بقلم: : رابح لونيسي يرسم الغرب استراتجياته بقراءة الماضي لفهم الحاضر وبناء المستقبل، أما نحن فبقينا سجناء للماضي فقط، ليتحكم الأموات في حاضرنا ومستقبلنا كما لمح كاتب ياسين لذلك في مسرحيته "الأسلاف يزدادون ضراوة"، فكيف نفسر هذا الاحتقان الطائفي الذي نعيشه اليوم بين مايسمى ب"الشيعة" و"السنة"؟، أليس نتيجة حرب ذاكرة حول الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، وأيضا حول من أحق بالخلافة بعد وفاة سيدنا محمد -صل الله عليه وسلم-؟، فقد وقع الطرفان تحت تأثير الثقل السلبي للتاريخ بدل إبقاء تلك الفتنة في زمانها فقط، وأنها مجرد صراع حول السلطة وقع وانتهى في الماضي، لكننا بسبب ماضويتنا أصبحنا ألعوبة في يد أعدائنا يلهوننا بصراعات حول شخوص وأحداث مرت عليها قرون، فحولوا الثقل السلبي للتاريخ والطائفيات والتوهمات العرقية إلى أسلحة لتدميرنا، ألا يحق لنا الارتياب باختفاء قوى غربية وراء عدة فضائيات دينية "شيعية" و"سنية" تداخلت مصالحها مع صراعات إقليمية ودولية بتوظيف الطائفية والتلاعب بديننا؟. فبدل إثارة صراعات ماضوية لا ناقة ولا جمل لنا فيها اليوم، يجب علينا طرح أسئلة جوهرية حولها تفيد حاضرنا، ومنها: هل كان بالإمكان تجنب حدوث تلك الفتنة؟ لماذا تتكرر صراعات دموية حول السلطة شبيهة بها عبر تاريخنا؟، لكن تقديسنا للماضي ورفض التناول الموضوعي البناء للصراعات المختلفة في مجتمعاتنا أبعدنا عن طرح حلول لمشكلة السلطة، فقد حال المستبدون ماضيا وحاضرا دون طرح المفكرين لهذه المشكلة كي لا يشكك في شرعيتهم، بالرغم من إشارة القرآن الكريم إلى خطورة مسألة السلطة من خلال أكل آدم من "شجرة الخلد وملك لا يبلى"، ويقصد بالملك السلطة بمعناها الشامل، فبرزت سوأته بعد أكله منها، أي ظهور حقيقة الإنسان التسلطية في حالة الصراع حول السلطة، وقد فصلنا هذه المسألة في كتابنا "النظام البديل للاستبداد". فلو طرح المسلمون مسألة الصراع حول السلطة في وقتها، لسبقوا الغرب إلى الحل الديمقراطي السلمي للمشكلة، فقد اعترف الغرب بأن التناقضات المختلفة أمر طبيعي في المجتمعات، وكي لا تتكرر ظاهرة الصراع الدموي حول السلطة، اخترع الديمقراطية التي تضم التداول السلمي على السلطة بواسطة الانتخابات وغيرها من المبادئ والآليات التي لا يمكن الفصل فيما بينها. تناول ابن خلدون ظاهرة تكرار الصراع العنيف حول السلطة بالتفصيل عند تناوله نشأة الدول في منطقتنا، فأخذ الجابري نفس فكرة ابن خلدون في كتابه "العقل السياسي العربي"، فلاحظ بقاء نفس تصرفات وممارسات المسلم السياسية منذ بدايات هذا الصراع في تاريخ الإسلام إلى اليوم، فدعا إلى القطيعة مع المحددات الثلاثة لهذا العقل المتمثلة -حسبه- في "العقيدة والقبيلة والغنيمة"، وقد حاولنا تطبيق هذه المحددات على الجزائر ما بعد 1962 في كتابنا "رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ" باستبدالنا العقيدة بالإيديولوجية والقبيلة بالجهوية والغنيمة بالريع، لنتوصل عند تناولنا للسيناريوهات المستقبلية بأن الانتقال السلمي الديمقراطي الحقيقي أصبح اليوم ضرورة حيوية لتجنيب جزائرنا التفتت والفوضى. [email protected]