"التروبادور" باللغة الاسبانية هو الشاعر المتجول، ينظم قصائده بين جغرافيات العالم وتواريخها، يتّصف بصدق الإحساس ونقاوة المشاعر، إلاّ أنّ الكاتب الجزائري لونيس بن علي اختار في أوّل مؤلّف له “مقامات التروبادور” أن يكون متجوّلا بين نصوص عالمية سلخ منها لينسج إبداعه المتفرّد به، محتفظا بسمة المثالية مقاوما للهمجية الموجودة في العالم، صادقا في حبه وعلاقته بمن حوله. تأثّر الكاتب بحكم أنّه في الأصل أكاديمي (إذ يشغل منصب أستاذ في النقد والأدب المقارن بجامعة بجاية)، بمجموعة من الكّتاب والفلاسفة الأوروبيين، وحسبه فإنّ النهل منهم والقراءة المتواصلة لهم جعلت منه كاتبا “متطفّلا”، معترفا أنّه أخذ من بعض النصوص التي مرّت عليه بطريقة ما وأضاف عليها جزءا من إحساسه وإبداعه الصادقين ونصوص أخرى وصفها بالسردية، من حق القارئ أن يؤولها كيفما شاء إلى أي لون من ألوان الأدب، سواء شعرا أم رواية أو قصة. ويرى الأستاذ لونيس بن علي أنّ كتابه الصادر حديثا عن دار “الهدى”، خلال استضافته بفضاء “صدى الأقلام” أول أمس بالجزائر العاصمة، لا ينتمي بالمطلق إلى السيرة الذاتية، وأنّه موجود وغير موجود في خضمها، معتبرا أنّ الكتابة السيرية لا يمكنها أن تتحقّق، فالكتابة إبداع واختراع. وبخصوص فعل الإبداع، قال المتحدث أنّه يقع بعد وقوع انزلاق وتشويه في حياتنا، مشيرا إلى أنّ ميولاته كانت في الفن التشكيلي، ولظروف ما تخلى عنه والتحق بالأدب مع تراكم في ممارسته للقراءة، وأنه يكتب بتأمّلات عميقة، متّخذا من الاحترام سرا في علاقته مع الكتابة الأدبية، إذ يعتقد أنّه يحتاج إلى ذات خارقة، وقال أنّ العلاقة بالنسبة له مقدسة تحتاج إلى ترسانة من الصدق. وأضاف الأستاذ المختص في النقد والأدب المقارن أنّ الكتابة الإبداعية متحرّرة، وصنّف كتاباته في “مقامات التروبادور” بنصوص سردية وللقارئ سلطة التأويل كما يشاء، وهذا ما يعكس جماليته المتمثّلة تحديدا في الانفتاح على التأويلات. وعلى اعتباره ناقدا وله العديد من المقالات التحليلية، استعرض رؤيته في موضوع النقد الأدبي، حيث يراه إبداعا في حدّ ذاته، منبها إلى أنّ الناقد لا يحق له التنظير، بل له مساحات للتحرّك في القيم الجمالية والذوق فقط. وبخصوص مقاربة ارتباط الرواية بالمدينة، قال الأستاذ بن علي أنّ مستقبل الرواية سيكون من قلب القرى، ولأنّه ابن القرية يرى في نفسه مثالا للخروج من العبارة السائدة أنّ الرواية هي ابنة المدينة، وأن هناك العديد من الكّتاب في الوطن العربي وحتى في العالم أبدعوا لما كتبوا وهم خارج أسوار المدينة تاركين صفة التمدّن، كما أنّ هناك ظاهرة تزايد عدد الأدباء المنحدرين من القرية في الجزائر، وألفوا روايات مميزة تستحق الاهتمام.