ميزة الرحلة الثقافية لقافلة الشلف هذه المرة، كانت مرافقة أولادي لي في هذه الرحلة، وليد أكبر الأبناء، وابنتي الوحيدة ملاك، وشمس الدين أصغر الأبناء. أول ما يلفت نظر الزائر، وهو يقطع المسافة المؤدية إلى تيكجدة، الغابات المترامية الأطراف، والأشجار الباسقة المتنوعة، والجبال التي تحمي ظهر الجزائر وتزيد المنظر جمالا. نزلت القافلة ببلدية حيزر، ليقتني كلّ زميل ما يتطلبه من أكل وشرب، باعتبار الأسعار في جبال تيكجدة غالية. وصلت القافلة إلى تيكجدة، فصعد الجميع إلى جبال تيكجدة، أما أنا ففضلت أن أصلي صلاة الجمعة بمسجد "الهداية"، فكانت ملاحظات الزائر: يبدو من خلال الشكل الظاهري أنّ المسجد في الأصل هو بناية لأحد الخواص وضعه تحت تصرف أهل المنطقة ليتّخذوه مسجدا. ويبدو من خلال الترخيص بإقامة صلاة الجمعة المعلّق في لوحة الإعلانات أنّهم حديثو عهد بصلاة الجمعة. صليت ركعتين وفهمت من خلال انعدام وجود كرسي الدرس أنّه لا يقام درس الجمعة، رغم أنّ المتعارف عليه في مساجد الجزائر والمغرب العربي إقامة درس الجمعة، وكانت تلك من المصائب التي أصابت الجزائر في برها وبحرها وجبالها، فصعد الإمام الشاب "المنبر"، وألقى خطبة الجمعة دون الدرس، وما أحفظه من الخطبة أنّه لم يدعو للجزائر بالخير والأمن ولم يخصّها بالدعاء. وكانت قراءة الإمام قصيرة جدا، لكنّه أطال بشكل مفرط في الركوع والسجود حتّى اختلط الأمر على المصلي، رغم أن فقهاء الجزائر والمغرب العربي يرون الدعاء في الركوع والسجود من مكروهات الصلاة بالنسبة للإمام لأنّه يخلط على المصلين. وقد سبق لي أن صليت صلاة الجمعة بالجزائر العاصمة، فتصادفت بالمظاهر المسيئة نفسها، فكتبت بتاريخ: السبت 08 ربيع الثاني 1438، الموافق ل 07 جانفي 2017 ، مقالا بعنوان "صلاة العاصمة"، أستنكرت فيه المساوئ التي حلّت بالجزائريين وأساءت لفقهاء وعلماء المغرب العربي. وبعد الانتهاء من صلاة الجمعة اتّجهت مباشرة ومشيا على الأقدام إلى قمّة الجبل، حيث استغرق المشي ساعة وربع من الزمن. جبال يبلغ طولها حسب لوحة الإعلانات 1475 متر فيما أتذكر، طريق ضيّق لايسع المارة والسيارات إلاّ بشقّ الأنفس وحذر شديد، مياه عذبة صافية تتدفق من أعالي الجبال وتذهب سدى من دون أن تستفيد منها الجزائر، وكان من الممكن وضع في أسفل الجبل خزانات يمكن الاستفادة منها لأغراض شتى ترجع بالفائدة على الإنسان والطبيعة والسياحة والفلاحة والحيوان، وقد أخبرني أحد سكان المنطقة أنه سبق وأن تمّ رفض العديد من المستثمرين الذين أرادوا الاستثمار في المنطقة. منطقة تيكجدة وجبالها رائعة الجمال بثلوجها وحوضها الذي رأيناه من الأعلى تفتقر لأماكن الراحة العامة وعلى رأسها دورات المياه، حتّى أنّي قلت للزملاء ونحن نتمتّع برؤية القرد وهو يقفز ويجري: الأغلبية السّاحقة من العدد الضخم من الزوار يقضون حوائجهم كما يقضي هذا القرد حاجته لغياب دورات المياه، وكان يكفي إنشاء بعض البيوت الصغيرة لذات الشأن، والاستعانة بمياه الجبال التي تذهب سدى ومن دون استغلال، وما ذلك بالعمل الصعب على الجزائر ذات الإمكانات والقدرات. خلاصة: الجزائر جميلة خلاّبة المنظر بطبيعتها وغاباتها وجبالها وثلوجها ورمالها وفصولها، لكنها بحاجة للاستثمار فيما أنعم الله عليها بنعم ظاهرة وباطنة.