يعيش الغزاويون تفاصيل أيام وليالي الشهر الفضيل لهذه السنة، في أجواء يطبعها الصبر على الدمار الذي يحيط بهم من كل مكان؛ حيث فضّل الكثيرون العودة الى ركام بيوتهم، والبقاء فيه. مائدة إفطار رمضان 2025 نُصبت وسط الركام. وكم بات عدد أفراد العائلة قليلا بعد استشهاد المئات منهم! وفق ما أشارت إليه السيدة تسنيم الرنتيسي في تصريحها ل"المساء" قائلة: "رمضان هذا العام نفتقد فيه الكثير من أسرانا على مائدة رمضان؛ فقد بلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر فقط، 14500 أسير، منهم 1932 من قطاع غزة"، مضيفة: "الماء، أيضا نضطر، لنقله إلى مسافات طويلة عبر وسائل بدائية ك(الجردل) أو (القلن)؛ حتى نتمكن من استخدامه". تواصل السيدة تسنيم حديثها بكل ألم قائلة: "لقد أصدر المجرم نتنياهو قرارا يمنع دخول المساعدات والبضائع الى غزة في ثاني يوم من رمضان! وهو قرار يُعد بمثابة تجويع مليوني مسلم في غزة خلال رمضان". وأضافت: "الاحتلال حرمنا مقومات الحياة جميعها؛ من الكهرباء والماء النظيف وغاز الطهو طوال فترة الحرب، وحتى هذه اللحظة- أي بعد وقف الحرب- فكمية غاز الطهي التي يُدخلها لا تكفي المواطنين، وهذا يجعل سكان القطاع يعيشون حياة بدائية. كل شيء يتم طهوه على نار الحطب، وهذا أمر شاق، ويستغرق ساعات، فحتى عند استيقاظنا لإعداد السحور نضطر لإشعال النار. وحتى الحطب الذي نستخدمه للطهي أصبح شحيحا، ونضطر لشرائه". ولاتزال تفاصيل رمضان الماضي تخيّم على الأذهان والأماكن بتفاصيلها، كما أشارت اليه السيدة تسنيم: "ذكرى رمضان خلال الحرب لا ننساها، فقد استشهد أخي يوسف خلال الأيام الأولى من رمضان. حوصرنا ستة أيام بالدبابات المحيطة بالمنزل. والصواريخ حولنا من كل حدب وصوب. كما تم قصف أغلب بيوت الجيران؛ فقد كنا نرى من الشبابيك، خلسة، جيراننا شهداء ملقَون على الأرض؛ بيوتهم تقصَف. حُرمنا النوم وخيم الخوف. وفي اليوم السادس من الصيام دخلت قوات الاحتلال البيت، واعتقلوا شبابنا. عذبوا أبي، وأُجبرنا نحن النساء والأطفال على المشي 20 كيلومترا كاملة بعد يومين من الصوم المتواصل لنفاد الطعام. قاموا بتكسير ممتلكاتنا والتهديد... قائلين: إن لم تخرجوا سنقتلكم.. يومها خلعوا ملابس رجالنا بعد فكّ أسرهم وتركوهم يمشون 20 كيلومترا عراة في جو بارد!". وأضافت: "أصعب شيء خلال الحرب هو كثرة النزوح... من منطقة لأخرى، فمرارة النزوح صعبة جدا... اختصار البيت في حقيبة صغيرة، حيث تهرع أنت وأطفالك من مكان لآخر، وسط غلاء الأسعار، وعدم إمكانية اقتناء الطعام، فالكثير من الناس احترقت أموالها مع القصف. والكل توقف عمله. ومن حالفه الحظ بقي فوق بيته المتضرر". وعن صيام رمضان 2025 قالت: "ما يميز الشهر الفضيل هذا العام، هو توقف الصواريخ والدبابات وأزيز الطائرات. سنتقاسم الطعام مع الجيران والأحبة، ونقف جنبا الى جنب... هذا العام سيقتصر الطعام على صنف أو صنفين، فالمقلوبة التي كنا نعدها من اللحم والدجاج، قمنا بتحضيرها بالأرز والباذنجان فقط، فأسعار المواد الغذائية غالية، ولا يمكن أن يشهد دعوات الإفطار. لن يكون هناك أحبة، فلا يوجد بيت فلسطيني واحد خال من الشهداء أو الجرحى أو الأسرى". وفي الختام قالت السيدة تسنيم: "في هذا العام سنفتقد الأحبة حول الموائد، فالناس بغزة مكلومة محزونة، لكنها تحاول أن لا يسرق الاحتلال منها رمضان آخر. سنحاول صنع القطايف فوق الركام، سنصلي فوق المساجد المدمرة، سنشعل الفوانيس، سنخط على الجدران غير المدمرة، سنزور الأرحام بالخيام، سنضع صور شهدائنا حول مائدة الطعام، فهم أحياء في قلوبنا، سنضيء هواتفنا لنصلي معا صلاة الترويح... سنقيم الشعائر الدينية بكل ما نملك".