هل كانت حادثة حرق مسجد في جزيرة كورسيكا مؤخرا، حلقة جديدة في مسلسل عنصرية لا يقول اسمه على تعبير الفرنسيين، أم أنها مجرد سلوك سكان منطقة معروفين بشوفينيتهم الوطنية واللغوية والجهوية؟، هل كانت الحادثة نتيجة مرادفة لرد فعل من سكان تم الإعتداء عليهم وكان من الطبيعي أن يكون ردهم في مستوى الهجوم الذي تعرض له رجال الإطفاء؟، ما حقيقة ما يجري في فرنسا خلال الأعوام الأخيرة بين فرنسيين معينين ومهاجرين محسوبين على الإسلام حتما، وهل الإحتقان المتزايد بين الجهتين يعني حقا فرنسيين محسوبين على اليمين المتطرف العنصري أم أنه يشمل فرنسيين من أطياف إيديولوجية أخرى لا تعلن جهرا عن مواقفها وتمارس عنصرية مبطنة ضد المهاجرين بالشكل الذي يكشف عن أسباب عميقة ومتنوعة يختلط من خلالها التاريخ والاقتصاد والاجتماع وبالتالي تكون السياسة نتيجة لكل ذلك؟، ماذا عن مواقف الدولة الفرنسية حيال ظاهرة العنصرية، وهل هي في مستوى أمال المهاجرين والفرنسيين المسلمين؟، وفي الأخير إلى أي حد يمكن التحدث عن مسؤولية ما يتحملها المهاجرون حيال ظاهرة أو شبح العنصرية بسبب تقاعس الأولياء في تربية أبنائهم، وماهي حدود الحقيقة والوهم في الإشكال القائم سياسيا واجتماعيا وثقافيا وما السبيل لتجاوزه، وهل الإرهاب المرتكب باسم الإسلام يضفي شرعية على ردود فعل طبيعية لا تعبر عن عنصرية بالضرورة، أم أن الإسلاموفوبيا تفسر العنصرية الزاحفة بغض النظر عن تصرفات شبانية لا تمثل الجالية المهاجرة كما يعتقد الكثيرون؟. للرد عن هذه الحزمة من الأسئلة التي نعتقد أنها تحيط بالظاهرة التي أصبحت تصنع الحدث كما رأينا مؤخرا في جزيرة كورسيكا، توجهت " الحوار " إلى مناطق عدة من الضواحي الباريسية التي يقطن فيها مهاجرون منذ عقود وإلى أحياء باريسية مخملية وأخرى شعبية لا أثر فيها للمهاجرين وإلى أخرى مختلطة يتعايش فيها الفرنسيون اليهود والمهاجرون العرب وغير المسلمين بالضرورة والأسيويون والمسيحيون. التحقيق التالي يسلط الضوء على ظاهرة ليست محل إجماع بحكم تضارب المواقف حيالها نتيجة اختلاف الانتماءات الإيديولوجية والاجتماعية المتناقضة وتقاطعها في كثير من الأحيان. خلال زيارة قادتنا إلى ليون التقت "الحوار" السيدة دليلة يحياوي، المسؤولة السابقة في مطار شارل ديغول بشركة "سيكوريتاس" المتخصصة في أمن المطارات والمرافق الاقتصادية والصناعية والتجارية بفرنسا وبأوروبا بوجه عام. دليلة التي تنحدر من أصل جزائري من والدين سطايفيين، امرأة مثقفة وصاحبة شخصية فكرية قوية تعرف كيف تقارب ظاهرة العنصرية بحكم مستواها الجامعي وتخصصها في علم النفس ووعيها السياسي المتقدم وشجاعتها ومعايشتها عن كثب الكثير من الأوساط الاجتماعية بحكم عملها المذكور، الأمر الذي جعل من شهادتها مرجعية تصب في صلب الخطاب الذي يتبناه الكثير من الفرنسيين والمهاجرين والمسؤولين المسلمين وعلى رأسهم السيد عبد الله زكري، رئيس المرصد الفرنسي لمناهضة الإسلاموفوبيا وعضو المجلس الفرنسي لمسلمي فرنسا الذي يكشف منذ عدة أعوام بالأرقام والأدلة الدامغة زحف العنصرية وتقاعس السلطات الفرنسية في محاربتها على حد تعبيره. وقالت دليلة " للحوار"، " إن تنامي العنصرية حقيقة تزداد خطورة من يوم لآخر، وما حدث في جزيرة كورسيكا يعد أمرا مخيفا، ومبرر الرد على اعتداء شبان منحرفين من أصول مغاربية على رجال المطافئ لا يؤدي بالضرورة إلى حرق مسجد ومصاحف القرآن الكريم، وكنت أعتقد أن حرق المصاحف قد توقف منذ عهد ابن رشد ". وفي تقديرها تعد طريقة الرد على الاعتداء الذي لم يخضع لتحقيق موسع وجاد مع الطرفين اللذين تبادلا التهم دلالة ساطعة على عدوانية جاهزة، استنادا للشعارات العنصرية التي رفعت أثناء المظاهرات التي قام سكان الجزيرة ومن بينها " نحن في بلادنا، أي أن الفرنسيين المنحدرين من أصول مغاربية ليسوا في بلادهم " . وأضافت دليلة أن العنصرية ليست وهما بل هي حقيقة، كما أثبتت ذلك خلفية الاعتداء المشين على المسجد والإصرار على ربط انحراف شبان منحرفين ولدوا في فرنسا بالإسلام، يعني أن هذا الدين هو المستهدف بعينه، وأن كل فرنسي يحمل اليوم اسما عربيا لا يعد فرنسيا بل مسلما قبل كل شيء، وعليه لم يعد معيار المواطنة ينطبق عليه"، أخيرا أكدت السيدة يحياوي " للحوار " بأن العنصرية التي تمارس اليوم ضد الفرنسيين المنحدرين من أصول عربية وضد المهاجرين تتناقض تماما مع شعارات العيش المشترك في مجتمع علماني كفرنسا، وهي تنم عن تطرف لا يقل خطورة عن الإرهاب الأعمى الذي يمارس باسم الإسلام ضد الأبرياء، ويجب البحث عن الأسباب العميقة التي أدت بشبان جهلة إلى ارتكاب جرائم بشعة باسم الدين الذي يعيش في كنفه الملايين من المسلمين في العالم جنبا إلى جنب مع مهاجرين أجانب وسكان أصليين دون عنصرية أو ريبة، وليس هناك أخطر من الجهل على المجتمع لأنه يؤدي إلى عنصرية حاقدة ومجانية . حياة بن زيان، ابنة الزيبان، التي ولدت في العاصمة والمساعدة الطبية العاملة في أحد مستشفيات ليون وافقت طرح دليلة وصدمت هي الآخرى لحرق مسجد في جزيرة كورسيكا ولعدد من المصاحف القرآنية بشكل بشع يثبت الربط الواضح بين الحقد على الإسلام وبين الاعتداء. الإرهاب ذريعة والإسلام يقلق كدين حياة وافقت دليلة في طرحها بوجه عام وأكدت مثل معظم المهاجرين أن الإسلام أصبح يقلق المجتمع الفرنسي، وأن الإسلاموفوبيا أوالترهيب من الإسلام حقيقة وليست وهما وأصبحت ظاهرة يعيشها المسلمون بعدة أشكال مباشرة وأخرى مبطنة وخاصة منذ مطلع عام 2000 بعد الإعتداءات الإرهابية التي عرفتها الولاياتالمتحدةالأمريكية. وإذا كانت حياة ترى في كلام دليلة عين الصواب، فإنها نبهت إلى خطورة أخرى تتمثل في فخ التعميم، الأمر الذي لا يساعد على تجاوز المشكلة ويغذي الحقد المتبادل ويقضي على فرص العيش المشترك الذي يعد من سمات المجتمع الفرنسي كما تعتقد، وقالت حياة في هذا الصدد " أنا أعمل منذ عدة سنوات جنبا إلى جنب مع زملاء ومسؤولين فرنسيين ولم أتعرض مرة واحدة للعنصرية لأنني احترم كل العاملين معي وأبذل قصارى جهدي للقيام بعملي على أحسن وجه حتى أعطي فكرة إيجابية عن العرب والمسلمين، وأشرف نفسي قبل شيء كجزائرية ". وتعتقد حياة أن العنصرية مستفحلة ومنتشرة في أوساط اجتماعية معروفة بتاريخها ومواقفها الناتجة عن أفكار مسبقة فرضتها مواقع اجتماعية أبعدتها عن الإحتكاك بفئات بسيطة كثيرا ما تعيش في مناطق خصصت للفقراء بما فيهم الكثير من الفرنسيين " وعرفت ذلك أضافت تقول حياة " بحكم رعايتي لمرضى وموظفين مسنين تمتلكهم الدهشة حينما يتأكدون من طيبة وجدية وأخلاق عمال مسلمين وعرب يعطون صورة مخالفة تماما عن الكليشيهات التي تروجها القنوات التلفزيونية وبعض الصحف العنصرية اعتمادا على ربطها إرهاب شبان ضالين وعاطلين عن العمل وغير متدينين بالمرة بالإسلام، كما أثبتت ذلك هجمات باريس التي تمت يوم الثالث عشر نوفمبر ". في باريس وتحديدا في نواحي حي غامبيتا التابع للدائرة العشرين، التقت " الحوار" أحمد السائق في مطار شارل ديغول منذ عدة أعوام والمنحدر من عائلة شعبية تسكن مدينة بودواو العزيزة على قلبه. أحمد لم يتردد في تحميل جزء من المسؤولية للمهاجرين حينما يتعلق الأمر بالعنصرية التي يعتقد أنها ليست عامة كما يهول البعض كما أنها ليست وقفا على الأجانب والفرنسيين، وهي أفظع وأخطر في بلداننا العربية على حد تعبيره. وفي تقديره، فإن العنصرية ليست فكرية كما هو الحال عند النخبة التي يمثلها بعض المثقفين البارزين المعروفين بعدائهم لكل ماهو عربي وإسلامي " إن العنصرية الشعبية ليست سياسية بالضرورة، والذين يصوتون للجبهة اليمينية المتطرفة لا ينتخبون على مارين لوبان بدافع العنصرية وأنا شخصيا أعرف فرنسيين صوتوا لصالحها وغير عنصريين، وكانت البطالة والمشاكل الاجتماعية والتجاوزات التي يرتكبها الكثير من المهاجرين الأسباب التي رمت بهم في أحضان اليمين المتطرف بعد أن كانوا يصوتون لليسار قبل استفحال البطالة"، وأضاف أحمد قائلا " فرنسا لم تعد قادرة على حل مشاكلها ويكذب من يقول إن كل الفرنسيين عنصريون ويجب تفهم الظروف التي تمر بها فرنسا بشكل غير مسبوق، ويجب علينا الاعتراف بأن الكثير من المهاجرين لا يحترمون القوانين الفرنسية ويريدون العيش بعقلية البلاد "، على حد تعبيره، وحتى لا يفهم خطأ أضاف أحمد مستطردا وموضحا، بقوله " إن العنصرية موجودة في كل المجتمعات بما فيها العربية الإسلامية، ونحن في الجزائر لم نتحمل الأفارقة السود الذين هربوا من بلدانهم الفقيرة بسبب المشاكل التي تسببوا فيها، وهذا لا يعني أن هناك علاقة مباشرة وأتوماتيكية بين العنصرية والمشاكل التي يحدثها بعض الشبان المهاجرين المنحدرين من أصول عربية، وكثيرة هي الحالات التي يتعرض فيها مهاجرون مندمجون في المجتمع الفرنسي للعنصرية المجانية بسبب بشرتهم ودينهم، والعنصرية لم تعد فرنسية فقط والتعامل مع اللاجئين العرب خلال الشهور الأخيرة أكدت أن الأزمات الأوروبية الداخلية كانت وراء تنامي العنصرية، وخاصة بعد أن أصبحت الكثير من الدول العربية والإسلامية تعاني من الإرهاب الذي ضرب أوروبا والعالم كله ". الإسلاموفوبيا حقيقة وليست وهما من ليون وباريس العاصمة، انتقلت " الحوار " إلى ضاحية سوفرانبودوت، الواقعة شرق العاصمة الفرنسية، وقضت حوالي ساعة رفقة حسين رئيس جمعية "أمل" التي تعنى بمساعدة المعوزين والمرضى، وجاريه خثير مزواقي ويوسف حجاج. في مسجد تابع لعمارة شعبية واقعة في حي " لاسيتي باص"، وخلافا للصورة التي تقدمها القنوات التلفزيونية في معظم الأحيان، لم نجد شبانا يحرقون السيارات ويتاجرون بالمخدرات ويسرقون في وضح النهار كما يكرر في كل المناسبات المثقف الإعلامي إريك زمور، ووقع نظرنا ونحن نهم بدخول المسجد قبل صلاة العشاء على شبان عصريين مرتدين ألبسة رياضية وغير ملتحين وجالسين يتلون القرآن الكريم في جو محترم مهيب . العنصرية التي يشتكي منها الكثير من الفرنسيين المسلمين والمهاجرين لإيمانهم بارتباطها بالإسلاموفوبيا الزاحفة لم تكن حاضرة داخل المصلى الضيق الذي احتضن حفلا دينيا بشهادة الحاج عبد الكريم الذي اعتنق الإسلام بعد زواجه من مسلمة قبل ثلاثين عاما، وقال الحاج عبد الكريم وجان لوك لوفور المسيحي سابقا " للحوار ": الإسلاموفوبيا حقيقة وليست وهما، وأنا ابن عائلة كاثوليكية تعرف القليل عن الإسلام ولا تتجاوز معرفتها الكليشيهات الإعلامية التي تربط بين الإرهاب والإسلام، الأمر الذي يولد نفورا من الدين الذي يعد نموذجا في الإخاء والتسامح، ولا أدل على ذلك تواجدي مع أصدقائي حسين وخثير وحجاج ليلة المولد النبوي الشريف". وأضاف الحاج عبد الكريم منبها إلى أهمية المسؤولية الواقعة على عاتق المهاجرين المسلمين المسنين والمتعلمين الذين لا يعانون من تمزق ثقافي بحكم ولادتهم وترعرعهم في البلدان الأصلية ويعون الخلفيات الإيديولوجية للفرنسيين العنصريين المراهنين على مشاكل تبدو لها علاقة بالمهاجرين ظاهريا لكنها تصب في مجرى تحديات فرنسية خالصة قائلا " إذا كانت أغلبية الجالية المسلمة لا تطرح مشكلة بوجه عام وخدمت ومازالت تخدم الاقتصاد الفرنسي، فإن تجاوزات الشبان المولودين في فرنسا تعطي الفرصة لعنصريين جاهزين لتبني أفكارا تربط بين الإسلام والهجرة وبين المشاكل الاجتماعية، وأنا شخصيا رحت ضحية هذه التجاوزات كتاجر في سوق 3000 مسكن المعروف بكثافته السكانية المغاربية ووجدت صعوبة كبيرة في إقناع شبان عرب بضرورة غلق محلي قبل موعد صلاة المغرب بقليل، وتصوروا رد فعلي من هؤلاء الشبان لو كنت في تلك اللحظة غير مدرك لخصوصية الظرف". في تقدير مهاجرين آخرين، العنصرية ليست إيديولوجية فقط كما هو الحال عند الكثير من الفرنسيين والأوروبيين الذين يتحدثون عن التفوق العرقي أوالجنس الأبيض أوالحضارة الأوروبية (فاليري بيكراس وقبلها لوبان وإريك زمور)، بل هي اقتصادية الخلفية وتتنامى مع وتيرة الأزمات التي تنعكس على مواقف شرائح اجتماعية تضررت من تدني الأحوال المعيشية في زمن عولمة يجري صناعها وراء الربح مستغلين كل المبررات الواهية للحد من تكاليف العمل بالقدر الذي يضمن عائدا تجاريا يتقاسمه أرباب العمل. من منطلق هذا الطرح، قال النقابي (ب. ر) ل"لحوار"، " لا يمكن الفصل بين الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها فرنسا بشكل غير مسبوق وبين قرارات الفصل من العمل التي تزايدت مؤخرا باسم محاربة السلوكات الدينية التي تتناقض مع العلمانية، وعليه ليس من باب الصدفة أن يتم طرد العمال القدامى الملتحين وتبديلهم بشبان آخرين يوظفون بعقود مؤقتة لا تسمح لهم بالحصول عن المكاسب المهنية التي حققها القدامى، وهي المكاسب التي تشكل عائقا في وجه رب العمل الرأسمالي الساعي دائما وأبدا إلى استغلال العمال بشتى الطرق الممكنة". الأزمة الاقتصادية الفرنسية التي أدت إلى تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات خلال الأعوام الأخيرة، كما أكد ذلك الخبير إيرفيه لوبرا قبل أسابيع لكاتب هذا التحقيق، لم تكن وراء استفحال العنصرية في نظر النقابي (ب. ر) فحسب بل تحدث عنها مهاجرون آخرون لاحظوا تغيرا في نظرة وسلوكات فرنسيين أصبحوا يؤمنون بأن أرباب العمل يستفيدون من قوى عاملة مهاجرة تقبل بكل شيء على حساب فرنسيين كثر، وخاصة إذا تعلق الأمر بمجالات عمل لا تتطلب مؤهلات علمية مثل الحراسة والتنظيف والطبخ والسياقة. علي هاشمي العاصمي وابن لابوانتبيسكاد الذي يسكن منذ عدة أعوام ضاحية أولني سوبوا لا يحمّل الفرنسيين المتطرفين وحدهم مسؤولية انتشار العنصرية، ويعتقد أن للمهاجرين بوجه عام والمسلمين بوجه خاص مسؤولية غير مباشرة في تكريس الظاهرة نتيجة الانقسام الحاصل على مستوى مختلف الهيئات الممثلة للجالية، الأمر الذي يولد خطابا مسالما لدى البعض حيال السلطات الفرنسية التي لا تعتبر الإسلاموفوبيا شكلا من أشكال العنصرية كما هو الحال حيال معاداة السامية. وبحسب هاشمي " فإن التردد في الضغط على الجهات الفرنسية المعنية لمحاربة الإسلاموفوبيا يشجع العنصريين على المضي في الإعتداء على المسلمين بدعوى الرد على إرهاب شبان منحرفين لا يمثلون المهاجرين ماداموا أبناء فرنسا وتصرفاتهم لا تبرر بانتمائهم لعرقهم أو لدينهم بل للمجتمع الذي تربوا فيه ووجدوا فيه أنفسهم مهمشين ومعزولين وغير فرنسيين حقيقيين، وما جاء على ألسنة المتظاهرين في كورسيكا مؤخرا، لم يكن يعبر عن تنديد باعتداءات الشبان المنحرفين فحسب بل طال المسلمين بوجه عام، وإلا كيف نفسر الإعتداء على مسجد بكامله وحرق المصاحف القرآنية ؟". أخيرا سألت "الحوار" المفكر الكبير الدكتور غالب بن شيخ، رئيس المؤتمر العالمي للحوار بين الأديان، من باب تمثيل المثقفين في التحقيق، وباعتباره أحد أهم المثقفين الذين يواجهون نظرائهم الفرنسيين الذين يرون عدم اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي سببا موضوعيا كافيا لتفسير رفضهم لقيم المجتمع الفرنسي، الأمر الذي يولد نفورا من الدين الذي يمثلهم بدل المواطنة، والذي يؤدي إلى نوع من العنصرية في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية حادة. وقال غالب معلقا على الأحداث التي عرفتها مؤخرا، مدينة أجاكسيو عاصمة كورسيكا " تبعث الأحداث التي عرفتها مؤخرا أجاكسيو على القلق، فعلا لأن الرد على أعمال شبان متهورين اعتدوا على رجال مطافئ لا يكون في دولة القانون إلا من طرف العدالة وليس بتدنيس حرمة مسجد وحرق المصاحف في إشارة مباشرة إلى هوية الشبان المشينة. هذا النوع من الرد مخيف لأنه يعبر عن سلوكات عنصرية خارجة عن القانون وتنم عن توجه يهدد كيان الجمهورية الفرنسية وتماسك نسيجها الاجتماعي، وليست هذه هي المرة الأولى التي تصبح فيه دور العبادة هدفا لحاقدين يخلطون بين الإسلام والإجرام أو الإرهاب، الأمر الذي يؤكد أن تحدي الدولة يتكرر من يوم لآخر على أيدي عنصريين أصبحوا يتصرفون بشكل غوغائي وهمجي غير لائق في مجتمع مدني وديمقراطي متحضر" . وأضاف المفكر غالب واضعا الخلفية العنصرية للأحداث الأخيرة التي عرفتها الجزيرة الفرنسية في إطار أزمة شاملة قائلا " تعد هذه الأحداث دليل ترهل شامل للمؤسسات الجمهورية وخاصة في جزيرة كورسيكا وهي غير مفصولة عن تداعيات الاعتداءات الإرهابية التي عرفتها فرنسا العام الماضي ومؤخرا، والتي أنتجت للأسف الشديد ردود فعل عنصرية حاقدة لا يميز أصحابها بين المواطنة والإنتماء الديني، واليوم لم يعد ممكنا لدى الكثير من الفرنسيين الفصل بين المواطن الفرنسي والمسلم، وكل ما يرتكب من حماقات أصبح ينسب لمسلمين وليس لفرنسيين ولدوا في كورسيكا وفي غيرها من الجهات الفرنسية ". وردا عن سؤال " الحوار " المتعلق بقانون إسقاط الجنسية من الفرنسيين المزدوجي الانتماء كإجراء قانوني يمكّن من طرد الإرهابيين، قال غالب معبرا عن استيائه " هذا الإجراء يتنافى مع مفهوم المساواة في بلد جمهوري كفرنسا وسوف تكون له انعكاسات وعواقب وخيمة على النسيج الاجتماعي العام بحكم تفريقه بين نوعين من المواطنين الفرنسيين الشيء الذي يعد ضربة قاضية للوفاق الوطني، وأمام هكذا إجراء اختتم تعليقه قائلا " على مسلمي فرنسا التحلي بالحكمة والرزانة والتصرف بكرامة ومسؤولية وللأسف الشديد مازالت الهيئات التي تدعي تمثيلهم بعيدا عن المستوى الذي ينير دربهم ويوجههم ويحميهم وفقا للقوانين الجمهورية ". تنبيه أنجز هذا التحقيق قبل صدور تقرير المرصد الفرنسي المناهض للإسلاموفوبيا الذي يديره عبد الله زكري . وجاء في التقرير الذي صدر قبل أسبوعين، أن العنصرية ضد المسلمين قد زادت مؤخرا بنسبة 300 في المائة.