى هذا الإنجاز المحقق اختير بن درامة كأحسن مدرب شاب ولاعب بمدينة ميدي في عملية سبر الآراء ل» فرانس فوتبول« وبما أن من عادته اكتشاف المواهب الشابة ساهم قاسم في ظهور اللاعب الدولي» ديغو لوينر« قبل أن ينتقل إلى أولمبيك مرسيليا وساهم بخبرته وكفاءته كرجل التحديات الكبرى، في نجاح المشوار وبعدما جعل العديدمن الأندية التي كانت تنشط عبر الإقليم الباريسي تطلب خدماته أين وضع حقائبه واستقر هناك وساهم في صعود العديد من الفرق إلى المستوايات العليا سواء ب »كلامسي« أو »مولان« وخاصة بمدينة »مانت لاجولي« إلى غاية 1975 . وبدعم من عمدة »مانت لاجولي«، جون جول دافيدو رئيس فريق مانت وضع ابن المدينةالجديدة للفئات الأولى لمشروع إنشاء أول مدرسة لرياضي النخبة بعد التحضير له ب »كلامانسي« أين كان يفكر بعمق عندما كان في تربص بألمبيك تيم عند عمه سنة 1970، هذا المشروع مكنه من تكوين الشباب والقضاء على العجز في عدد المدارس من خلال اختيار المؤهلات المطلوبة في اللاعبين الشباب. إبن » الطحطاحة« تقلد مهام أخري جديدة بعدما تحصل على شهادة مؤطر تربوي تم مستشار في التعليم ولم تمنعه هذه المناسب من التخلي عن مدرسته في تكوين لاعبي كرة القدم، وتابع مهمته في التأطير بإشرافه على نادي ايل دو فرانس للبحث عن التحدي جديد لمواقع عديدة (كليشي سوبرا، أوزوار، ليزنيه وغيرها...) مهمته الجديد في خدمة كرة القدم بن درامة كسب بإدمانه على العمل الشاق والمضني ثقة واحترام اللاعبين المغتربين خاصة وأنه ظل دائما في خدمة البلد الأم، حيث يعود له الفضل في انشاء الإتحاد الجزائري للاعبين المحترفين (UFPA) وفاز بتقدير اللاعبين المغتربين وفي مقدمتهم : بن مبروك، دحلب، جداوي، قريشي ، منصوري، ماروك، تلمساني، دون نسيان، الثلاثي المحترف عصاد، ماجر وبن صاولة.... وبالموازاة مع ذلك حضر لمستقبل الكرة الجزائرية من خلال المتابعة والتنقيب عن المواهب الشابة المقيمة بالمهجر على غرار الإخوة شبال، ديب، وجاني، سنجاق، وآخرون إستفادوا من تأطير خلال مشاركاتهم في الدورات الأوروبية واللقاءات التي كانت تجمعهم بنظرائهم من الجزائر. ثم كلفّ من طرف وزارة الشبيبة والرياضة بمهام مساعدة المدربين بما في ذلك الثنائي (روقوف-معوش) ثم (مخلوفي - خالف) لوضع رهن إشارتهم المحترفين الجزائريين والتنسيق مع أنديتهم الأوروبية إستعدادا لمونديال 82 ونفس الشيء حدث مع سعدان قبل مونديال 86 . هذا الرجل العظيم كان يعمل بديناميكية ونشاط في الخفاء بعيدا عن الأضواء !! وقال أنه سوف ينجح في حل مشاكل المحترفين مع أنديتهم والهيئات الفيدرالية وإلى حد تسوية حتى مشاكلهم الشخصية، حيث كان بمثابة » الأب« الذي يسعى لحماية أبنائه وهو يعمل طوعيا، ودون مقابل ودون البحث عن الثناء والشهرة. مساعيه في التسيير الرياضي وهكذا بعدأن قدم خدمات جليلة لوطنه »الأم« ببسالة من قال أنه سوف ينسحب بهدوء تام، مثلما استهل مشواره في خدمة كرة القدم، الجزائرية ولحد الآن ليس هناك اعتراف ولا تكريم لهذا المساهم المتطوع الذي فضل عدم الكشف عن هويته وتجاهلته السلطات والهيئات الرياضية على العموم ومثلما يقول دائما:» كل ما قدمته من انجازات كان لخدمة الشباب الجزائري« منذ عهداته الفيدرالية قدم يد العون للأندية المحترفة بفرنسا وبمناطق أخرى على غرار القنيطرة المغربية أين أشرف على العارضة الفنية لنادي القنيطرة وأشرف على تدريب نادي بيفرن البلجيكي حيث تولى تسيير النادي إدرايا بصفته مناجير إلى غاية سنة 2007 بعدما حاز على شهادة مستشار تقني موسم (88186). لحظات لا تنسى مع هذا الرجل العظيم، وأدركنا أن حلمه هو توظيف خبرته ومهاراته في تقديم الإستشارات الإدراية لأجل انتهاج نظام الإحتراف الحقيقي بالجزائر، لكن للأسف القدر أراد شيئا آخر. مما يكن ... عزيزي قاسم... لن ننساك أبدا وسنظل دائما نتبع مسارك الاحترافي الذي رسمته برياضة كرة القدم... وفقا للمبادئ للوصول على الرغم من كل العراقيل إلى تحقيق ما كنت تريده دائما.