لا زالت الجزائر تصنع بتاريخها وحضارتها وقوة ثوراتها عبر الحقب الزمنية المختلفة، تصنع لها مكانة متميزة في الضمير الجمعي للإنسان العربي، كيف لا وهو يرى بنفسه حجم التضحيات الذي قدمها هذا الشعب للانعتاق من نير آخر وأخبث استعمار جثم على صدرها قرابة القرن ونصف القرن من الزمن. هذا الإحساس العربي، وهذه المساحة الافتراضية في ضمير الإنسان العربي، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ذلك الامتداد الذي تعيش له وبه الجزائر، الامتداد العربي والإسلامي وهذا ما تراهن عليه بلادنا في الفترة الأخيرة من خلال جملة من الخطوات الرائدة، وهو ما جعل مواطنا أردنيا هاشميا يبوح بمكنوناته وما فعله به تاريخ الجزائر وتاريخ ثوراتها عبر جريدة ''الحوار'' ليجسد ذلك القرب الملغي للمسافات والطاوي للأزمنة والأمكنة. رسالة أبعثها إلى قائد الوطن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أحبه وأحترم مواقفه منذ أن حمل أمانة وزارة الخارجية. نعم وتتبعت مواقف قيادته.. رسالة محبة ووفاء .. بل وانتماء إلى الشعب العربي المسلم الأصيل الجزائري بمؤسستيه المدنية والعسكرية.. هذه المؤسسات التي أحضى بعض الأوقات بمتابعة مواقفهم الصادقة التي تنم عن عمق عروبتهم وانتمائهم إلى أمتيهم العربية والإسلامية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مثالية الأجداد من صدق عطاء وتضحية للأمتين.. نعم رسالة أبعثها باسم قائد هاشمي ولو رحل لكنه حاضر في مخيلتي، وله محبة لا توزن في قلبي وضميري.. الشريف حسين بن طلال لأنه الأصل في زرع محبة شعب الجزائر من طفولتي في موقف لأنسى وقفتي في هذا الوقت أبعث مثل هذه الرسالة المتواضعة لشعب هو حقيقة أسطورة التاريخ بما رسم وبما زرع، وبما أعطى من أروع وأقوى وأصدق الثورات في العالم كله، الشعب الذي أردد اسمه دائما. نعم: عام 1954 هو عام المحبة عندي، العام الذي كان منطلق حياة جديدة لي رغم أن عمري كان (عشر سنوات) حقيقة حب على الفطرة لأمرين هامين كان نور الطريق وبقيت متمسكا في حقيقتهما لصدق الثبات والعطاء: 1 - حب الشريف حسين رحمه الله الذي بدأت بحبه في يوم السبت 02/ 05 / 1953 لتواضعه وإنسانيته وشهامته، التي لمستها. لكن عرفت حقيقة الحسين عندما فاجأ الأردن بضفتيه الشرقية والغربية الساعة السابعة صباحا أحد أيام عام ,1954 ليقول بصوته الذي يعشقه الأردنيون أهلي في الأردن نشامى الأردن في البوادي.. في الأرياف.. في القرى والمدن.. لا أفرق في نخوتي بكم بين صغير وكبير .. عرفت فيكم النخوة والمحبة وكرم الضيافة، هناك أهل لنا وإخوان لنا وأحبة لنا وظهير لنا بالذيقات يخوضون مع أعداء الله الفرنسيين أشرس المعارك ليحرروا بلادهم، فأنتم لها في تجهيزهم ليعرفوا أنهم ليس وحدهم في الميدان، قدموا ما تستطيعون عليه .. حبوب وفلوس.. كله بركة منكم.. يا أهلي نعم منظر ما زلت أتخيله والأطفال والنساء والرجال يتسارعون لبيع الحبوب واللبن والسميد والسمن والمواشي ليقدموا ما يستطيعونه، نعم: الأطفال يحضرون كميات البيض التي يحضرونها للتجار ليأخذوا القروش ويدفعون بها تبرعا، وكتب الله لي المشاركة والكل يهلل بالدعاء بالنصر لهم والعون، ونعم حققت نصرين نصر الأمة العربية الأصيلة وتحرير الجزائر. 2 - ثورة الجزائر التي كانت بداية الطريق ونحن نتابع الأخبار بالراديو الذي لم يكن بالقربة إلا اثنين وأهل القرية يتجمعون ليسمعوا أخبار الأبطال الذين حرم أجدادهم على سيوفهم أن تدخل أغمادها إلا لما يسمعون في قلب أوروبا في إسبانيا والأندلس الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. نعم إنهم الجزائريون .. إنهم العرب رجالات شمال إفريقيا كانوا مدخلي الإسلام لأوروبا. نعم، هذه رسالتي والتي جاءت في هذا الوقت الدقيق والحرج، والذي أعتبر نفسي رغم أنني بعيد لكنني في قلب الجزائر: 1 - كم كنت سعيدا وفرحا عندما عرفت أن الرئيس بوتفليقة قبل الترشح لعهدة أخرى، وكم كنت أقول لسفرائكم الطلاب عندنا إنني آمل في هذه الظروف الدقيقة أن يحتفظ في مثل هذا الرئيس المتواضع المبتسم، والذي أبعث له صوتي وأهنئه بالنجاح. 2 - إنني أطلب بأمل إذا تم نشر هذه الرسالة المتواضعة أن من يقرأها يوصل سلامي إلى أبناء الجزائر الذين أتابعهم بألم وحزن، وعندما أرى بعض الأمور أو أسمع أقول هل حقا هؤلاء أحفاد أو أبناء الرجال الذين كانوا مدرسة في الثورة التي قامت على قوة الترابط والمحبة والتضحيات الرجالات الذين هم بالقلب عندي.نعم، هل هؤلاء الرجال الذين يقودون هنا تفجيرا وهناك انتحارا وهنا اختطافا وكل مايصنعوه مخالف للعروبة والإسلام، هل حقا يستجيبون لصرخة أخ لهم عربي هاشمي من الكرك، من فوق روابي الكرم فاتحة الطريق إلى المقدس، من جانب أرض معركة مؤتة التي ستوشح سفراء الجزائر الطلاب في شهادتهم الجامعية باسم مؤتة رافعين الرأس.. هل حقا قلوبهم ترأف محكمين ضمائرهم بأن طفلا افتخر في ثورة الجزائر برجالاتها، واليوم بعد خمس عقود يطلب الرحمة للعودة إلى قلوب أهلهم بالجزائر ليكونوا قوة واحدة بكلمة واحدة سيتمكن فوزا على العرب بوحدتهم أمام العالم. *الممرض وفني التخدير والإنعاش وفني العلاج التنفسي أمين محمد الشمايلة. الكرك الشهابية..