بن مدخن تعرف الأمة الأمريكية بتنوعها الفسيفسائي الذي لم يحل دون تصدرها العالم الحديث بحيث أن مكوناتها العرقية المتناثرة عبر قارات العالم قاطبة من هنود إلى ايرلنديين إلى أفارقة وأسبان وإيطاليين وغيرهم والاختلاف لغة ولون وثقافة وديانة، إلا أنها استطاعت أن تنصهر في بوتقة واحدة عنوانها الانتماء لأمريكا لا غير. فجعلت من عوامل الاختلاف أدوات لحمة، وأسباب الفرقة مبررات اتحاد، يجمعها دستور هو وثيقة محفوظة بالمتحف أقرت سنة 1789 تكرس بالأساس دولة الحق والقانون والنظام الجمهوري للاتحاد الفدرالي وتصون الحقوق وتحمي الحريات. إذ وعلى الرغم من حرب أهلية دموية تناحر فيها الشمال والجنوب إلا أن الانتصار كان للوحدة لينطلق قطار النهضة والتقدم، وأصبحت البلد الذي لن يغامر أحد بالتفكير في الانقلاب على نظام الحكم فيه، لأن النظام ببساطة مسيج بالمؤسسات والمؤسسات تحكمها القوانين والقوانين يسنها الكونغرس وهو بدوره يختاره الشعب فلا يمكن للشعب أن ينقلب على نفسه. أستعرض هذا وأنا أسمع إلى اليوم من يروج لكون الأمازيغية خطر يتهدد الوحدة الوطنية وورقة تقسيم تستخدمها القوى الأجنبية لتفتيت الجزائر إلى دويلات على أسس عرقية. هذه النظرة القاصرة والمتشائمة – في نظري – وعوضا عن كونها تروج لأحلام استعمارية طويت مع الاستقلال، فإنها حبيسة هواجس تنكر الواقع وتتجاهل الحقائق، والتي منها أن الأمازيغية مكون رئيس للهوية الوطنية تتبناه الجزائر برمتها من تبسة إلى تلمسان ومن تيزي وزو إلى تمنراست، تحميه سواعد الجميع وتصون من خلاله الوطن لجميع أبناء الوطن. وقد كان إنكار هذا المكون الأساس بعد الاستقلال وحرمان بعض الجزائريين من الافتخار به وزجرهم بالقوة عن المجاهرة بمظاهره، عمق هذا الشعور بالحقرة والتهميش وعزز الرغبة في التحدي والانتقام، إلا أن استدراك ذلك بالاعتراف بالأمازيغية مكون أساس من مكونات الهوية ودسترتها جعل الجزائر أكثر تماسكا وانسجاما مع موروثها الثقافي بعد أن وحدها الإسلام واللغة العربية ونأى بها عن أسباب التنازع ليقربها إلى مبررات التناغم. فآن الأوان ليؤمن الجميع من أن التنوع عامل وحدة ولحمة، حسن توظيفه سيمكن من بعث الأمة الجزائرية من جديد لتستشرف غدا أفضل أركانه العلم والعدل. [email protected]