ليلى أعراب/ آمنة بولعلوة لا يزال موضوع التعدي على الأصول في الجزائر يسيل الكثير من الحبر، فلا تكاد تخلو المحاكم الجزائية عبر الوطن من قضيتين أو أكثر أسبوعيا، فيما تعالج المحاكم دوريا ما يعادل 5 قضايا تعدٍ على الأصول كل أسبوع، وسط انتشار رهيب لظاهرة العنف ضد من قال عز وجلّ فيهم في محكم تنزيله "ولا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما". لا تمثل القضايا المتعلقة بالجرائم المرتكبة ضد الأصول والمطروحة أمام المحاكم، سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد الذي يخفي العدد الحقيقي للقضايا التي تحدث يوميا، بسبب تكتم أصحابها وعدم تبليغهم عنها، كما لا يقتصر العنف ضد الأصول على الوالدين فقط، بل يتعداه إلى الأقارب وذوي الأرحام، في مشاهد يندى لها الجبين وتقف الأذهان حائرة أمام جيل لا يكِنُّ التقدير للأرحام، متناسين مقولة "كما تدين تدان". طالبة جامعية تمطر والديها سبّا عالجت المحكمة الابتدائية لبئر مرادرايس قبل أسبوعين قضية طالبة جامعية في مقتبل العمر، متابعة بجنحة السب والشتم إضرارا بوالديها، بعدما أفنى حياتهما في تربيتها وتعليمها إلى غاية حصولها على شهادة البكالوريا، ودخولها الحرم الجامعي في تخصص لغات أجنبية، وذهل قاضي الجلسة من عبارات السب والشتم المذكورة في محاضر الضبطية القضائية لدى سماع الضحيتين على إثر تقييدهما شكوى ضد ابنتهما، وجاء في المحاضر أن الفتاة كانت تسب والديها بشكل دوري، مما دفعهما إلى اللجوء للقضاء للحد من تصرفاتها العدوانية. وتعودت الفتاة حسبما ذكرته والدتها التي بدت عليها ملامح الخجل من تصرفات ابنتها، خصوصا وأن الجميع كان ينظر إليها بنظرة الاستحقار، أن تشتم والدتها وتدعو عليها باستمرار وتصرخ في وجهها بشكل دائم، إلى درجة أن والدتها أصبحت تشعر بالخوف منها، ولا تجد ما تفعل حيال ذلك غير الدعاء لها بالهداية، فيما أكد والدها بأنها فتاة مدللة وهم لا يبخلون عليها بأي شيء، وأنه جرب كافة الطرق العقابية معها، لكنها تتمادى في كل مرة، مؤكدا أن دخولها الحرم الجامعي واختلاطها برفقاء السوء زاد الطين بِله. وطالب والدا الفتاة من هيئة المحكمة تشديد العقوبة على ابتهما العاقة، وتنازلا في الدعوى المدنية عن حقوقهما في التعويض المادي، فيما حاول قاضي الجلسة لعب الدور الخُلقي التربوي لإرشاد الفتاة بأهمية الوالدين، مؤكدا أنه مهما كانت العقوبة الدنيوية شديدة فإن عقوبة الله عز وجل أشد وأقسى. ترمي بأمها الكفيفة إلى الشارع لتستحوذ على شقتها هي قضية عالجتها محكمة بئرمرادرايس هذا الأسبوع، تتعلق بامرأة في العقد الخامس من العمر، أقدمت على رمي والدتها الكفيفة والتي تعاني من إعاقة حركية كذلك إلى الشارع، وتستحوذ على شقتها التي تركها المرحوم والدها في الأبيار، ليتكفل الجيران بإيواء والدتها وتلبية حاجياتها بشكل دوري. الشقة عبارة عن غرفة واحدة بجنب السكن الوظيفي الذي تقطن فيه ابنتها ببهو عمارة في الأبيار، كونها عاملة نظافة، وبسبب ضيق مسكنها أقدمت على كسر الحائط المجاور لمنزل والدتها، للمبيت فيه رفقة أبنائها، غير أنها لم تكتف بالتعدي على الملكية العقارية لوالدتها، بل أخرجت والدتها إلى الشارع، من دون اعتبار للسنوات التي ضحت فيها على تربيتها، غير أن الأم في المقابل لم تودع شكوى ضد ابنتها العاقة بتهمة التعدي على الأصول، بل التعدي على الملكية العقارية فقط، لتحفظ لنفسها مكانا تقطن فيه بدل المعاناة اليومية التي تعيشها عند الجيران. المتهمة ولدى مساعها أمام قاضي الجلسة أنكرت الأفعال المنسوبة إليها، وذكرت أن الشقة التي استحوذت عليها منحها إياها والدها قبل وفاته، لكنها لم تجرأ على إنكار فعلتها الدنيئة ضد والدتها، على الرغم من أنها كفيفة ومعاقة حركيا، وتناست أن الدنيا تدور وأن الصفعة التي أهدتها لأمها اليوم ستعود إليها بنفس الحدة غدا. مدمن يهدّد بحرق جدته وتابعت النيابة العامة لمحكمة بئرمرادرايس مؤخرا قضية مراهق مدمن على استهلاك المخدرات والحبوب المهلوسة بجنحة التعدي على الأصول، بعدما أقدم على ضرب جدته التي يقطن معها، مهددا بحرقها في حال لم تسلم له مبالغ مالية لاقتناء السموم التي يستهلكها، وذكرت جدّة المتهم أنها سلمت له ما يقارب 70 مليون سنتيم على فترات متفرقة، وأن ليلة الحادثة قدم إلى منزلها ليطالب بالمزيد من الأموال، وبسبب رفضها تقديم المبلغ المطلوب انهار عليها ضربا، ونزع الخيوط الكهربائية من الحائط مهددا بحرقها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أقدم المتهم على ضرب جده بعدما تدخل لإنقاذ زوجته من الاعتداء الذي تعرضت إليه. وحاولت جدة المتهم التراجع عن تصريحاتها في محاضر الضبطية القضائية يوم إيداعها الشكوى، وأكدت لقاضي الجلسة أن إدمانه للمخدرات كان السبب وراء تعديه عليها، والتمست من القاضي تطبيق أقصى ظروف التخفيف على حفيدها، فيما طالب جده بتشديد العقوبة عليه حتى لا يعود مستقبلا إلى مثل هذه التصرفات، قبل تلتمس النيابة العامة حبس المتهم لمدة 3 سنوات موجوبة النفاذ، مع 50 ألف دينار غرامة مالية. شاب يخنق خالته لتذمرّه من عيشها معهم وأودعت عجوز في العقد السابع من العمر شكوى ضد ابن أختها تتهمه فيها بالضرب والجرح العمدي، بعدما أقدم على خنقها لتذمره من عيشها معهم في المنزل العائلي، وأودع الشاب الحبس الاحتياطي بالمؤسسة العقابية، فيما انهارت والدته نفسيا خلال جلسة المحاكمة لوقوفها مشتتة بين أختها الطاعنة في السن وابنها الموجود بالسجن. وكان يبدو على خالة المتهم علامات الخرف لدى استجوابها من طرف المحكمة، خصوصا وأن الشاب كان يقسم بأغلظ الأيمان أنه لم يتعرض لها ولم يقم بإيذائها، وأن هذه الاتهامات هي من نسج خيالها فقط، وأوضح لهيئة المحكمة أن خالته تقطن معهم في المنزل نفسه منذ سنوات، وأنه موظف ولا يمكث كثيرا بالبيت، مستغربا تلك التصريحات التي أدلت بها خالته، فيما طالب ممثل الحق العام إدانة المتهم بالجرم المنسوب إليه، وعقابه ب 3 سنوات حبسا نافذا، مع 50 ألف دينار غرامة مالية. عقوبات تصل إلى السجن المؤبد الجدير بالذكر أن المشرع الجزائري نص على تسليط أقصى العقوبات على كل من يعتدي علي والديه سواء باللفظ أو بالضرب، حيث تصل العقوبة إلى السجن المؤبد والإعدام. وتنص المادة 267 من قانون العقوبات الجزائري على أن أي اعتداء على الأصول يؤدي إلي جرح أحد الوالدين بعقوبة تتراوح بين 5 و10 سنوات سجنا في حالة ما إذا لم يؤد ذلك لعاهة مستديمة، وفي حالة ما إذا تسبب الاعتداء في إعاقة دائمة لأحد أو لكلا الوالدين، فإن العقوبة يمكن أن تصل إلى 20 سنة وتتضاعف إلي المؤبد في حالة ما إذا تسبب الاعتداء في الوفاة، وفي حالة ما إذا كانت الجريمة المرتكبة ضد الوالدين مع سبق الإصرار والترصد، فإن العقوبة قد تصل إلى الإعدام. وتصل عقوبة إقدام الأولاد على وضع أبائهم في دور العجزة أو القوا بهم إلي الشارع أو قصرّوا في خدمتهم، إلى السجن لخمس سنوات، فيما لا يتم تجريم من يمتنع ظرفيا أو يتخلى نهائيا عن التكفل بوالديه كل من الابن المريض أو الفقير. سعاد شيخي رئيسة جمعية إحسان: المنحة سبب تعرض الأصول إلى الاعتداء أكدت سعاد شيخي رئيسة جمعية إحسان للشيخوخة المسعفة في تصريح للحوار أن ظاهرة الاعتداء على الأصول معروفة وواضحة ومست فئة كبيرة من المسنين للأسف في مجتمعنا الجزائري، وخصوصا اللذين يستفيدون من المنح سواء منحة التقاعد أو غيرها، حيث يجبر الأبناء العاقون آباءهم وأمهاتهم على منحهم المال ويستعملون أسلوب العنف والاعتداء في حقهم في حالة الرفض. وأضافت رئيسة جمعية إحسان للشيخوخة المسعفة أن ظاهرة الاعتداء من أشهر المشاكل التي يصادفها المسنون بالجزائر، وعلى الرغم من أنهم يقومون فعلا برفع دعوى لدى مصالح الشرطة، إلا أن أغلبهم يوقفون الإجراءات قبل النطق بالحكم لدى المحكمة، نظرا لطيبة قلب الوالدين اتجاه أبنائهم، حتى لو كان هؤلاء الأبناء لا يبرونهم ولا يتمتعون بأي مشاعر إنسانية، إلا أن معظم الآباء والأمهات يتنازلون عن حقهم ويمتنعون عن حضور الجلسات في المحكمة. وقد أشارت سعاد شيخي إلى أن جمعية إحسان سعت جاهدة لحماية المسنين من شتى أنواع الاعتداء وطالبت بسن قانون يعاقب المتسببين، وفعلا تمت المصادقة على قانون لحماية الأشخاص المسنين سنة ال2010، وهو يعاقب بالحبس الأشخاص الذين تخلوا عن المسن أو قاموا بالاعتداء عليه، وأضافت رئيسة جمعية إحسان بأن المسنين النزلاء في دار العجزة سبق أن تعرضوا لمشاكل في وسطهم العائلي أجبرتهم إلى الخروج من البيت على غرار تعرضهم إلى الاعتداء، قلة الإمكانيات، بالإضافة إلى عدم وجود أدنى اهتمام وشعورهم بأنهم ضيف غير مرغوب فيه. الشيخ عبد الحفيظ سنوسي يؤكد: " عاق الوالدين لا يدخل الجنة" أكد الشيخ عبد الحفيظ سنوسي مفتٍ بالمجلس العلمي لدار الأرقم في تصريح للحوار أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ومن الموبقات السبع التي أشار إليها الرسول "صلى الله عليه وسلم"، والعاق لا يدخل الجنة لقول الرسول "صلى الله عليه وسلم" في حديثة الشريف "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر والديوث الذي يقر الخبث في أهله والعاق لوالديه". وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن التأفف للوالدين لأن كلمة "أف" هي أكبر كلمة تقال للوالدين فما بالك عن الضرب والشتم، وأضاف الشيخ سنوسي بأن ذكر الإحسان للوالدين ورد مباشرة بعد عبادة الله، فقد قال الله تعالى: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا"، وأشار الشيخ سنوسي إلى وجوب التحدث مع الوالدين بكلام طيب يرضيهم وخصوصا عندما يبلغان الكبر لأن الكبير يحتاج إلى عناية ورعاية، كما قال الله تعالى "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"، وأكد الشيخ سنوسي أن المقصود بذلك التواضع لهما والجلوس معها والدعاء لهما بالمغفرة والرحمة، لأن الدعاء بعد الموت يعتبر برا وإحسانا للوالدين وزيارة القبر أيضا من بر الوالدين، فقد جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد الجهاد معك، فقال الرسول: أحي والداك، فقال له: أمي، فقال الرسول: ألزم رجليها فثمّ الجنة. وأضاف الشيخ عبد الحفيظ سنوسي بأن أكبر جهاد هو الجلوس مع الوالدين والتحدث معهما والتواضع لهما وإكرامها وهذا العمل أفضل من الجهاد.