أحدثت الانتخابات التشريعية المرتقبة في الرابع ماي المقبل، تموقعات وحركية فرضتها معطيات الواقع، انقسمت بموجبها الطبقة السياسية قسمين، الأول تمثله السلطة والأحزاب الموالية، وقسم كبير من المعارضة التي قررت المشاركة في التشريعيات المقبلة، وقسم آخر تمثله الأحزاب المقاطعة، في صورة كل من "حزب طلائع الحريات" الذي يرأسه المترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة، علي بن فليس، و"حزب جيل جديد" الذي يرأسه جيلالي سفيان، والاتحاد الديمقراطي الاجتماعي (غير المعتمد)، الذي يرأسه القيادي السابق في حزب جبهة القوى الاشتراكية، كريم طابو.. محور الخلاف بين الفريقين يحركه الجدل الدائر حول المشاركة والمقاطعة. فالفريق الأول يعتبر المشاركة في الانتخابات واجبا وطنيا وضرورة ملحة تمليها المصلحة العليا للوطن وآلية من آليات التغيير، في حين يعتبر الفريق الثاني مقاطعة الاستحقاق المقبل أفضل ما يمكن أن يقدمه الناخب في الظرف الراهن للبلاد. فلماذا يدعو هذا للمشاركة، ولماذا يدعو الآخر للمقاطعة؟ وما محل المواطن من هذا الجدل؟ وأين تكمن مصلحة البلاد بين هذا وذاك؟ وما هي الفئة المستهدفة بهذا النقاش؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عليها.
التقوا على معارضة الأحزاب الداعية للمقاطعة السلطة والمعارضة في خندق واحد .. لماذا؟ التقت السلطة وغالبية أحزاب المعارضة عند قاسم مشترك واحد وهو رفض كل دعوة لمقاطعة الانتخابات التشريعية المرتقبة في الرابع من ماي المقبل. موقف اعتبره البعض تراجعا من قبل قسم كبير من المعارضة عن بعض مواقفها، فيما اعتبره البعض الآخر أمرا مبررا بحكم مشاركة غالبية الأحزاب الكبرى الموجودة خارج الحكومة في الاستحقاق المقبل. وكانت هذه القضية قد تفجّرت داخل هيئة التشاور والمتابعة المنبثقة عن تنسيقية الانتقال الديمقراطي بعد ما قررت بعض فصائل هذه الهيئة خيار المشاركة في الانتخابات التشريعية، قبل أن تلتحق السلطة بركب هذا الجدل، من خلال كل من وزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين بدوي، ووزير الاتصال حميد قرين. فقد هدد وزير الداخلية بمراجعة قانون الأحزاب بما يسمح بسحب الاعتماد من الأحزاب التي قررت مقاطعة الانتخابات التشريعية، وكان كلامه هنا موجها ضمنيا ل"حزب طلائع الحريات"، الذي يقوده المترشح السابق الانتخابات الرئاسية، علي بن فليس، وكذا "حزب جبل جديد"، الذي يرأسه المعارض جيلالي سفيان، باعتبارهما كانا السباقين للدعوة لمقاطعة موعد الرابع من ماي القادم. ومن جهتها، دعت وزارة الاتصال وسائل الإعلام إلى توعية "الناخبين بممارسة حقهم في التصويت، ومنعها بأي حال من الأحوال العمل على تجريد الانتخابات من مصداقيتها أو إعطاء الكلمة للأحزاب التي تدعو إلى المقاطعة"، في تناغم تام مع موقف وزارة الداخلية. أما المعارضة وخاصة الإسلامية منها، فقد تلقت هجوما عنيفا من شريكها في هيئة التشاور والمتابعة، جيلالي سفيان، الذي اتهمها ب"بيع القضية" للسلطة، بقرارها المشاركة في الانتخابات، بل ذهب بعيدا في اتهامه هذا عندما شكك في وجود صفقة بين الطرفين، قوامها "كوطة" من مقاعد المجلس الشعبي الوطني المقبل. هذه التهمة نفتها حركة مجتمع السلم على لسان رئيسها، عبد الرزاق مقري، الذي تحدى جيلالي سفيان أن يجد بندا في "أرضية مزفران" يجبر الأحزاب التي وقعت عليها، على مقاطعة الانتخابات التشريعية. ويبدو منطق الحسابات السياسية قد فرض نفسه في هذه القضية، فالسلطة ليس من مصلحتها أن تبقى نسبة المشاركة دون عتبة الخمسين بالمائة (نسبة المشاركة في تشريعيات عام 2012 لم تصل 44 بالمائة)، وهي نسبة وإن لم تؤثر على شرعية الانتخابات، إلا أنها تؤثر على مصداقيتها، بدليل التهم التي لطالما لاحقت الغرفة السفلى للبرلمان المنتهية عهدته بسبب نسبة المشاركة المنخفضة. من جهتها، تعتقد المعارضة أن ارتفاع نسبة المشاركة لا يخدم إلا السلطة، وذلك من منطلق أن وعاء الأحزاب الموالية، المسيطرة على المشهد السياسي، ملتزم بالذهاب إلى صناديق الاقتراع بحكم يقينه بوصول صوته لهدفه، فضلا عن أن المقاطعين هم من الغاضبين على الوضع العام في البلاد، حسب أقوال المعارضة، التي ترى أن إحجام الغاضبين من السلطة عن المشاركة في الانتخابات يجعلها تخسر أصواتا كانت في متناولها، ومن ثم تمديد عمر الوضع الراهن إلى خمس سنوات أخرى على الأقل. غير أن هذه القراءة قد تفتقد إلى الدقة، فالكثير من المقاطعين ليسوا بالضرورة متذمرين من ممارسات السلطة وعدم تمكنها من تحقيق آمال وانشغالات الملايين من الجزائريين، بل أيضا من المستوى الذي وصلت إليه الممارسة السياسية، ومن ترهل الكثير من الأحزاب التي أصبح نشاطها موسميا مرتبطا عادة بالمواعيد الانتخابية. كما أن الانتخابات التشريعية تعتبر في نظر الناخب الجزائري ليست في تماس مباشر مع اهتماماته وانشغالاته اليومية، على غرار الانتخابات المحلية، أو الانتخابات الرئاسية التي عادة ما يكون لكاريزما المرشحين (أشخاص معروفون) فيها، دور في جلب الناخبين إلى صناديق الاقتراع.
رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري: "المقاطعة لا تخدم إلا السلطة" لأول مرة تلتقي السلطة والمعارضة على انشغال مشترك وهو خطر العزوف.. لماذا؟ السلطة ليست منشغلة بالعزوف ولا يهمها الأمر، وأكثر من ذلك، الطرف الوحيد المتخوف من المقاطعة هو المعارضة، والدليل أن السلطة لم تستخدم أيا من أدواتها لمواجهة هذا الخيار، والتصدي له، وحتى خطاباتها الداعية إلى المشاركة ظرفية. فهذه الأخيرة لم تتبن لمواجهة هذه الفئة سياسات دائمة وجادة، ولكي يدلي المواطن بصوته يجب أن يطمئن قبل كل شيء، وهو ما نجده غائبا عن اهتمامات السلطة في الظرف الراهن، الأمر الذي يجعلنا نقول اليوم إن المقاطعة قد تخدمها أكثر من أن تضرها. لماذا التخوف من دعاة المقاطعة؟ وهل هم بالقوة التي تخيف غيرهم؟ كما سبق أن قلت، إن السلطة أصلا ليست متخوفة من دعاة المقاطعة، وإنما نحن من نتخوف منها، لأن فئة المقاطعين لن يصوتوا لصالح الموالاة وإنما لصالح المعارضة بحكم أنهم غير راضين عن الوضع، لذلك نطالب هؤلاء بالتوجه يوم 4 ماي المقبل إلى مراكز الاقتراع والإدلاء بأصواتهم، وهنا نرى أن السلطة ملزمة بالتحرك وتقديم ضمانات لهؤلاء الناس بعدم وجود تزوير في التشريعيات المقبلة. وما يزيد في نظرنا من احتمال المقاطعة اعتراف رؤساء حكومات سابقين وأحزاب من الموالاة بوجود تزوير في الانتخابات السابقة. وهي الفرضية التي يجب على الحكومة دحضها لبلوغ الهدف المنشود، من خلال تحقيق تشريعيات نزيهة، تتيح للشعب وكل المتخوفين التوجه للإدلاء بأصواتهم بكل اطمئنان. من هم الجزائريون الذين يقاطعون عادة الانتخابات؟ كثير هم الجزائريون الذين يفضلون خيار المقاطعة، أغلبهم من فئة الشباب الذين لا يهتمون ولا يكترثون للسياسة أصلا، وهنالك أيضا أولئك الذين تعرضوا لخيبات أمل في الاستحقاقات الماضية، فيفضلون اليوم المقاطعة، وكل من أصبح لا يرى أملا في الحياة السياسية. وعلى كل حال، نحن استطعنا إقناع عدد كبير من الفئة الناخبة بالإدلاء بأصواتهم لصالحنا وننتظر الكثير منهم خلال الاستحقاقات المقبلة. هل المقاطعون أشخاص مسيّسون أم غير مبالين بالعملية السياسية؟ الاثنان معا، من هو غير مبال بالعملية السياسية لن يتحدث أصلا عن الانتخابات ولا يهمه أمرها، أما المسيسون، فهم المندرجون عادة في فئة المعارضة، وأنا لا أجرّم المقاطعين، ولا أصنفهم في خانة المخالفين للقانون، فمن حقهم المقاطعة، ولكن في رأيي هذا الخيار تطرف سياسي خاطئ، فكل مقاطع لا يحمل مشروعا سياسيا للتغيير مخطئ، لأنه بذلك سيخدم السلطة، بحكم أن أغلب المقاطعين هم من فئة من يريد التغيير، ولكن بالمقابل لسنا ضد من يحمل مشروعا سياسيا ويختار المقاطعة في التشريعيات المقبلة. من يتحمل مسؤولية عزوفهم؟ هل السلطة أم المعارضة أم الطرفان معا، أم هناك أطراف أخرى؟ طبعا، السلطة هي التي تتحمل مسؤولية عزوف المواطنين عن مكاتب الاقتراع، فهي من تتحمل مسؤولية التزوير في الماضي، وأغلب المقاطعات ناتجة عن التخوف من التزوير في تشريعيات ماي المقبل، والأبعد من ذلك، منذ بداية المسار الانتخابي في الجزائر ونفس الأحزاب تنجح في الاستحقاقات وتتوج بالمراتب الأولى، لذلك اليوم يجب بعث رسالة أمل في قلوب الجزائريين لإقناعهم بالانتخاب، وهذا عبر التأكيد بوجود احتمال تغيير في حال مشاركتهم، ولذلك إن فزنا فنحن ناجحون وإن لم نتوج بالمراتب الأولى، فلن نخسر شيئا، ولكن في حال المقاطعة ففي كل الأوضاع سنخسر لأن احتمال التغيير لن يكون موجودا. برأيكم، كيف السبيل لإقناع المقاطعين بالانخراط في العملية الانتخابية؟ كما سبق أن قلت لك، سنستغل خطاباتنا المنطقية لإقناع الهيئة الناخبة بالتوجه إلى مكاتب الاقتراع يوم 4 ماي المقبل، وهذا عبر مخاطبة العقول بدل العواطف، وإقناعهم بضرورة تغيير الوضع الراهن، وفتح آفاق الأمل أمام الجزائريين، فهؤلاء يجب أن يقتنعوا بأنهم إذا ما قاطعوا التشريعيات المقبلة، فالوضع سيسوء بشكل أكبر، أما إذا شاركوا فاحتمال التغيير يبقى قائما.
رئيس الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي كريم طابو... ل"الشروق": خطاب بعض المعارضين لم يعد يختلف عن خطاب السلطة في سابقة، التقت السلطة والمعارضة على انشغال مشترك وهو خطر العزوف، برأيك لماذا؟ في الحقيقة السلطة والأحزاب السياسية المشاركة في تشريعيات الرابع من ماي، تعي جيد أن الأزمة السياسية في البلاد عميقة جدا، والمواطن الجزائري بدوره على علم بكل ما يحدث في المنظومة الفاسدة التي تعمل اليوم بمعية المشاركين في الانتخابات من أجل كسر حاجز العزوف الانتخابي، فمشكل النظام في الوقت الحالي هو كيفية تثبيت بقائه، لذا يمكن أن نحصر أسباب العزوف في فقدان الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وحتى بعض الأحزاب السياسية أصبحنا نلاحظ أنها تبحث عن طرق تثبيت وجودها في الساحة بكل الوسائل، فالعنصر المشترك بينهما هو الاستمرار أكثر. هناك من يقول إن مقاطعة الانتخابات لا يخدم إلا السلطة، هل توافقون على هذا الطرح؟ أبدا، والدليل على ذلك، أن السلطة الحالية لم تترك شيئا إلا واستخدمته لدعوة الأحزاب السياسية للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث جندت كل الوسائل المتاحة من مؤسسات ووزارات "لشيطنة" المقاطعة الانتخابية، حيث رأينا وزراء في حكومة عبد المالك سلال يصفون المقاطعين بكل النعوت، واستعملوا كل الوسائل الممنوعة والمتاحة، لتتكالب على الأحزاب السياسية التي قررت مقاطعة هذا الموعد الانتخابي، فمن غير المعقول القول إن المقاطعة من شأنها خدمة السلطة، فالجزائر تعيش مرحلة تاريخية، خاصة وان النظام الحالي لا يزال يكرر الأكاذيب والمهازل على الشعب، والأخطر هو خطاب المعارضة والموالاة الذي أصبح متجانسا، ولا تستطيع التفريق بين خطاب ولد عباس وعبد الرزاق مقري، لذلك أقول إن الشعب اليوم أصبح واعيا ولم يعد يقبل بمقترحات تؤدي إلى نفس النتائج. هل تتوقعون استجابة واسعة لدعوة المقاطعة؟ أنا متواجد حاليا في ولاية عين الدفلى في إطار نشاطات الحزب، وقد لمسنا بحكم احتكاكنا مع المواطنين أن هؤلاء يميلون أكثر إلى خيار المقاطعة، فالأحزاب السياسية ستجد صعوبة كبيرة في إقناع الشعب بضرورة التوجه إلى صناديق الاقتراع، خاصة أنها لا تزال تحمل نفس الشعار والعنوان، لذا السؤال الذي يجب أن يطرح: هل الأحزاب السياسية أخذت طريق الشعب أم السلطة؟ نحن كمقاطعين نعرف الجواب جيدا وقد اخترنا طريق الشعب. من هم الجزائريون الذين يقاطعون عادة الانتخابات؟ الجزائريون الذين يقاطعون الانتخابات عادة هم البسطاء، "المحقورون"، المظلومون، الذين يعيشون الفقر وكل المآسي الاجتماعية ويتخبطون في المشاكل التي لا حدود لها، واغلبهم يتمركزون في المناطق النائية، أين لا توجد الأقلية المتحكمة في الثروات الوطنية، والتي تتخذ من المدن الكبرى معقلا لها، أين الموانئ والريع والإدارة، فمن المستحيل أن نساوي بين جزائري الموانئ وجزائري البطاطا، هذا ظلم في حق هذه الفئة التي تمثل أغلبية الشعب. هل الفئة التي اعتادت مقاطعة الانتخابات مسيسة، أم غير مبالية بالعملية السياسية؟ الجزائريون بصفة عامة هم مسيسون، لكن غير منخرطين في تنظيمات سياسية، فهناك فرق بين المناضل الذي ينتمي إلى جهاز (حزب) ومرتبط به، وبين المواطن البسيط المسيس الذي يعي حقوقه وواجباته، فالمطلع على مواقع التواصل الاجتماعي يلحظ جيدا مدى الوعي السياسي الذي يتصف به الجزائري. من يتحمل مسؤولية عزوفهم؟ هل السلطة أم المعارضة أم الطرفين معا، أم هناك أطراف أخرى؟ الذي سير البلاد ولم يكن في مستوى طموحات الشعب هو من يتحمل المسؤولية، فالمواطن الجزائري اليوم يبحث عن البديل والوجوه الجديدة، فهو لا يرغب أن يرى نفس الأسماء والأشخاص تتداول على نفس المنصب.