شجّع الاحتقان الذي يطبع المشهد السياسي بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الكثير من الشخصيات الوطنية البارزة، على البقاء في الواجهة، أملا في حدوث اختراق في جدار السلطة، في مشهد غير معهود، الأمر الذي أعطى حركية سياسية لافتة لم تشهدها البلاد منذ سنوات. فرئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، الذي عاد إلى الواجهة بعد غياب دام عشر سنوات، واصل نشاطه بعد الاستحقاق الرئاسي في إطار ما يعرف ب"قطب التغيير" المتشكل من 13 حزبا سياسيا، عكس ما انتهجه الرجل مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2004. فقد أقدم بن فليس على تنشيط ندوة صحفية بعد ترسيم المجلس الدستوري لنتائج رئاسيات 17 أفريل، ليقول للجزائريين إنه الرئيس الفعلي بحصوله على أربعة ملايين صوت، مشككا بذلك في نزاهة الرئاسيات، قبل أن يباشر مشاورات مع الأحزاب التي ساندته في ترشحه، لإطلاق ما عرف بعد ذلك ب"قطب التغيير"، ثم لم يلبث أن التقى بقيادات "تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي"، مع الأخذ في الحسبان إعلانه تأسيس حزب جديد، مستغلا الهياكل التي نصبها أثناء حملته الانتخابية، فضلا عن رده "العنيف" على رسالة مدير الديوان برئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى، المكلف بإدارة المشاورات حول تعديل الدستور المقبل، وإعلانه المقاطعة. وفي السياق ذاته، بات لمولود حمروش، رئيس حكومة الإصلاحات في عهد الشاذلي بن جديد، نشاط سياسي في كل أسبوع تقريبا، فيما بدا تأكيدا من الرجل على الالتزام بالبقاء في الواجهة تحسبا لما هو قادم من استحقاقات. فمن عاصمة الغرب الجزائري، وهران، يشارك اليوم حمروش في ندوة تنظمها جمعية تعرف ب"لجنة المبادرة واليقظة" بفندق الحرية، تشرف عليه يومية "لوكوتيديان دوران" الناطقة بالفرنسية. وقبل أن يسافر إلى وهران، كان المرشح المنسحب من رئاسيات 1999، ضيف لقاء في العاصمة من تنظيم جمعية "راج" المعروفة بقربها من دوائر حزب جبهة القوى الاشتراكية. كل هذه الخرجات تضاف إلى تلك التي وقّعها الرجل قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، من خلال رسالته الشهيرة بتاريخ 17 فيفري المنصرم، ثم الندوة الصحفية التي أعقبت ذلك التاريخ بعشرة أيام، فمشاركته في فوروم جريدة ليبيرتي.. وبالإضافة إلى ذلك، ينتظر أن يعبر رئيس الحكومة الأسبق، عن موقفه النهائي بخصوص دعوة أحمد أويحيى للمشاركة في مشاورات تعديل الدستور. ما يجمع بين خرجات بن فليس وحمروش، وغيرهما من الشخصيات السياسية الراغبة في التموقع تحسبا لما هو قادم، هو أنها جاءت في سياق حراك سياسي مفعم بالحيوية والعنفوان، يغذيه الحديث عن انتخابات تشريعية مسبقة، بعد الانتهاء من تعديل الدستور الذي يتوقع أن يكون في غضون الدخول الاجتماعي المقبل. ومن شأن هذا الإصطفاف السياسي الموجه ضد السلطة، أن يدفعها لمراجعة بعض مواقفها المتصلبة فيما يتعلق بالإنفراد بصناعة القرار السياسي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يساعد السلطة على الأقل من أجل إنجاز وعدها بالذهاب ل"دستور توافقي" يخفف من الاحتقان السياسي القائم، ويقود إلى تبديد الغيوم الملبدة في سماء العلاقة بين الطرفين.