يعود اليوم الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة كل عام والمرأة الجزائرية بكل فئاتها، لا تزال تئن تحت وطأة العنف بكل أنواعه الجسدي واللفظي والجنسي، عاجزة عن مواجهة المجتمع الذي تتوقع أن يستنكر ذلك، ورغم رزنامة القوانين المستوردة لا يزال واقع المرأة الجزائرية حافلا بحكايا القهر والاضطهاد، فما الذي تغير بعد سنة من سن مشروع القانون المعدل والمتمم للأمر رقم 66 – 156 المتضمن قانون العقوبات والمتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة وتجريم التحرش الجنسي، ..هل انعكست هذه القوانين بالإيجاب على المجتمع أم بقيت حبرا على ورق كأي سلعة مستوردة لا حاجة لنا بها. وفي هذا الاستطلاع، حاولت "الحوار" رصد آراء مختلف الفاعلين في المجال فكانت هذه التصريحات. * رئيسة المنتدى العالمي للمرأة والأسرة المسلمة عائشة بلحجار ل"الحوار": نحن ضد العنف إذا كان المقصود منه ضرب المرأة وليس ضرب القيم أكدت رئيسة المنتدى العالمي للمرأة والأسرة عائشة بلحجار أن المشكل اليوم لا يكمن في إحياء الجزائر لليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وإنما يكمن في تعريف العنف بحد ذاته، فإذا كان العنف المقصود هو إهانة كرامة المرأة، فنحن متفّقون بأننا ضدّه بنسبة ألف في المائة، أما إذا كان المقصود منه ضرب لقيم المجتمع والقيم الإسلامية فنحن ضده. وأضافت بلحجار "لو كانت هذه القوانين قد نجحت في بلادها الأصلية التي استوردت منها أي من أوروبا، فلا بأس، أمّا ونحن نرى حال المرأة في الدول الغربية الذي لا يسر مسلم ولا كافر، فهذا الذّي يدعو إلى التساؤل، لماذا نستورد قوانين لا حاجة لنا بها، فقط لمسايرة المنظومة العالمية التابعة لسياسة العولمة، والمشكل أننا بهذه القوانين الدخيلة والغريبة على مجتمعنا لا ننفع المرأة، بل نضرها للأسف، لأنها لم تنشأ عليها وهي مستوردة من منظومة مختلفة تماما". "أنا أجزم أن مستوردي هذه القوانين لا يعرفون حتى حاجة المرأة الجزائرية، هي ليست بحاجة إلى رزنامة قوانين تشوش عليها أمرها وتضرها أكثر مما تنفعها، بل هي بحاجة إلى أن تعيش بسلام وتشعر بالراحة والاستقرار والطمأنينة والأمان، ومثل هذه القوانين لا توفر لها ذلك". وأضافت عائشة"إذا أردنا أن نستورد، فلنستورد قوانين حماية في حالة الحروب مثلا، أما قوانين اجتماعية فلسنا بحاجة لها، نحن أثرياء بعقيدتنا ومنظومتنا القيمية، وللأسف في الجزائر فرضت علينا هذه القوانين من فئة متسلطة تريد أن تسن قوانين ضد الفطرة، ضد المرأة وضد الرجل، فئة قامت باستيراد قوانين لم تنجح في الدول الأوروبية، فكيف لها أن تنجح عندنا؟". * النّقابية ومؤسّسة لجنة مكافحة العنف الجنسي ضد المرأة سمية صالحي ل"الحوار": حقّقنا 90 بالمائة من المكاسب القانونية ومعارضة الإسلاميين مناورة سياسية أعربت النقابية الناشطة في مجال حقوق المرأة وأوّل مؤسسة للجنة حماية المرأة العاملة من التحرش الجنسي سميّة صالحي، عن رضاها حول المكاسب المحقّقة في مجال حماية المرأة من العنف، مؤكدة أنّ هذه المكاسب لم تتأتّ إلّا بعد نضال كبير، حيث خاضت النّساء الجزائريات معركة قانونية ضارية للوصول إلى ما وصلت إليه اليوم. وأضافت صالحي أنّ الجزائر تعدّ من البلدان الرّائدة في مجال مكافحة العنف ضد المرأة، وتحتل الصّدارة من حيث رزنامة القوانين التّي تحميها من أشكال العنف اللفظي والجسدي والجنسي."لقد خضنا معركة قانونية في الجزائر ونجحنا، ولم يتبق أمامنا سوى بعض العقليات المتحجرة التي تقف وراءها عقدة الذكورة،..لكن النضال لم ينته ولا بد من مواصلته بمضاعفة حملة التّحسيس حول ضرورة التّبليغ عن مقترفي العنف ضد المرأة في كلّ مكان". وعن مدى تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع، رفضت صالحي القول أنها مجرد حبر على ورق "هذه إنجازات كبيرة ولا ينبغي الاستهانة بها، أما في أرض الواقع فالدولة والمجتمع المدني مطالب بإنجاز تحقيق وطني لرصد واقع العنف الفعلي الذي تتعرض له المرأة الجزائرية في المجتمع". وأضافت صالحي "القانون لا يزال فتيّا ولا نستطيع الحكم على مدى فعاليته الآن، لكن المؤكّد أن هناك الكثير من السلوكيات تغيرت اليوم سواء فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة أو حتّى ما يتعلق بالتّحرش الجنسي بدليل أنّ الضحايا يلجأن اليوم إلى التبليغ عن الفاعل مهما كان، مما يعني أن حاجز الخوف قد انكسر والرّخصة الاجتماعية صارت متاحة ولم يعد هناك أي تسامح مع الرجل العنيف، بينما فيما قبل كان هناك تواطؤ واضح بين الرجل والمجتمع، فكل شيء يقترفه مسموح والمرأة الضحية مطالبة بالرضوخ. أما فيما يتعلق بشق التحرش الجنسي، فقالت مؤسسة اللجنة الوطنية لحماية المرأة العاملة من التحرش الجنسي، "مازلنا نطالب بحماية الشاهد لأن بند حماية الشاهد في قضايا التحرش الجنسي أساسي، ولا يجب أن نتغافل أن هناك الانتقام وردود الفعل التي قد تنعكس سلبا على الشاهد، خاصة إذا كان المتحرش من ذوي السلطة أو مسئولا". وأضافت"الجديد في قضية تجريم التحرش الجنسي في القانون الجديد "في قانون 2004 القديم كانت المادة 341 مكرر التي تجرم التحرش الجنسي تخص بالذكر الشخص النافذ وصاحب السلطة على الضحية، أما اليوم في نفس المادة مكرر 1 فوسعت نطاق التحرش وشملت كل محيط العمل حتى الزملاء". أما ما يتعلق بمعارضة الإسلاميين على قانوني العنف والتحرش، فقالت "والله أنا أعتبرها مناورات سياسوية من الإسلاميين وحملة كاذبة، نحن تحدثنا عن العنف بين الأزواج وهو يشمل العنف المضاد ضد الرجال أيضا، فهناك للأسف رجال يتعرضون للتحرش من قبل رجال آخرين تماما كما هناك رجال يتعرضون للتحرش من قبل نساء". وحيت سمية صالحي روح التضامن من قبل الإعلام الذي برأيها تحلى بروح التضامن في مواكبته لحملة كسر طابو التحرش الجنسي في أماكن العمل، مرجحة أن مثل هذا التكاثف ينم عن غيرة الجزائري على كرامة زوجته وأخته وحتى زميلته، كما حيت النساء المعنفات والمتحرش بهن اللواتي كسرن حاجز الخوف حفظا لكرامتهن وكرامة ضحايا أخريات".
* رئيسة مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة.. نادية آيت زاي: نتلقى سنويا 9000 بلاغ من معنفات أغلبهن ضحايا للعنف الزوجي أوضحت المحامية نادية آيت زاي، رئيسة مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة "سيداف" في تصريح للحوار عشية اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة، أن القوانين المسنة بالجزائر كفيلة بحماية المرأة من العنف إلى حد كبير، حيث يحمي قانون العقوبات المرأة من العنف الزوجي والعائلي، ولكن يبقى الإشكال يتمحور حول نقص الوعي لدى النساء وعدم معرفتهن بحقوقهن وبالقوانين التي تسمح بحمايتهن، فضلا على تخوف معظم النساء المعنفات من مواجهة مشاكل عائلية قد تصل إلى الطلاق بعد تقديم بلاغ في حق الزوج المعنف، خصوصا وأنهن لا يملكن القدرات المادية للعيش بدونه لا سيما المنزل، وعليه تجد النساء المعنفات يقصدن الطبيب الشرعي ولكن لا يرفعن شكوى، لا سيما وأن العنف الزوجي هو الذي يتصدر نسبة العنف ضد المرأة بالجزائر، كما أرجعت نادية آيت زاي السبب وراء إحجام النساء على التبليغ إلى غياب الحماية الاجتماعية وإلى النقص الكبير في عدد المراكز التي تستقبل المرأة وتستمع إلى مشاكلها وتعرفها بحقوقها وتوجهها أيضا. وأضافت رئيسة مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة "سيداف" أن الجمعيات المهتمة بشؤون المرأة تطالب النساء المعرضات للعنف بضرورة التبليغ ضد الجاني، مشيرة إلى أن العقوبة من الممكن أن تلعب دورها في ردعه وتخفف منسوب العنف لديه، كما طالبت بضرورة تنظيم حملات تحسيسية وتوعوية لمجابهة العنف، مشيرة إلى أن "سيداف" تستقبل سنويا ما يقارب ال 200 امرأة تعاني من العنف، كما يتراوح عدد النساء اللواتي قدمن بلاغات تتعلق بتعرضهن للعنف بين 8000 و9000 حالة سنويا، لكن يبقى العدد الحقيقي للمعرضات للعنف أكبر بكثير نظرا لامتناع الكثير من النساء عن التبليغ. وفيما يخص الحلول والآليات الواجب اتباعها للقضاء على العنف ضد المرأة، أكدت ذات المتحدثة على ضرورة البدء من الأساس وتربية وتعليم الأطفال منذ نعومة أظافرهم على احترام المرأة والعائلة وبث روح السلم ونبذ العنف في نفوسهم عبر المدارس، وذلك لأن العنف لا يقتصر على الضرب والاعتداء، فقد يكون العنف لفظيا أو معنويا وعليه يجب التصدي له بترسيخ ثقافة الاحترام والسلم.
رئيس نقابة الأئمة جلول حجيمي ل"الحوار": قوانين العنف صارت سببا في عزوف الشّباب عن الزواج والمرأة تحب الرجل القوي أكد رئيس نقابة الأئمة الشيخ جلول حجيمي، أن ظاهرة العنف ضد المرأة هي ظاهرة عالمية وليست مقتصرة فقط علينا، فالمرأة تتعرض إلى العنف حتى في أوروبا وأمريكا، بل أن العنف تطوّر وصار مضادّا، حيث ظهرت قضية موازية أخرى ألا وهي العنف ضد الرجل أيضا. وأضاف حجيمي أننا كمجتمع مسلم مطالبون بمعاشرة المرأة بالمعروف، فالإسلام أعطى لكل ذي حق حقه، لكن وبما أننا نعيش في منظومة عالمية تخضع لقوانين، لا بأس بالعمل في إطار قانوني، لكن بقوانين لا تخرج عن إطار الشرع بأي شكل من الأشكال. فقوانينا يجب أن تكون مستقاة من منظومتنا القيميّة، فحتى في أمريكا وأوروبا واليابان يتخذون منظومتهم الأخلاقية منهجا ودستورا لهم. وشدد حجيمي على مسألة تأديب المرأة من وحي القرآن قائلا "تأديب المرأة وارد في القرآن ولا أحد يمكنه إلغاءه، الخلاف فقط على كيفية التأديب التي تفسر على غير النحو الذي ذكرت فيه ويحاول البعض استغلالها استغلالا سيئا لضرب الإسلام. فالتأديب في الإسلام يكون هجرا والضرب قد يكون نفسيا، والمرأة التي لا تستشعر قوة زوجها لا يمكن ضبطها". "لقد قابلت حالات كثيرة لنساء يشتكين من ضعف شخصيات أزواجهن، فقد قالت لي أكثر من واحدة إنها بحاجة إلى زوج شخصيته قوية ويشعرها بالحماية حتى تحترمه". وذكر الشيخ حجيمي رأيه صراحة في القوانين الجديدة التي تجرم العنف ضد المرأة بأي شكل من الأشكال، قائلا إنها صارت سببا في تخوف الشباب من الارتباط والزواج وهي كفيلة بأن تشكل لديهم حاجزا نفسيا.