الإعلامية سمية يوسفي ل"الحوار": حاورتها: سامية حميش سمية يوسفي إعلامية متميزة بتحليلاتها وقراءتها للمؤشرات الاقتصادية على صفحات "الخبر" حيث عرفت بافتكاكها للسبق الصحفي، خصوصا فيما يتعلق بقطاع الطاقة. تتميز كتاباتها بالدقة المتناهية والموضوعية مما جعل مواضيعها مرجعا للمهتمين بالشأن الاقتصادي في الداخل والخارج سواء بالنسبة للمستثمرين ورجال الأعمال وحتى طلبة الجامعات. وفي هذا الحوار كشفت سمية ل"الحوار" عن تجربتها الإعلامية التي قاربت ال20 سنة.
* بدأت مشوارك كإعلامية في وكالة إخبارية خاصة، هل أسهمت التجربة في تكوينك كإعلامية؟ انطلقت تجربتي كصحفية في الوكالة الجزائرية للأخبار، سنة 1998، تاريخ انطلاق نشاط أول وكالة خاصة في الجزائر، متخصصة في الأخبار الاقتصادية، بعد أن كان الأمر حكرا على وكالة الأنباء الجزائرية (واج) و بعض الصحف الأسبوعية مثل "ليبرتي ايكونومي" آنذاك. التحاقي بالوكالة كان أول تجربة لي خضتها في مجال الصحافة المكتوبة بعد تخرجي مباشرة من معهد العلوم الاقتصادية، وقد كانت بالنسبة لي المدرسة الأولى لتكويني في مجال الصحافة الاقتصادية، من حيث معالجة المعلومات أو افتكاك السبق الصحفي في المجالات الاقتصادية، خاصة في قطاع الطاقة، إلى جانب السماح لي بالتخصص في تحليل الأخبار الاقتصادية والتحكم في قراءة المؤشرات الاقتصادية و الأرقام التي تعكس السياسات الاقتصادية المتعاقبة. كما اعترف أن ما تلقيته من تكوين في الوكالة، لم أجد ما يضاهيه في الجرائد التي انتقلت إليها والتي تعاونت معها سواء باللغة العربية أو الفرنسية، بعد مغادرة الوكالة سنة 2005. * يقال أن العمل في الوكالات مرتبط بالوقت والاختصار، هل كان لذلك تأثير بعد تحولك إلى الصحافة المكتوبة؟ في بداية تجربتي في الصحافة المكتوبة، كان أسلوب الكتابة الخاص بالوكالات لا زال يميز مقالاتي، التي كانت تقتصر على تقديم المعلومة الآنية بدقة، دون الخوض في التفاصيل أو الإطالة في المقال، مثلما هو معمول به من طرف زملاء الصحافة المكتوبة ، ما لم يكن محل تحفظ أو انتقاد مسئولي الجريدة، لكن مع مرور الوقت استطعت أن أتكيف بسهولة مع أسلوب التحرير في الصحافة المكتوبة، محتفظة بمبادئ التحرير التي يرتكز عليها أسلوب الوكالات خاصة فيما يخص الدقة في نقل المعلومات والسرعة في التحرير. * لماذا اخترت القسم الاقتصادي عن بقية الأقسام الأخرى، هل هذا اختيار شخصي نظرا لتكوينك، أم أن ظروف العمل فرضت عليك ذلك؟ فضلت ومنذ التحاقي بالعمل في مختلف الجرائد الوطنية، بعد تجربة فاقت 6 سنوات في الوكالة، الاستمرار في الكتابة في القسم الاقتصادي، بحكم الخبرة التي اكتسبتها في هذا المجال وبالنظر إلى التكوين الجامعي الذي تلقيته، علما أني متحصلة على شهادة ليسانس في العلوم الاقتصادية ، شعبة تسيير، ما سمح لي التخصص في كتابة المقالات الاقتصادية والإلمام بكل ما يتعلق بالملفات والريبورتاجات الاقتصادية. * تعملين كصحفية متخصصة في القسم الاقتصادي بجريدة الخبر منذ سنوات،كيف تقيمين التجربة؟ يصعب على الصحفي الحديث عن نفسه فما يكتبه ملك لقرائه الذين لهم سلطة التقييم. لكني عموما أشعر في قرارة نفسي برضا وارتياح عما قدمت للجريدة وتحديدا صفحتها الاقتصادية، كوني عملت بجد وإخلاص ولم أسقط يوما في فخ الاستسهال، لأن الكتابة كانت ومازالت بالنسبة لي مسؤولية وأمانة تستلزم الحرص الشديد خاصة أمام مغريات المهنة التي لا تكاد تنتهي. إن العمل بالقسم الاقتصادي لأكبر جريدة وطنية يضع الصحفي أمام محك أخلاقي كبير، لأنه يكون محل تأثير دائم من أصحاب المصالح الذين يخشون من تضرر صورتهم في حال تناولهم بالنقد، وعلى ذلك ألزمت نفسي طيلة مشواري المهني برفض كل حفلات المجاملة أو الهدايا التي يقدمها بعض المتعاملين للصحفيين، إيمانا مني أن حرية الصحفي واستقلاليته أثمن من كل هدية. أما أكبر فرحة مهنية أشعر بها، فهي عندما أتلقى اتصالا من قارئ يقدر ما كتبت ويدعو لي بالخير، أو أتلقى تكريما كذاك الذي وصلني السنة الماضية من عمال تيغنتورين بعد أن تابعت قضيتهم، وهذا ما يعني أن الصحافة إذا خدمتها بإخلاص هي مهنة معطاءة وليست جحودة. وعلى الصعيد الشخصي، يمكنني القول أن تجربتي في جريدة الخبر لأكثر من 10 سنوات، كانت ثرية ومثيرة أضافت لي الكثير، فاستطعت من خلالها اكتساب معارف جديدة و توسيع شبكة علاقاتي الخاصة، بحكم نطاق انتشار الجريدة وسمعتها. * تعتمد حكومات الدول المتقدمة على الاستشراف الاقتصادي الذي يقال بأنه"صناعة الغد" هل سيحدث ذلك يوما في الجزائر؟ أعتقد أن الصحفي الاقتصادي هو الأقدر على الإجابة على هذا السؤال بحكم متابعته الدائمة للقرارات والخيارات الاقتصادية المتخذة على مستوى الحكومة. للأسف غابت عن الجزائر في العشريات الماضية أي رؤية اقتصادية محكمة تنتشلها من الارتباط المزمن بمداخيل المحروقات كمورد وحيد للعملة الصعبة في البلاد، رغم أن الفرصة التي توفرت خلال ال 15 سنة الأخيرة كانت مناسبة جدا، من حيث توفر الموارد المالية بحكم ارتفاع أسعار النفط، وتحقق الاستقرار الأمني والسياسي، وهي كلها ظروف مواتية لوضع استراتيجية متوسطة المدى لإنعاش الاقتصاد وإحياء القطاعات الميتة به. لكن سياسات الحكومات المتعاقبة، أبانت عن تخبط وعشوائية في التسيير جعلها تتخذ القرارات ونقيضها، مثل الخوصصة التي تم التراجع عنها، والانفتاح الكلي على الاستثمارات الأجنبية ثم تقييدها لاحقا بالقاعدة 51/49 وتوقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي التي بات يصرح المسئولون اليوم أنها عادت بالخسارة على الاقتصاد الوطني. هذه أمثلة فقط عن ضعف جانب الاستشراف الذي لا أظنه -ردا على سؤالكم- سيتحقق في الجزائر ما دام نفس الأشخاص والسياسات تسري إلى اليوم. * هل المعلومة الاقتصادية متوفرة في الجزائر ويمكن للصحفي الوصول إليها؟ المعلومة الاقتصادية ليست متوفرة بالشكل الكافي، فعدا بعض المؤسسات السيادية التي تقدم تقاريرها بشكل دوري، يفضل البقية إبقاء حصائلهم بعيدا عن تعاطي الرأي العام. في الجزائر عموما، الصحفيون يعانون من مشكل الوصول إلى مصادر المعلومة، بسبب طبيعة بعض المسؤولين الذين يفضلون في العادة الإعلام العمومي ويخشون التعرض للصحفيين المستقلين. لكن ذلك حتى وإن كان عائقا كبيرا إلا أنه لا ينبغي أن يكون ذريعة يتمسح بها الصحفي للجلوس وانتظار أن تسقط عليه الأخبار. من وحي تجربتي الخاصة، أعتقد أن بناء شبكة علاقات قوية للصحفي مع المصادر التي تكون بعيدة عن شبهة التلاعب به أو توظيفه، هو أكثر ما يسمح باقتناص السبق الصحفي والبقاء في الواجهة في ظل المنافسة الشديدة الموجودة حاليا. * لم تسلم الأقسام الاقتصادية في الصحف من الاستنساخ "كوبي كولي"، هل هذا راجع برأيك إلى ضعف تكوين الصحفي أم إلى شح المعلومة الاقتصادية؟ فعلا، هذا راجع بالدرجة الأولى إلى ضعف تكوين الصحفيين و عدم تخصصهم، بحيث يعمد مسئولو العديد من الجرائد الوطنية إلى جعل الصحفي يعمل في جميع الأقسام، ما يجعل أمر تخصصهم صعبا، كما أن انعدام الدورات التكوينية المتخصصة التي يفترض أن يخضع لها الصحفي باستمرار لا يسمح له بتطوير قدراته، وهذا أحد الحقوق المهضومة للصحفيين للأسف رغم أن القوانين تنص على إلزام الجرائد بتخصيص نسبة من رأسمالها للتكوين. لكن ظاهرة الاستنساخ عموما قويت مع ظهور الوسائط الحديثة في الإعلام، وكما ظهر في الاقتصاد مفهوم "الربح السهل" نحن نعيش اليوم ظاهرة "الصحافة السهلة" !.