بقلم: يونس شرقي لم تجف دموع الباكين حرقة لفراقك بعد، ولم تنزل أكف التضرع للخالق ليتغمدك برحمته الواسعة بعد، وهذا قلمي يخاطبك ولست أعي أن رسالتي لن تصلك، لمن تركت الملحون بعدك يا حبيب الزوالية؟
من سيطوّع القوافي لتحاكي أحزان الجزائر العميقة وينسج منها مرويات تقلب جراحهم إلى بسمة عريضة؟ من سيتحدث عن غيض يتملكهم من ظلم الإدارة وسلوكات الناس الحڨارة، عن الريع الموزع بسخاء على مشاريع فاشلة قابلها فقر مدقع لازم البسطاء بعد رحيلك ؟
من يرفع صوت الفلاح الحقيقي الذي حرم من الدعم الفلاحي وبقي تحت خط الفقر وبقيت البلاد مستوردة لقُوتِ أهلها، في حين راحت أموال الدعم هباء أثناء عبث المراهقين بالمال العام، بعد رحيلك؟
من سيشفي غليل الزوالية المحڨورين من بيروقراطية المسؤولين المحليين، غير "آبقاي على خير يا ذي الدشرة" ؟ من سيخفف عن منطقة كان قدرها التهميش الناجم عن المركزية المقيتة، وكنت وحدك تخاطبهم أين حظنا من المستشفيات الجامعية وأين حظنا من التغطية بالشبكة الكهربائية والغاز، من سيحدثهم بعدك يا شيخ الصادقين عن حرمان الجلفة من الدعم على الغاز والكهرباء المقدم للجنوب الكبير؟ من سيحدث الآباء المتحسرين لما آل له وضع الأبناء من تمسخ وتفسخ غير قصيدة "البارابول" ؟
من سيشفي غليل المحرومين من السكن الاجتماعي، غير مونولوڨ لجنة السكنات؟
من سيرفع للفنانين أعمدة البيت الحمراء ليطربوا البسطاء بما جادت به الصحراء وخطوات الرعاة خلف الماشية، بعد رحيلك؟ هذه تساؤلاتي بحسرة لك، وحسرتي أكبر أن لا أحد سيجيبني، وكأن بي أناجي الصحراء فيجيبني صداها: "عطاالله ماتو.. راحو ذوك ليامات".
آه يا عيني راحت أيام السوق الأسبوعي الذي تلتم فيه حشود البسطاء لاقتناء ألبومات الشيخ عطاالله وجموع المتسوقين تستمتع بمواويل الملحون وترسم على محياها بسمات البداوة الغالية وعطاالله يخاطب جلول ويترجاه تارة وهو يحرض رفيقه "ابن سعيد" ليستصرخ الناي ويعصر منه شجن اللحن: "انسف على برّهم يا بن سعيد انسف".
آه يا عيني راحت أيام يتقدم فيها مبدع مثل عطاالله لجموع المواطنين لتزكيته نائبا عنهم، دون ديماغوجية ولا مداراة ولا وعود واهمة بأسلوبه الجميل يصارحهم "عايشين خسارة .. مترشحين زكارة .. قاصدين الشكارة" وفي حقيقة الأمر أنه قدم لهم ما لم يقدم من قبل، هذا الصدق الذي بات العملة النادرة في الممارسة السياسية.
من ذا الذي يتحدث طويلا في السياسة ويبكيه كل أهلها غيرك يا عطاالله؟ من ذا الذي يحزن من هم في الحكم على فراقهم غيرك، حينما تحتج بأسلوبك اللبق المهذب الذي يكشف شخصية البدوي الأصيل؟
من ذا الذي يحزن من هم خارج الحكم على فراقهم غيرك، حينما ترفع كل ما يراودهم من تحفظات على ما يجري بالبلاد؟ من ذا الذي سيفاخر الجزائريين بانتمائهم لروح الصحراء غيرك، وأنت الذي جبت بنا مع مواويل الكبير خليفي أحمد رحمه الله؟ من ذا الذي يبكي مع الجزائريين حزنهم على غزة المجروحة، من يبكي معهم استشهاد الرئيس صدام حسين رحمه الله، من غيرك يا عطاالله؟
من سيتخلى عن شبابه ويلبس عباءة الشيخ الصادح بهموم قريته الكبيرة لسنين طوال، فعشت شيخا ورحلت شابا يا عطاالله لست أدري إن كنت أدرك جوابا؟
لست أدري إن كنت أقصد عزاء فيك؟
لست أدري إن كنت أطوي صفحة ترثيك أم أفتح بابا لاستذكار كل البسمات التي أهديتنا إياها لسنوات طوال؟ من عجائبك أيها الجميل أن باكيك في فراقك، يبتسم دون دراية حين يعود لما كنت تقول، وكأن بك تخفف عنه وتقول "عطاالله كان معكم ويبقى معكم لتكونوا سعداء رغم الفقر والحڨرة وكل ظروف الشقاء والبؤس" ها قد تركت الدشرة يا عطاالله، وكل دعوانا أن تلقى بعدها روضة من رياض الجنة، لترقد روحك بسلام ليتغمدك البارئ برحمته وليسعدك بنعيم جناته كما أسعدتنا في حزننا لسنين الوداع يا شيخ الزوالية