قال الروائي، واسيني الأعرج، إن فوزه بجائزة "كاتارا" للرواية العربية خلق له أعداء جددا، واصفًا الفوز بأنه تتويج للنص وليس للكاتب، وأنه قوس سيغلقه ليتفرّغ لعمل جديد، كاشفًا عن مشروع الروائي الجديد الذي سيحمل عنوان "العربي الخير". كما تحدّث الأعرج، خلال هذا الحوار الذي جمعنا به في وهران، عمّا وصفها بالمعاناة التي تعرّض لها أبناء الشهداء وزوجاتهن بعد الاستقلال؛ قائلا إن الدولة أهانتهم وشغّلتهم في تنظيم مراحيض المدارس والمؤسسات. حاورته: خيرة بوعمرة
تشارك في ملتقى الرواية والسينما، ضمن مهرجان وهران للفيلم العربي، فماهي أسباب تعثّر الصناعة السينمائية في الجزائر برأيك؟ السينما الجزائرية مرت بثلاث حقب: مرحلة التأسيس التي كانت تحاول تأصيل الفعل التاريخي والثوري عن طريق إنتاج سينمائي تاريخي أثمر روائع السينما الجزائرية، على غرار "ريح الأوراس" و"العفيون والعصا" و"معركة الجزائر" و"أبناء القصبة" وحتى فيلم "نوة" لعبد العزيز طلبي. هي سينما ترتكز على تيمة واحدة، وعلى المبالغة حد تقديس الثوري، غير أن ذلك الاتجاه كان مبررا لبلد خرج من نير احتلال دام أزيد من قرن. المشكل طرح في المرحلة الثانية، حيث انتقل السينمائي من المواضيع الثورية إلى الاجتماعية، فمع توجّه السينما إلى انتقاد المجتمع، بطرح أسئلة تحيل المشاهد على التفكير في أسباب تلك المشاكل التي يعانيها، وكانت البداية بفيلم "الفحام" للمخرج بوعماري، الذي سلط الضوء على فئة معينة من المجتمع، غير أن النقلة الحقيقة كانت مع فيلم "عمر قتلاتو الرجلة" لمرزاق علواش، وهو العمل الذي دخل في النسيج الحقيقي للمجتمع الجزائري وكان نقليا، ولهذا وُوجه بالنقد من قبل المؤسسة الرسمية، وفي هذه المرحلة بدأت السينما الجزائرية تتجه نحو العالمية على اعتبار أنها كانت تهتم بالقضايا القومية والإنسانية المشتركة، أما المرحلة الثالثة فلم تتم لأنها ارتبطت بالحدث، على غرار السينما العالمية التي كانت تركز على صناعة أفلام ذات بعد عالمي، حيث تمكنت سينما الحلفاء مثلا من تشويه صورة الألمان لتجعلها صورة نازية، غير أن السينما الأوروبية اليوم اختلفت تماما، حيث أصبحنا نسمع صورة الألماني، أوصورة المنهزم إن صح التعبير.
تعني أن هذا التعثر كان بفعل فاعل؟ تمنيت أن تنتقل السينما الجزائرية إلى مرحلتها التالية، هناك أموال وإمكانيات كبيرة توفرها الجزائر، ليس هناك مشكل في إنتاج أفلام عن الأبطال، المشكلة في أن نقدمها بشكل نمطي مؤطر لا يقدم الجديد للشباب، علينا أن نخرج من السينما الدعائية إلى السينما التجارية. رواية "اللاز" للطاهر وطار مثلا، لو حوّلت إلى فيلم لأن وطار غيّر نظامها من معركة بين فرنسي وفرنسي إلى معركة بين جزائري وجزائري فرُفض العمل، رغم أنه كان سيقدم رؤية جديدة للسينما الجزائرية.
ألا ترى بأن السينما الثورية اليوم تورّطت في فخ التاريخ الرسمي؟ بلى، أنا أفهم أن تكون هناك عودة إلى الفيلم التاريخي لكن هذا لا يكفي، الجزائر كانت هي الدولة الثانية بعد مصر، في امتلاكها للبنية الصناعية السينمائية، من حيث الإنتاج والإخراج والتقنيات ومخابر التحميص.. هناك أسئلة غريبة تثار حول أسباب تراجع صناعة السينما في الجزائر بهذا الشكل، لماذا تم تشميع مؤسسات الإنتاج العمومية، في ذلك الوقت بدل محاولة تطوير تلك المؤسسات؟ أقولها بصراحة، كانت هناك نية مبيتة لتحطيم السينما الجزائرية.
توّجت مؤخرا بجائزة "كاتارا" عن نص "مملكة الفراشة"، ماذا يعني لك هذا التتويج؟ أي جائزة تمنح لأي كاتب، هي لحظة فرح لكن لحظة يجب أن نأخذها في إطارها وألاّ نعطيها أكثر مما تستحق، الجائزة كرّمت نصا ولم تكرم الكاتب، الكاتب لا يساوي شيئا أمام نصه، لأن لجان التحكيم، لم تقرأ الكاتب وإنما قرأت نصا. جميل تكريم النصوص بأن تنزل إلى المكتبات من جديد وتخلق جوا جديدا وقراء جدد، لكن الأجمل، هو أن يغلق الكاتب القوس الذي فتحه التتويج، هي لحظة وانتهت ولابد من انصراف الكاتب إلى تأليف نصوص جديدة، أنا الآن أفكر في نصي الجديد، ولو أن جائزتي لا تفرح الكثيرين.
من تقصد؟ دون ذكر للأسماء، تتويج أي مبدع بأي جائزة من شأنه أن يخلق عداوات جديدة، وهذا مقبول ولكن أن تتجاوز هذه العداوات حدودها فهذا هو المرفوض بالنسبة لي. هناك شخص لا أريد أن أسميه كتب على صفحته على الفايسبوك، مباشرة بعد تتويجي بالجائزة، قائلا "لو توّجت بجائزة ما لازمت بيتي حتى أصبح روائيا"، وهي تلميحات واضحة لا أحب مناقشتها.
الرواية ستُحول إلى عمل درامي، فهل اشترطت فعلا إشراك ممثلين جزائريين فيه؟ أبدا لم أصرح بهذا الكلام، أصلا ليس لي الحق في إملاء شروطي على المؤسسة التي لها قوانينها. من حقي أن أناقش وأن تكون لي وجهة نظر في إطار علاقة الروائي مع نصه، ومن باب اطلاعه على الجوانب السينمائية والدرامية، وهي آراء قد تلتقي مع القائمين على المؤسسة وقد تختلف.
متى سيتم عرض العمل؟ ما أعرفه لحد الساعة هو أن القائمين على الجائزة يعملون على إنجاز العمل وعرضه في افتتاح الدورة الثانية للجائزة، وهو ما يعني أن المسلسل سيكون جاهزا في غضون سنة، وهناك مختصون سيتم تكليفهم بكتابة السيناريو، وسيكون لي لقاء مع طاقم العمل في فترة قريبة، ولكنني ذاهب دون أن تكون في ذهني أية إملاءات أو شروط.
ماذا تخبيء أدراج واسيني الأعرج بعد هذا التتويج ؟ متوجه إلى باريس بعد مدة قصيرة، وسأنكفئ لكتابة روايتي الجديدة "العربي الأخير" التي بدأت اشتغل عليها، وهي تتناول واقع العالم العربي، هي رواية صعبة معقدة ومتشعبة جدا، من حيث الكتابة، وليس فقط من حيث الموضوع، وهي في الحقيقة تدق ناقوس الخطر الذي يهدد أمن العالم العربي، رغم أننا كعرب لا نولي لجرس الخطر أي قيمة للأسف، مثلا ما حدث في الجزائر في عشر سنوات من التمزق لم يفد العرب في أي شيء.
هذا يعني أنك ضد ثورات "الربيع العربي"؟ أنا أتفهّم الأوضاع الجائرة التي أدت إلى تحرك الشعوب العربية نحو الثورة، لكن السؤال الجوهري هنا، من المستفيد من هذه الثورات والتمزقات التي شهدتها سوريا ومصر وليبيا واليمن، والتي أنهت القوة العربية التي كانت فاعلة في وقت ما في تحريك التوازنات العالمية؟
ماذا عن مشروع مسلسل "القبر المفتوح"، أين وصل؟ هو عمل كتبته للتلفزيون، كتبت15حلقة من المسلسل، لكنه توقف بعد وفاة والدتي التي كنت أريدها أن ترى صورتها في هذا العمل الذي يحكي السيرة النضالية لوالدي الشهيد، وفي نفس الوقت يسلط الضوء على تضحيات زوجات الشهداء والأعباء الكبيرة التي تحملنها، هؤلاء النسوة اللواتي تم تشغيلهن بعد الاستقلال كمنظفات للمراحيض.
أخيرا، ماذا تقول بمناسبة تكريم بوجدرة في مهرجان وهران بمناسبة مرور خمسين سنة على مساره الإبداعي؟ رشيد بوجدرة واحد من أهم الكتاب الجزائريين، كان يستحق أن يكرم في الجزائر التي لم تمنحه أي جائزة، لا يمكننا أن نلوم فرنسا التي لم تمنحه جوائز ولم تكرمه وكرمت من هم أقل قيمة منه، وننسى أن الجزائر لم تكرمه. في التسعينيات اتُهم بوجدرة بنفس ما يتهم به اليوم، ووضع اسمه في القائمة السوداء، ولكنه لم يغادر واختار البقاء هنا في الجزائر. إنه يستحق تكريما أكبر، يستحق تكريمه بوسام الأثير الوطني لأنه كان يمكنه أن يعيش في فرنسا مثل الملك، لكنه اختار حمل هم الجزائريين. وإن كان معارضا فإن الكاتب لا يمكن أن يكون صورة طبق الأصل عن السلطة.