بقلم محمد مرواني أمعقول ما تفعله اليوم بنا وسائل الإعلام، هذه التي تقول أنها تؤرخ لتعددية إعلامية في السمعي البصري ستنقل البلاد إلى مصاف دول الإعلام الحر، ما تفعله هذه القنوات التلفزيونية الآن وهي تنشط خارج الإطار المقنن للمهنة والوظيفية الإعلامية في حقل المسموع والمرئي في الإعلام لا يعد إلا كرنفالا إعلاميا يعبر بكل مرارة وأسى عن الرداءة الإعلامية الموجودة في التعاطي مع المطروح في الساحة الوطنية من مستجدات سياسية واجتماعية واقتصادية. هل تريد هذه القنوات تأسيس تقليد إعلامي جديد يجعل من حالة التراشق بين الناس جزءا من أداء إعلامي مهني يجب أن يثمن، أم يريد أصحاب القنوات هذه ومن معهم من وراء الستار اقتطاف مكاسب خاصة على حساب ماهو انشغال عام يعتبر مساحة للنقاش من المفروض في وسائل الإعلام. الواضح هو أن تسابق الكثير من وسائل الإعلام في تتبع سكوب تصريح الشخصيات وتوظيفه لإثارة مشاعر الجمهور ليس من الإعلام في شيء، وإنما هو أداء باهت لسلطة يراد أن تبقى في يد من لا علاقة له بالإعلام لا من قريب أو بعيد. أليس من التناقض أن نرى على منابر قنوات إعلامنا التعددي بامتياز في الكم لا الكيف، حوار طرشان حول قضايا مصيرية للبلاد والمجتمع على حد سواء، والنخب التي تؤسس من المفروض لما يجب أن يكون مغيبة عن المشهد الإعلامي بشكل ممنهج ومؤطر، أليس من التناقض أن لا يجد الجمهور قانون المالية الجديد موضوعا للنقاش في برامج تلفزيونية، ونحن نتحدث عن حق المواطن في الإعلام. أي عبث هذا يراد لإعلامنا أن يبقى فيه راسخا في أداء باهت لا يعبر عن سلطة رابعة تصوب السياسات وترتقي بالوعي الجمعي ليكون موجها لأداء الحكومات ومناعة للدولة من أي اهتزاز أو ضعف في المؤسسات، أن ما ينتجه قطاع واسع من إعلامنا اليوم في تركيزه على تخدير عقول الناس بالأوهام والقصص التي مضت عليها السنوات وجعل من مذهب الإثارة في الإعلام مرجعا لبناء إعلام الدولة لن يحقق لنا كجمهور وإعلاميين إلا مأساة أخرى إعلامية أخلاقية ستكون عواقبها أخطر مما نظن. أفلا يتدبر هؤلاء الذين يسعون إلى تأسيس رأي عام أنهم بتقزيم لقضايا الدولة وهواجس المجتمع وتطلعاته يرتكبون في حق الإعلام الذي مات عليه خيرة رجال هذا الوطن جريمة أخلاقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أليس من المعيب أن يتحدث إعلامنا في عنوانيه الأولى عن الثانوي والتافه أحيانا، ونؤخر كل ماهو أساسي وهام في حاضر الوطن ومستقبل الأجيال. قد يكون إعلام كهذا يقدم ويؤخر المضامين حسب الهوى ويؤسس لحالة من الرداءة في الممارسة الإعلامية من ورائه مخططون ومساهمون، ولكن على الإعلاميين الذين يؤمنون بوظيفتهم ومكانتهم ودورهم في العمل العام أن يواجهوا هذا الواقع المؤسف إعلاميا الذي تشهده ساحتنا الإعلامية خلال الآونة الأخيرة من خلال التعاطي الضيق مع كل ماهو سياسي، فما يواجه البلاد من تحديات يستحق أن نواجه جزءا منه بإستراتجية إعلامية تحمل رؤية استشراف، أما الموجود الآن في أداء قنوات تلفزيونية عندنا لا يمكن أن يعبر عن الإعلام في شيء، بل هو لعب وضحك على عقول الناس.