* " الفلسطينيّة برغم كل شجاعتها ومواقفها الوطنيّة يؤخّرها ذكور البيت ولا يتيحون لها كامل الظّروف والدّعم" قاصة وروائية فلسطينية … من مواليد مدينة القدس عام 1988م، متحصلة على بكالوريوس في اللّغة الانجليزية وآدابها- جامعة القدس.. نشرت معظم مقالاتها في الصّحف والمجلّات العربيّة، تمَّ تكريمها من قِبل جمعية الرّواد للثقافة والفنون الفلسطينيّة عن إصدارها " ظلال قلب ". * لنبدأ من المشهد الثّقافي الفلسطينيّ، ما هو وضعه الرَّاهن… ؟
المشهد يضم ألواناً متنوعة، تشكل صبغة الصّوت الذي يمثل الهوية الفلسطينيّة. نرى الألوان الصاخبة تشد الخيوط بازدواجية طاغية، صاحبة فلسفة "مع وضد"، واو العطف تساوي كفتيّ الميزان، لأن خيار "أو" غير متاح في توسيع رقعة القاعدة الجماهيرية على حساب صوت المبادئ والأخلاقيات .. لا أؤمن بالتعميم، فقد تتفاوت الآراء الفردية في هذا الاتجاه، وكذلك لكل قاعدة شواذ، وعليه هناك أصوات وأسماء مع حفظ الألقاب هي مدعاة للفخر والاعتزاز، تجسد الواقع بحلوه ومره، أعتز بهم كفلسطينية، وعلى صعيد شخصي، أسعد بالقراءة لهم ومجالستهم ومناقشتهم وأعتز برفعة أخلاقهم سواء كانوا من جيلي أوالأكبر سناً، هذه الشّريحة لها رسالة تهدف من خلالها إلى تحدي كل الّصعوبات والمعوّقات كحرية التّنقل بسبب الاحتلال، وربط شقوق الوطن وتضميد جروحه، فهناك رؤى تقوم على التّفاعل والابتكار، ولكنها تبقى جهودا فردية تحتاج للدعم والاجتهاد، كما أن هناك تنوع كبير ودرجة من الإبداع في الآونة الأخيرة في الأجناس الأدبيّة المطروحة محلياً ومخزون ثقافي إرثي واسع خاصة في أدب السجون .. كذلك الحال بالنسبة للأدباء الشّباب، هناك أسماء تشتغل على أدبها ولغتها الدّلالية، لا تحتاج لالتفاتة "أنا هنا"، بل تحتاج للتوجيه والدّعم وترسيخ جذور كينونة الأنا في هذه ال "هنا" المكانيّة ..وهناك محاولات قوية جدّاً ترقى لدرجة العالميّة من الحاضرات في قلب السّاحة الفلسطينيّة حالياً ولكنها لا تتعدى بضعة أسماء، حيث أن الفلسطينيّة برغم كل شجاعتها ومواقفها الوطنيّة يؤخّرها ذكور البيت ولا يتيحون لها كامل الظّروف والدّعم.
* على ذكر أدب السّجون …هل يمكنك أن تعطينا بعض الأمثلة عنه؟
نعم …هذا النوع من الأدب، كُتب بعدة أشكال وكله يصب في بوتقة رسم معالم الزنزانة ودواخل الأسير وظلم السجان ورحلة التعذيب، بعضهم وثّقها وهو في السجن وعمل على تهريب أوراقها ومخطوطاتها والبعض كتب بعد خروجه من المعتقل وبعض الأدباء جاشت مشاعرهم فكتبوا عن الأسرى، فمثلاً: كتب إبراهيم طوقان قصيدته "الثلاثاء الحمراء" عن إعدام ثلاثة أبطال: محمد جمجوم، فؤاد حجازي، عطا الزير رحمهم الله جميعاً .. ثم تصاعدت الأحداث، فكان الأسرى بعزيمتهم يوفدون لنا تفاصيل الأسر، مثل "دفاتر فلسطينية" معين بسيسو، كتاب "ألف يوم في عزل انفرادي" للمناضل مروان البرغوثي، "قيود حرة" ثامر سباعنة، "حكاية الدم" زاهر جبارين، "ساعات ما قبل الفجر" محمد خليل عليان، "ستائر العتمة" وليد الهودلي، "يوميات أسير محكوم مدى الحياة" مؤيد حماد، "أحلام بالحرية" عائشة عودة، "المسكوبية" أسامة العيسة، "سجن السجن" لعصمت منصور، "عناق الأصابع" عادل سالم، "تسع رسائل إلى أسرى وأسيرة" ، "مديح لنساء العائلة" محمود شقير، "الطوق" غريب عسقلاني، بالإضافة للدراسات والبحوث عن هذا النوع الأدبي.
* نعود إليك الآن …من هم الأشخاص الذين تحفظين لهم الفضل في بروز قلمك الأدبي… ؟
والدتي و جدتي لأمي ووالدة جدتي لأمي، لهن الفضل في استثارة إيديولوجية الوطن، أراهن بعين قلبي، ولهن بداية الطّريق، من خلال أحاديثهن العطرة بأصالة الأرض وأحداث اللّجوء والتّهجير وبساطة العيش في الماضي والقصص التّراثيّة .. على الصعيد الفلسطينيّ، تابع الأستاذ والأديب إبراهيم جوهر خطواتي منذ بدايتها، وكان لموقع التواصل " الفيسبوك" دور في توسيع العلاقات الاجتماعيّة لديّ، حيث استفدت من ملاحظات لأسماء مرموقة في العالم العربي، أدباء من خارج الوطن الحبيب كالأردن ومصر والجزائر، شجعوني على تكثيف القراءة وتوجيهي لغوياً، ولهم دور في صقل فكري وإحساسي حيال ما أكتب، وصقل ذائقتي لدرجة أني تأثرت أيضاً بأساليبهم التي أتيحت لي في قراءاتهم، أمثال: الشّاعر والرّوائي المصريّ أحمد بخيت، الشّاعر والرّوائي الفلسطينيّ جهاد أبو حشيش، الأديب الجزائريّ علاوة كوسة، الأديب الفلسطينيّ إبراهيم جوهر …
* يرى بعض النّقاد أن نصوصك الموسومة ب "ظلال قلب" تطغى عليها اللّغة الشّعريّة، هل تعترفين بذلك …؟ ثمّ هل تتهربين من قيود القافية الشّعريّة للقصة والرّواية لأنهما رقعة واسعة للبوح بما يختلج في ذاتك الأدبية… ؟
أتأثر بلغة الشّعر، ولكني سأنفي دائماً تهمة أني أكتب الشّعر. الشّعر له ألفاظ جزلة تسبر الدّواخل الإنسانيّة بسكون معتق وتمتع قارئها، أما الخاطرة كما بعض نصوص "ظلال قلب"- أقرب للرسالة والقصة والنّثر أكثر من الشّعر، وهي فيض من الرّوح فقط. ارتأيت في مزاوجة "المضمون " النثري و "الشّكل " الشّعري تجديداً في رسم المداد بما يحمله من موسيقى وشاعرية وصدق، تتقاطع هذه الحيثيات لديّ مشكلةً اللّغة السّرديّة والوصفيّة دون تقيد بنظم معين. أمزج ثقافتي العربيّة بدراستي واطلاعي على الشّعر والأدب الإنجليزي والميثولوجيا، فالكتاب في الجزء الأكبر منه تجربة إنسانية، لغالبية نصوصه الحظ الأوفر في الحديث عن تجربة ذاتية على مدار عام، تحمل طياتها التّخمر العاطفي والفلسفي والثّقافي والسّلوكيات المجتمعية، وكل شخصية وحيثية حقيقية تعرفت إليها وتعاملت معها .. لا أكتب لمجرد الكتابة وإنما من منطلق موقف أتعرض له فكراً وإحساساً أوأعايش أصحابه وأكون شاهدة عليه. الكتاب يقدم تجربة نضجت مع الوقت تحررني من قيود فرضها مجتمعي، أراهن على الوقت لتوضيح ملابساتها، ولكن الكتاب لا يقدم سيرة ذاتية لي. بالنسبة للقصة والرّواية، أجد في الأولى مساحة للاختزال والتّكثيف بعبارات بسيطة بعض المشاهد الحية، أما روايتي "قلقلة في حقائب سفر" خرجت بها من الشّكل الذّاتي برغم أن شخصيتها الرئيسية "زوجة الشّهيد"، حملت جزءاً كبيراً من شخصيتي ككاتبة، ولكن كما تفضلت كانت مساحة التّعبير والبوح أوسع، وحتى في الجزء الثاني من النّصوص بعنوان "مرايا المطر" حافظت على الإيقاع الموسيقي النّابع من الإحساس بالكلمة ولا علاقة لذلك بالبحور الشعرية أو حتى تصنيفها بأي حال ضمن قصيدة النثر، فاشتغالي على المساحة السّردية أقوى، وبالتالي هو ليس هروباً وإنما مجازفة في رسم شكلٍ أو بعدٍ آخر جديد للنص السّردي. النّص إن لم يُكتب من إحساس فهو مجرد عمل يعتمد تقنيات الكتابة ولن يوصل للقارئ ما يريده الكاتب .. قد يرى الإنسان حلماً ويتشاركه مع من يحب ولا يكتفي به لذاته .. الذّاتيّة الكاملة لا تمنح قيمة تاريخية للعمل الأدبي وإنما تُسيّره نحو الرّسائل التي بإمكانه أن يراسل من يخاطبهم بها دون مشاركتها مع الآخرين .. المشاركة جزء من عطاء الكاتب للتحرر من قيود اللّغة والمجتمع وإفادة البشرية.
* ستصدر لكِ قريباً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، رواية " قلقلة في حقائب سفر"، ما الذي تتطرقين إليه في هذه الرواية، وكيف كانت ظروف كتابتها؟
غامرت بنشر الرّواية على شكل حلقات على موقع الجسرة الثّقافي بتشجيع ودعم القاص والإعلامي إبراهيم العامري، وذلك لإثبات تجربة أقوم بها بعد صدور الرّواية ورقياً سأتحدث عن التّجربة ونتائجها بالتفصيل. الرّواية عبارة عن سردية تُخبر ما يعتمل في صدر امرأة تسترجع ذكريات الحب، حب الوطن وحب الآخر .. تسلط الضوء على التكافؤ في اختيار شريك الحياة، والأثر الرجعي لإشكالية أن المرأة إن أحبت انزاحت عن سماع عقلها، ذلك الذي يناشدها أن تتزين بالصبر والعلم وهي تبحث في أن تكون صنواً للآخر، وأماً تفقأ عيون الجهل في محيط مغلق، لا هم له سوى تهميش المرأة وافتراسها، كونها تنأى بروحها عن مخاض "الحمل الكاذب" للمبادئ الملمعة والمنمقة لتكون واجهة لوطن يموت بالنهج التقليدي "المزيف" للعظماء. المرأة لا ينقصها شيء في هيأتها أوتفكيرها في التطور والتأثير وترك بصمتها وإنما تحتاج لفكر يتبنى قدرتها على الإنجاز. الرمزية جزء من النّسيج اللّغوي في البناء المشهدي لرؤيتي ككاتبة، * أرى فيها فضائي الرحب غير المقيد في التصوير.
وفاة الجدة "آمنة"، جدة والدتي، في فبراير 2014م ، والتي سبرت غور الحكاية، أثر فيّ جداً، فقد مزقت ما يقارب الثلاثة فصول من الرّواية. أعدت صياغة تلك الفصول وكتابتها بعد مدة، وقد اختلفتْ تماماً عن سابقتها، وعرضتها على أساتذة لتلقي الملاحظات، ستكون قريباً ورقية ولي شرف أن تكون عن دار نشر أعتز بها، دار فضاءات للنشر والتوزيع، وتشارك بدايةً في معرض الجزائر الدّولي للكتاب.
* ما هي الطقوس التي تكتبين بها؟
لا طقوس معينة، أكتب لأسلم من فخاخ القلب واستكانة الرمش وسيف الوقت، وكلها تكون في لحظات الانفعال والتأثر بموقف معين.
* ماذا تقولين عن هؤلاء: غسان كنفاني، إبراهيم نصر الله وجهاد أبو حشيش؟
1 – غسان كنفاني: عندما يشار لأسماء أدباء يمثلون فلسطين بجغرافيتها وتاريخها وقضيتها، فهو أول المؤسسين للحراك الثّقافي الواقعي الذي يحمل ملح الدمع، اسم هرمي للثقافة الفلسطينيّة.. 2 – إبراهيم نصر الله: البداية التي خضبت روحي لأفيض نهراً على الورق، كانت القراءة للأديب الفلسطيني إبراهيم نصر الله، أول الغيث كان رواية عشتها بتفاصيل الفرس، وفارسها من سلسلة الملهاة الفلسطينية "زمن الخيول البيضاء"، في تلك الرّواية لم أحبس أنفاسي، كونها جسدت طوراً هاماً يقارب ال 120 عاماً من فترة كانت الأحداث تبني الثوار .. اقتنيت الرّواية أربع مرات، في كل مرة أعيرها أوأهديها لشخص وكأني منحت قطعةً من روحي .. في انتظار جديدك دائماً .. 3 – جهاد أبو حشيش: الصّديق والأستاذ الذي أعتز دوماً به، تأثرت بالرمز والتوصيفات الشّعريّة والنسق السّردي التفصيلي للعمق الإنساني فيما يكتب، أتاح لي من خلال فضاءات داره الأدبية للنشر والتّوزيع، توسيع مدارك القراءة وذلك انعكس على شخصي في تحديد وتكثيف القراءات .. كوني فرد من أسرته الأدبيّة، فهو مصدر إلهام وثقة دائمين في التوجيه …
* ما هو جديدك في القادم ؟ سيكون لي في القريب إصداران عن دار فضاءات للنشر والتوزيع: 1 – مرايا المطر، نصوص نثرية. 2 – قلقلة في حقائب سفر، رواية. أنهيت مخطوطة يوميات فلسطينية "فاوست فتح صندوق بندورا في وطني"، ثلاثة أجزاء، وأعمل حالياً على مشروع القصة القصيرة جداً.