معمر حبار سينحصر عملنا في استخراج فضائل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف التي حثّ عليها إمام البيان محمد البشير الإبراهيمي رحمة الله عليه عبر المقالات الثلات التي وردت في المجلدات الثلات من كتاب "آثار الإمام محمّد البشير الإبراهيمي"، جمع وتقديم نجله أحمد طالب الإبراهيمي، دار الغرب الإسلامي، تونس، ومنها.. أولا: جاء في المجلد الأول، وعبر صفحات 315-317، وبتاريخ أفريل 1938، مقال بعنوان "المولد النبوي".. "وإن من يحب أن يستجلي حقيقة ليلة المولد يجب عليه أن يستعرض تاريخا البشرية قبل الإسلام بجميع أجناسها ولغاتها وعاداتها وأديانها وأنظمها في الحياة ومذاهبها في التفكير وموازين العقل عندها". "وهي ليلة لم يولد فيها رجل، ولو كانت كذلك لما كان لها فضل على بقية الليالي، ولكنها ليلة ولد فيها الهدى بأكمله والرحمة بأجمعها".. "هذه الليلة ولد فيها الهدى الذي محق الضلال، وولد فيها الحق الذي محا الباطل، وولد فيها النور الذي نسخ الظلام، وولد فيها التوحيد الذي أمات الوثنية، وولدت فيها الحرية التي انتقمت من العبودية..". وختم المقال بقوله.. "هذه بعض الذكريات التي توحيها إلينا ليلة المولد النبوي، فتثير الهمم الرواكد، وتستفز العزام الفاترة، وتصحح ما اندثر من الحقائق والعقائد، أحبوا هذه الذكريات في نفوسكم ونفوس أبنائكم وبناتكم، تحيوا ويحيوا مسلمين صالحين مصلحين هادين إلى الحق مهدين به". ثانيا.. وجاء في المجلد الثاني، عبر صفحات 341-342، بتاريخ 3أفريل 1950، مقال بعنوان " المولد النبوي الكريم".. لا ينكر إمام البيان الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، شأنه في ذلك شأن علماء الأمة جميعا من مختلف المذاهب الإسلامية، إنما يستنكر بعض العادات السيّئة التي تاسب ذكرى المولد، وهو في هذا لا يختلف في شيء عن علماء الأمة الذين يستنكرون العادات السيّئة التي اجتاحت ذكرى المولد منذ عصور وإلى يومنا هذا. ويعقب قائلا: "ولو أنهم جعلوا تلك الاحتفالات ذرائع لإصلاح حال الأمة، وحملها على الرجوع إلى السنن النبوية، والاهتداء بالهدي المحمدي، لكان لفعلهم محمل سديد، وأثر حميد، لأن الأمور بمقاصدها". ثم يشرح كيفية الاحتفال، ويقول: "ونحن نحتفل بالمولد فنجلي فيه السيرة النبوية، والأخلاق المحمدية، ونكشف عما فيها من السر، وما لها من الأثر في إصلاحنا إذا اتبعناها، وفي هلاكنا إذا أعرضنا عنها، ففي احتفالاتنا تجديد للصلة بنبيّنا في الجهات التي هو بها نبيّنا نحن ونحن فيها أمته". ثالثا.. وجاء في المجلد الرابع، وعبر صفحات 142-146، بتاريخ نوفمبر 1952، بحضور رئيس مصر يومها محمد نجيب، مقال بعنوان "في ذكرى المولد النبوي الشريف".. "فميلاد محمد صلى الله عليه وسلم كان إيذانا من الله بنقل البشرية من الشر الذي لا خير فيه إلى الخير الذي لا شر معه". ثم يتحدث عن المعاني العديدة لمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: "هذه هي المعاني التي يجب أن نستشعرها حينما نذكر المولد، وحينما نحتفل به". ويشرح دواعي الاحتفال فيقول: "أما في هذه الأزمنة المتأخرة التي رانت فيها الغفلة على القلوب، واستولت عليها القسوة من طول الأمد واحتاج فيها المسلمون إلى المنبهات، فمن الحكمة والسداد أن يرجع المسلمون إلى تاريخهم يستنيرون عبره، وإلى نبيهم يدرسون سيره، وإلى قرآنهم يستجلون حقائقه، وإن من خير المنبّهات مولد محمد لو فهمناه بتلك المعاني". ويوصي قائلا: "وأقيموا دينه، ولا عليكم بعد ذلك أن تقيموا مولده أو لا تقيموه". وتطرق لمعاني الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فقال: "هذه المعاني هي التي يجب أن يذكرها المسلمون، وأن يتذاكروها كلّما أظلتهم هذه الليلة من كل عام، وأن يحتفلوا لذكرها باللسان وذكراها بالقلب وتحقيقها بالعمل، وأن يتنافسوا في البلوغ إلى غايتها، وأن يعتبروا هذه الليلة حدّا فاصلا بين مرحلة مطوعة ومرحلة مستأنفة، وموقف محاسبة على عام مضى، واستعداد لعام يأتي". ويستنكر على بعض كتاب السيرة، فيقول: "ألستم ترون أن أكثر المؤلفين في السير يهتمون بالمواطن السطحية البشرية مثل كيفية لبسه وأكله وشربه ونومه وملابسة أهله، ويغفلون المكامن الروحية الملكية مثل تعلّقه بالله ومراقبته له وتأديته الأمانة الشاقة وصبره وشجاعته وتربيته لأصحابه، وتدريبهم على جهاد أنفسهم حتى تكمل وعلى السمع والطاعة للحق وفي الحق، وعلى التعاون والتناصح والتحابب والتآخي والاتجاه".