رفع المخرج عبد القادر جريو سقف منافسة المهرجان الوطني للمسرح المحترف في دورته 13، التي تختتم مساء الغد بالاعلان عن اسماء المتوجين، بعرضه المسرحي “فلحيط”، والذي أنتجه المسرح الجهوي لسيدي بلعباس، حيث تمكن فيه بتشريح واقعنا السياسي والاجتماعي بأدواته الفنية و دلالته القوية والعميقة. استطاع عبد القادر جريو أن يشد انتباه الجمهور الذي غصت به قاعة المسرح الوطني لأزيد من ساعة لأنه قدم عرض لامس واقع وهموم الشعب والمجتمع. في مسرحية “فيلحيط” فتح المخرج النار في كل الاتجاهات وانتقد كل شيء الطبقة السياسية والمثقفين وحتى الشعب البسيط فالفساد في اعلي هرم السلطة هو نتيجة بالضرورة للفساد المتراكم في مختلف أبنية وطبقات المجتمع. تروي المسرحية قصة حاكم “الدايم” فالحاكم العربي يرمي بالضرورة إلى الديمومة والخلود في المنصب “يعجز الطب في أن يمنحه القدرة على الإنجاب فيستعين بمشعوذ يدعى الحكمة وامتلاكه القدرة على تحقيق المعجزات فيسعى إلى منح الحاكم الأمل في الإنجاب ومعه يتمكن هذا المشعوذ من الوصول إلى مكانة عالية في هرم صنع القرار لأن بالصدفة زوجة الحاكم تحبل. وسط هذه القصة يعالج جريو بطريقة ساخرة على طريقة الكوميديا السوداء مجموعة من القضايا الاجتماعية والسياسية من علاقة المواطن البسيط بالعمل والاستهتار بالعمل كمقيمة حضارية وإنسانية، إلى علاقة الرجل بالمرأة ومكانتها في المجتمع، دور الطبقة المثقفة، استعمال التكنولوجيا ودور وسائل الإعلام بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي. قدم جريو كل هذه التفاصيل في قالب درامي مؤثث بالموروث الشعبي من حكم و أمثال و إحالات سوسيو ثقافية شحن بها لغته. إلى جانب استغلاله للات الموسيقية الشعبية من البندير إلى القصبة و الأغاني التراثية بكل محولاتها. فجاء عرضه قويا و مؤثرا واستطاع أن يضمن الفرجة لجمهور وزوار مسرح محي الدين بشطارزي. اعترف جريو في جلسة المناقشة التي تلت العرض أنه لم يكن محايدا في معالجة مشاكل واقعه لأنه لا يؤمن بالمسرح من أجل المسرح بل يرمي إلى إيجاد مسرح مرتبط بقضايا مجتمعه و اعتبر المخرج أن مسرحية” في لحيط” تكملة لعرض” يا دلالي” الذي قارب فيه موسيقى الرأي حيث تناول فيه آلات موسيقى أغنية الرأي واعتبر المتحدث أن مشروعه المسرحي يرمي إلى البحث في الموروث الجزائري بهدف مصالحة الجمهور مع الخشبة. و أضاف جريو في معرض إجابته على أسئلة الجمهور أنه استفاد كثيرا من تجربة البرنامج التلفزيوني “جرنان القوسطو” في اكتساب خبرة في نقد الواقع السياسي. وفي ندوة صحفية نشطت عقب العرض قال المخرج عبد القادر جريو أنه لا يؤمن بوجود مسرح بدون قضية وإنه منحاز في أعماله لصالح الأعمال المتفاعلة والتي تقف دائما في صف قضايا الجمهور والمجتمع ويتحدث جريو عن بعض خياراته الإخراجية والفنية في هذه الدردشة مباشرة بعد عرض العمل، بخصوص الجرأة التي تضمنها العرض قال “لم اخترع أي شيء من عندي ولم آتي بجديد هذه هي طبيعة المسرح وهذا ما كان يفعله كاتب ياسين و علولة و مجوبي. أنا باحث في التراث المسرحي الجزائري وأرمي في أعمالي إلى إعادة ربط الجمهور بالخشبة من جديد وفي اعتقادي أن المسرحي الذي لا يكون على علاقة بواقعه الاجتماعي والسياسي ليس مسرحيا. أنا أرمي إلى تقديم مسرح يستفز الجزائريين و يجعلهم يرون انسهم على الخشبة وهكذا افهم المسرح”.