صدور قوانين جديدة ناظمة للحياة السياسية أخلط أوراقها في وقت تتجه أحزاب الموالاة إلى "الاستثمار" الميداني والتحضير التدريجي لإطلاق "صافرة" حملة انتخابية مسبقة لتشريعيات 2017، بتكثيف لقاءاتها الجهوية وخرجاتها الميدانية للولايات وتعبئة مناضليها عبر كل الوسائل، لا يزال معسكر المعارضة في الضفة الأخرى فاقدا للبوصلة السياسية رغم اقتراب الموعد ، يتخبط في مواقفه بين المشاركة أو مقاطعة هذا الموعد المصري بعد صدور قوانين جديدة ناظمة للحياة السياسية.
مخرجات الاجتماع الأخير لهيئة التشاور والمتابعة للمعارضة الذي جاء مواصلة لعملها السياسي المشترك بهدف دراسة ومناقشة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والإقليمية التي تحيط بالبلاد، خير دليل على ذلك التخبط الذي يكنف مؤسسات الأحزاب المعارضة، إذ لم يوصل هذا اللقاء الدوري الروتيني أضلاع هذا الفضاء إلى الاتفاق حول رأي وموقف مشترك حول المواعيد الانتخابية المقبلة، خاصة ما تعلق بتشريعيات 2017 التي أصبحت على الأبواب، مع العلم أن هذا الموعد الانتخابي المصيري في تاريخ أي تشكيلة سياسية، جاء موازاة مع مصادقة نواب الأمة على قوانين عضوية "استثنائية" ناظمة للحياة السياسية، في مقدمتها قانون الانتخابات الجديد، وقانون الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات التي جاءت بعد المصادقة على الدستور الجديد، وحملت مواد وصفتها المعارضة ب"الصادمة" والمثبطة لحرية الاختيار والتعبير وللحريات والديمقراطية بصفة عامة.
أحزاب المعارضة التي اعتادت الدخول في "صراعات داخلية قاتلة" قبل أي موعد انتخابي، لم تسلم هذه المرة كذلك من هذه الظاهرة السياسية الظرفية السيئة التي ساهمت بشكل أو بآخر في توسيع هوة العزوف الانتخابي لدى القاعدة الشعبية، وقللت من ثقة الناخب بصدقية التشكيلات الحزبية، إذ تتجه العديد من الأحزاب المحسوبة على جناح المعارضة إلى "انشطارات" يمكن أن تكون فتاكة بمستقبلها، بسبب اختلاف في مواقف إطاراتها حول الموعد الانتخابي المقبل، فطرف يريد المشاركة وآخر ينزوي نحو المقاطعة بحجة وجود مخططات وبرامج رامية إلى غلق الساحة السياسية والتفرد بالحكم وضمان نصاب البقاء بطرق غير دستورية من طرف سلطة ليس لها أي إرادة لإخراج البلاد من أزمة الشرعية.
ورغم أن هيئة اجتماع أقطاب المعارضة خلص إلى قنوات حوار لبلورة مذكرة سياسية للمعارضة تتضمن كل الثغرات والخروقات والتراجعات المفروضة على التعددية السياسية، واعتبار هذه المذكرة قاعدة للعمل السياسي المستقبلي المشترك، وتشكيل فوج اتصال بباقي الأحزاب السياسية لبحث موقف مشترك من قانون الانتخابات الجديد من خلال تنظيم ندوة سياسية مشتركة، إلا أنها لم تذكر إطلاقا رغبتها في التباحث للوصول إلى موقف موحد حول التشريعيات المقبلة، الأمر الذي يؤكد أن هذه الفكرة لم تطرح إطلاقا داخل الهيئة، وأن فكرة المشاركة في التشريعيات من عدمها لم تر النور بعد لدى الهياكل الحزبية للمعارضة، ما يثبت عدم اقتناع كل تشكيلة حزبية بما يطرحه الطرف الآخر.
ورغم أن بعض الهياكل الحزبية للمعارضة تضغط للمشاركة بحجة استغلال المحطات الانتخابية لبلوغ مناصب صنع القرار، الا أن الكثير من المؤشرات دالة أن هذا المعسكر السياسي يتجه تدريجيا نحو المقاطعة، في ظل ارتكازه على الخطابات المنتقدة للمشاريع القانونية واعتبارها تراجعا عن المكتسبات المتواضعة، واستفزاز مبرمج للطبقة السياسية والشعب الجزائري التواق إلى مؤسسات شرعية يختارها، الأمر الذي يترك باب التشريعيات المقبلة مفتوحا على مصراعيه، وأن كل السيناريوهات تبقى مطروحة.