في وقفة قطفت من زمن الثورة خيرة رجالها، أعادت يومية "الحوار" عجلة التاريخ إلى الخلف وفتحت نافذة كبيرة على جزء مهم من تاريخ الثورة الجزائرية، عبر تكريم هرم من أهرامها، ورجل قدم الكثير ومازال المجاهد، يوسف الخطيب، المدعو "سي حسان"، قائد الولاية التاريخية الرابعة. الحفل التكريمي حضره رفقاءه ممن شاركوا "سي حسان" يوما من أيام الجهاد، رفقاء دربه الذين أجمعوا على مخاطبة جيل اليوم بلغة رجال حملوا الراية وصانوا العهد وأكملوا معاني الآية الكريمة "وما بدلوا تبديلا". وعبر مداخلات عبقت بتاريخ الثورة، اتفق رجال الأمس، على ضرورة قراءة التاريخ وحمّلوا جيل اليوم مسؤولية الحفاظ على الجزائر، وصون أمانة الشهداء، فالجزائر اليوم بحاجة إلى كل أبنائها أكثر من أي وقت مضى. المجاهد لخضر بورقعة "ارحمونا واقرؤوا تاريخ الثورة " "ارحمونا واقرؤوا التاريخ "، بهذه العبارة وجه المجاهد لخضر بورقعة كلمته للشباب الجزائري، مفضلا خلال مداخلته في حفل تكريم المجاهد يوسف الخطيب، الحديث عن جزء من تاريخ الثورة الجزائرية، وأشار أن الثورة في بدايتها كانت مشروعا مقدسا يحمل رسالة وأهداف الزمن، مؤكدا أن الزمن وحده كفيل بالإجابة عن جميع التساؤلات التي تشغل جيل اليوم، داعيا في معرض حديثه عن خصال رفيق دربه في السلاح المجاهد "سي حسان" أن المجاهدين كانوا الحلقة الأضعف في المواجهة على الأرض مقارنة بالاستعمار الفرنسي، لكن الإصرار والعزيمة جعلت من المستحيل ممكنا، ودعا بالمناسبة جيل اليوم إلى قراءة التاريخ، وجيل الأمس إلى كتابته حتى لا يضيع جزء مهم من تاريخ الجزائر بموت من عايشوا تلك الفترة. عبد القادر باسين رئيس منظمة الزوايا " المجاهدون هم الحصن المنيع لهذا البلد" أكد عبد القادر باسين، رئيس منظمة الزوايا، أن المجاهدين هم حصن هذا البلد، ومن منطلق مسؤوليته، قال "إن الزوايا تكنّ احتراما بالغا لهؤلاء المجاهدين والشيوخ المباركين، ووجودنا هنا في حضرة هؤلاء العظماء دليل قاطع على أن الزوايا كانت الأماكن المفضلة لاجتماعهم، وأحسن مثال على ذلك أن الأمير عبد القادر كان شيخا للزاوية القادرية، ومفجرو الثورة المباركة أغلبهم أبناء زوايا"، وأضاف ممثل الزوايا " أما بعد الاستقلال، فكل رؤساء الجزائر من المجاهدين كانوا يكنون الاحترام للزوايا". يوسف الخطيب " كتابة التاريخ ستخرص ألسنة المشككين" أكد المجاهد العقيد يوسف الخطيب أن كتابة التاريخ وحدها الكفيلة بإيقاف حملات التشويه التي مست بعض رجال الثورة وفتحت باب التصريحات والتصريحات المضادة التي تشكك في نضال المجاهدين التي انتشرت في الآونة الأخيرة وغذتها بعض الأطراف، ودعا كل من عايش الثورة الجزائرية للإدلاء بشهادته والمساهمة في كتابة تاريخ الجزائر، وأضاف رئيس مؤسسة الذاكرة للولاية التاريخية الرابعة، أن تسجيل شهادات المجاهدين تتم بصورة فردية وجماعية حتى تكتب بصورة موضوعية وصحيحة خالية من المزايدات. وفي سياق آخر، رفض المجاهد العقيد يوسف الخطيب الحديث عن السياسة وما يدور حاليا في الساحة الجزائرية، مفضلا المواضيع التاريخية. وفي معرض رده عن أسئلة الصحفيين حول التصريحات النارية التي شغلت الرأي العام وأدلى بها مجاهدون كبار، أكد "سي حسان" أن مشكلا عويصا وقع في الثورة بين الداخل والخارج، وحدثت العديد من الأزمات، وفي رده عن سؤال حول دور ياسف سعدي في الثورة التحريرية، أجاب بأن الأخير كان موجودا في العاصمة ضمن المنظمة الخاصة التي تكونت بعد مؤتمر الصومام، وكان من المسؤولين على مراقبة النظام في العاصمة، وبعد إضراب 6 أيام وإلقاء القبض على "العربي بن مهيدي" تشتت المجموعة، حيث سافر اثنين منها إلى المغرب واثنين إلى تونس ولم تعد هناك سلطة تنفيدية في الميدان. وبعد الإضراب تكسر نظام العاصمة، أما بقية أعضاء المنظمة الخاصة بعضهم استشهد والبعض الآخر سجن، وعدد قليل منهم التحقوا بالمنطقة الثالثة، وتم إلقاء القبض على ياسف سعدي، ورفض سي حسان التعليق عما حدث في تلك الفترة، إن كان ياسف سعدي اعتقل أم سلم نفسه. المجاهدة زهرة ظريف بيطاط: يوسف الخطيب قائد وبطل من أبطال الثورة التحريرية اعتبرت المجاهدة القديرة زهرة ظريف بيطاط الوقفة التكريمية للمجاهد يوسف الخطيب فرصة لترسيخ تاريخنا في الكفاح لدى الأجيال التي جاءت بعد الاستقلال ولم تكابد ويلات الاستعمار الفرنسي، خصوصا وأنه كان بطلا من أبطال الثورة التحريرية وكان شابا يترأس الولاية الرابعة، كما استذكرت المجاهدة زهرة ظريف بيطاط المعاناة التي عاشها الشعب الجزائري إبان الاستعمار الفرنسي من تشرد وتقتيل لمدة 132 سنة. وعلى الرغم من طول مدة الاستعمار إلا أن الإيمان وحب الوطن كانا كفيلان بنجاح الثورة التحريرية التي استغرقت سبع سنوات والتي تغلب خلالها جيش من حفاة وعراة على جيش حديث ومتوفر على مختلف أنواع الأسلحة والطائرات، وذلك لأن الشعب الجزائري رفض أن يعيش تحت الأقدام وتحت الاستعمار، ولم يكن من السهل آنذاك على شخص أن يقود جيشا لا يملك أدنى الإمكانيات التي يتمتع بها الطرف الآخر. وأضافت المتحدثة بأن الجزائر لم ولن تنسى ما قدم أبناؤها الذين رووا الأرض بدمائهم، ولم يسعفهم الحظ ليعيشوا الفرحة الكبيرة التي عاشها الشعب الجزائري في 5 جويلية 62. وأوضحت أن الرسالة التي توجهها اليوم للشعب الجزائري هي الحرص على عدم الرجوع إلى الوراء وعدم السماح لأي كان أن يرجع الجزائر تحت الأقدام، بالإضافة إلى احترام عهد الشهداء والحفاظ على السيادة الوطنية. علي عية، إمام الجامع الكبير يوسف الخطيب بطل تحتاج الجزائر اليوم إلى أمثاله عبر علي عية، إمام المسجد الكبير عن مدى سعادته بالانضمام إلى أسرة "الحوار" لتكريم المجاهد يوسف الخطيب، حيث اعتبر هذه المبادرة لفتة طيبة لتكريم الأبطال الذين حققوا الأمن والاستقرار للوطن، فحياهم الله شهداء وأحياء. وأوضح علي عية، بأن الجزائر بحاجة اليوم إلى أمثالهم ليحموها مثل ما حماها المجاهد يوسف وإخوانه في سنوات التسعينات حينما أنّت الجزائر فقالوا لبيك وسعديك، فأعطوها وأنقذوها، وأضاف المتحدث بأنه لا يخفى اليوم وجود مؤسسات دولية مستقلة تريد أن تركّع الدول الإسلامية والعربية، وبالتالي فإن الجزائر اليوم تحتاج إلى من يحملها ويعطيها وتتغذى منه، وليست بحاجة إلى من تحمله ويتغذى منها ولا يتركها حتى وإن كانت تئنّ، وأشار علي عية بأنه طالب سابقا بأن تفتح الجزائر أبواب التوبة على مصراعيها وترحم أبناءها من خلال الوئام الوطني، والجزائر اليوم تعتبر في أشد الحاجة إلى رجال مثل الذين قضوا نحبهم أومن الذين تنطبق الآية الكريمة عليهم "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ". هذا، وقد أشار المتحدث إلى أن المعارك والثورات عادة ما تقع فيها الأخطاء والتجاوزات، ولكن لا ينبغي تسليط الضوء عليها، مشيرا إلى وجود بعض الأطراف التي تريد تشويه الثورة والتاريخ في عيون الشباب، بالقول إن الجزائر ليس لديها علماء ولا مجاهدين، ولذا علينا أن لا ننبش عن ماهو غير طيب في ثورتنا، وأن لا نحط من قدسية الجزائر وعظمتها في أعين الشعوب الأخرى والدول الأخرى التي تقدر كفاح الجزائريين، أما بالنسبة للأخطاء فقد حدثت على مر التاريخ ووقعت حتى في عهد الصحابة، وقال العلماء إن تلك الفتن طهرنا الله منها، وعلينا أن نطهر ألسنتنا منها، واختتم علي عية مداخلته بقصيدة شعرية تخلد الجزائر. سي حسان ذاكرة الثورة الجزائرية المتحركة لجيل اليوم، ولمن لا يعرف المجاهد الكبير، يوسف الخطيب، قائد الناحية العسكرية الرابعة، المجاهد المدعو "سي حسان"، قدّم المجاهد عرابي محمد نبذة عن حياة رفيق السلاح. ولد يوسف الخطيب في 19 نوفمبر 1932 بالشلف، أين زاول دراسته الابتدائية، والثانوية بثانوية الأمير عبد القادر بالجزائر العاصمة، تابع دراسته الجامعية حيث سجل للدراسة في كلية الطب لكن نشاطه السياسي واقتناعه بالعمل الثوري و إيمانه بحتمية الكفاح المسلح ضد المستدمر جعلاه يلتحق بجبهة التحرير الوطني سنة 1955، وبعد إضراب الطلبة الجزائريين في 19 ماي 1956 التحق بمعاقل الثورة في الجبال بنواحي المدية بالولاية التاريخية الرابعة. عمل مسؤولا عن الصحة في مناطق الأخضرية، تنس، مليانة، ثنية الحد وغيرها من مناطق الولاية الرابعة. سنة 1957 تولى قيادة المنطقة الثالثة من الولاية الرابعة "الونشريس" ليرقى سنة 1959 إلى رتبة نقيب، ثم إلى رتبة رائد، عضو بمجلس الولاية سنة 1960. بعد استشهاد أسد الونشريس الشهيد سي الجيلالي بونعامة، في 08 أوت1961، خلفه على رأس الولاية الرابعة، وقاد العمليات العسكرية في جبال الونشريس والظهرة، وبقي في منصبه كقائد للولاية إلى غاية الاستقلال. بعد الاستقلال أصبح المجاهد "سي حسان" عضوا بمجلس الثورة وتولى حقيبة وزارية في عهد الرئيس أحمد بن بلة، كان له الدور الأساسي في تقريب وجهات النظر بين الإخوة الفرقاء، ثم ترأس لجنة الحوار التي تأسست سنة 1993، التي شاركت فيها مختلف التنظيمات السياسية، والتي كانت نتائجها النهائية جد إيجابية وأرست لبناء الدولة وأعادت البلاد إلى السكة.
* كواليس اعترفت المجاهدة زهرة ظريف بيطاط، بأن الكلمات خانتها، ولم تجد ما تقول من كلمات تفي بحق رجل بحجم يوسف الخطيب. الصحافة فضّلت الحديث في الأمور السياسية، إلا أن العقيد يوسف الخطيب، أكد أن الحديث عن التاريخ في هذا الوقت أفضل من التطرق إلى الأمور السياسية. جادت قريحة الشيخ علي عية، إمام الجامع الكبير بأبيات من الشعر، يمجد فيها بطولات المجاهدين، صفقت لها القاعة مطولا. شهد حفل تكريم المجاهد سي يوسف الخطيب، حضورا مكثفا لمختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، وهو ما يفسر مكانة الرجل في الثورة وبعد الاستقلال.