حمّل شعراء جزائريون في يومهم العالمي المصادف 21 مارس من كل عام، وسائل الإعلام الجزائرية ودور النشر، وكذا الجامعة مسؤولية تغييب الشعر من المشهد الثقافي الجزائري، وهذا لا يعني حسبهم أن الشعر الجزائري ليس بخير، حيث يكرس حضوره على المستوى المحلي، العربي والعالمي أيضا، وبهذه المناسبة استطلعت "الحوار" رأى بعض الشعراء في راهن الشعر الجزائري وحضوره في المشهد العربي والعالمي. الشاعر نصر الدين باكرية: الدراسات الأدبية نزعت نحو دراسة السرد وابتعدت عن الشعر لخص الشاعر نصر الدين باكرية حديثه عن راهن الشعر الجزائري بالقول: "الحديث عن الشعر الجزائري وراهنه يبدو حديثا رجراجا وواسعا ويصعب الحديث عن جميع زواياه لأن المسألة تحتاج إلى دراسة ومتابعة، والمأزق الذي تعيشه الساحة الثقافية الجزائرية والشعر بصورة خاصة هو غياب المتابعة وإستراتيجية تتعلق بالنشر، وغياب الإعلام الثقافي والمتابعة للساحة الأدبية بصورة عامة والشعر بصورة خاصة والأسوأ من ذلك، يضيف محدثنا: حتى الدراسات الأدبية نزعت نزوعا غير صحي نحو دراسة السرد وابتعدت عن الدراسة الشعرية، نحن نعرف أن الشعر في تحولاته العميقة في العقود الأخيرة اتجه نحو التماس مع ما هو فكري، وبالتالي أصبح جمهوره يحتاج إلى أدوات ليست في متناول المتلقي البسيط، وأصبح الدارسون والمهتمون بالشأن الثقافي في الإعلام ينفرون من الاتجاه إلى الشعر نتيجة ثقافة الاستسهال التي ازدادت في عصرنا الحالي". وواصل باكرية حديثه عن راهن الشعر الجزائري "شخصيا أرى أن الشعر الجزائري بخير، هناك نصوص شعرية جزائرية تنافس عالميا لا على مستوى الجوائز التي لا تكاد تخلو واحدة منها من أسماء الشعراء الجزائريين، لكن في اعتقادي أنها ليست هي وحدها من تحدد الشعر، هناك اشتغال عالمي أيضا على نصوص جزائرية وأذكر على سبيل المثال لا الحصر: عثمان لوصيف، عاشور فني، كمال قايد، رمضان نايلي، محمد بن جلول وغيرهم". وعن انحصار دور الشعر علق قائلا: إذا تحدثنا عن الشعر وانحصار دوره فهذا أمر طبيعي لأنه كان يقوم بوظائف متعددة، وسيلة إعلام، واليوم الشعر لم ينحصر دوره وإنما تشربته جميع الأجناس وهو حاضر في الحياة والكتابة.. وكل عام والشعراء بخير".
الشاعر علاوة كوسة: النص الشعري الجزائري يكاد يكون شبه غائب في جامعاتنا وتأسف الشاعر علاوة كوسة لتغييب النص الشعري الجزائري في جامعاتنا، مؤكدا أن حضوره يكاد يكون شبه غائب في البحوث الأكاديمية، وأوضح بالخصوص: "إذا أردنا أن نتحدث بدقة وبكل مسؤولية فإن النص الشعري الجزائري يكاد يكون غائبا في الجامعة من خلال بحوث التخرج مثلا، وهذا يعود لعدة أسباب من بينها أن بعض المتخصصين في تدريس الأدب الجزائري غير متخصصين، وربما أن الكثير منهم غير مهتمين بالنص الشعري الجزائري، على العكس من ذلك هناك نصوص في منتجنا الشعري الجزائري لا يستحق أن يدرس للطلبة". وبلغة الأرقام أشار محدثنا أن مذكرات التخرج في مختلف الشهادات الجامعية المتعلقة بالأدب الجزائري لا تتعدى العشرين بالمئة، وأوضح بالخصوص: أقول وأنا مسؤول عن كلامي إن عشرين بالمئة أو أقل بكثير هي نسبة مذكرات التخرج في الماستير والدكتوراه في الأدب الجزائري على حساب نصوص أجنبية لها حضور قوي، وأنا دائما أقول على من يدرس الأدب الجزائري في جامعاتنا أن يكون عارفا بالمشهد الأدبي الجزائري بدقة وأن يكون متابعا له وأن تكون له يد في إعطاء صورة مشرفة له. وعن من يتحمل المسؤولية علق قائلا: المسؤولية تتحملها كل الأطراف، من جهة طلبتنا، حيث نجدهم قليلي الاطلاع على المشهد الشعري الجزائري ربما، وكذلك الأستاذ مسؤول أيضا فعليه أن يعرف بالمشهد الشعري الجزائري وأن يكون قريبا منه، فلا نكتفي بتدريس نماذج من شعراء معروفين دون أن ننسى دور النشر التي يجب أن تهتم بطباعة دواوين شعرية جزائرية ولا تهتم فقط بأسماء كبيرة فقضية النشر مهمة جدا. واعتبر محدثنا أن مقولة: زمن الشعر ولى وأنه زمن الرواية مقولة خاطئة لأننا حسبه اهتممنا فقط بالرواية ولم نهتم بالشعر، داعيا في السياق ذاته وسائل الإعلام إلى ضرورة الاهتمام أكثر بالشعر خاصة الصحافة الثقافية. الشاعر سليمان جوادي: وسائل الإعلام ودور النشر غيبت الشعر من الساحة الثقافية واكتفى الشاعر سليمان جوادي بالحديث عن "بيت الشعر" الذي أسس حديثا، وتحدث من خلاله عن راهن الشعر الجزائري وقال بالخصوص: أسس بيت "الشعر الجزائري" من أجل إعادة اللحمة بين الشعر وجمهوره وإعادة قيمة الشاعر في المجتمع وإقامة علاقات جميلة بين الفضاءات الثقافية والشاعر، لأننا لاحظنا في السنوات الأخيرة أن الشعر غيب في وسائل الإعلام ودور النشر الكبرى، لأن الشعراء لم يستطيعوا للأسف التسويق لأنفسهم ونحن من خلال ملتقى "الجزائر تتنفس شعرا"، الذي نظم خلال الفترة الممتدة من 19 إلى غاية21 من شهر مارس الجاري عبر فضاءات مختلفة بالجزائر العاصمة نحاول أن نعيد للشعر مكانته في المشهد الثقافي الجزائري العربي والعالمي. وواصل الحديث: الشاعر الجزائري مكانته مرموقة في الشعر العربي وبعض التجارب وصلت إلى العالمية ومشكلتنا في الجزائر أننا لا نعرف صناعة النجوم في الأدب وهنا يأتي دور وسائل الإعلام من أجل التعريف وتكثيف اللقاءات مع المبدعين وأغلبية الجوائز العربية الكبيرة حصدها الشعراء الجزائريون. الشاعر عبد المجيد غريب: نحتاج إلى ترميم العلاقة بين الشاعر.. الجمهور والإعلام أما الشاعر عبد المجيد غريب قال: في الحقيقة التجربة الشعرية في الجزائر هي رائدة وأعتقد أن الشاعر الجزائري متمرس ومتمكن ومتحكم بشكل جيد في أدوات الكتابة، وأعتقد أن المساهمات ومشاركات الشعراء الجزائريين سواء داخل الوطن أو خارجه تتسم بالكثير من الريادة والتفوق، وأعتقد أن تجربتنا "بيت الشعر الجزائري" من خلال التعامل مع الشعراء الجزائريين على اختلاف الألسنة التي يكتبون بها فإنهم يساهمون مساهمة فعالة تشمل الكثير من الساحات الثقافية المحلية التي يبرز الشاعر الجزائري مساهماته المتميزة فيها بشكل استثنائي، بحيث أنه يواكب حركة التحديث وحركة التجريب ويكتبون بأشكال مختلفة، مضيفا: والشيء الثاني أنهم يكتبون بأدوات تنبىء على كثير من التمرس، وبمناسبة اليوم العالمي للشعر وعيد النصر، الشاعر الجزائري يسعى لأن تتعدد المنابر وأن تكون المنابر مفتوحة على كل الفضاءات وأن تكون لها علاقة بالوسط الجامعي والإعلامي وأيضا لها علاقة بالجمهور كيفما كان. هذا الأخير سواء كان في الفعاليات الثقافية المختلفة وكثير من الفعاليات المفتوحة بالأخص الشعراء الشعبيين يشاركون في ملتقيات وأيضا في مهرجانات يقرؤون شعرهم في خيمات في ساحات مفتوحة في فضاءات واسعة "خرجوا من قاعة"، وكذلك يفعل الشعراء الذين يكتبون بالعربية والأمازيغية بمختلف لهجاتها ونحن نتوسم الكثير من الخير في هذه الطاقات التي تحتاج شيئا من التجميع. وذكر عبد المجيد أننا بحاجة إلى ترميم العلاقة بين ثلاثة أطراف، الشاعر، الجمهور والوسط الإعلامي. نحن بحاجة إلى تكريس هذه العلاقة بين الشاعر والإعلامي والجمهور، ومنذ سبتمبر إلى الآن شاركت في أكثر من عشرين ملتقى للشعر في مناطق مختلفة من الوطن، هذه العلاقة لو يعاد ترميمها فإننا نحتكم على ساحة ثقافية كبيرة ومنوعة.
الشاعر محمد بوطاغان: لم نستطع تسويق صورة الشعر الجزائري كما يجب من جهته علق الشاعر والمترجم محمد بوطاغان على واقع الشعر الجزائري بالقول: نحن اليوم نحتفل باليوم العالمي للشعر، هناك نصوص كثيرة خلدت هذه الذكرى.. النص الشعري الجزائري هو نص عميق وكبير بكل أبعاده، نص كوني عالمي لو وجد مساحة للاحتفاء به كما يجب والنصوص التي أمامنا من الشعر الجزائري استطاعت أن تجد لها مكانا يليق بها في جميع المحافل والمسابقات. مضيفا: ما يأمل به الشاعر الجزائري من خلال راهنه هو تثمين وإعطاء المكانة اللائقة للشعر وسيبقى حلما وعملا دؤوبا ما بقي الإنسان ولأنها لازمة تلازم الإنسان حتى الموت. ولم يخف بوطاغان عجزنا عن تسويق صورة الشعر الجزائري وأوضح قائلا: لا أخفي أننا لم نستطع تسويق صورة الشعر الجزائري والنص الجزائري كما يجب في جميع الفضاءات التي يجب أن يسمعها ويصل إليها غيرنا، ولكن بصفتي شاعرا ومترجما قمت بترجمة نصوص شعرية كثيرة وأنا متفائل جدا بهذا النص الجزائري الذي ستتحدث عنه دوائر الشعر ومحطات الشعر عبر تاريخ الإبداع البشري وستحتفي به وتمجده وتقدسه طال الزمن أم قصر. الشاعر عبد العالي مزغيش: الشعر في الجزائر بخير ولكن الشعراء ليسوا كذلك واعتبر الشاعر عبد العالي مزغيش أن الشعر بصفة عامة هو ابن البيئة والطبيعة، حيث يجد الشاعر فيها ما يذكي قريحته فتكون فرصة لزيادة حماس وتفاعل الشعراء مع البيئة، مبرزا أن الشعر في الجزائر بخير، وسيظل كذلك، مهما تغيرت الأمكنة وتبدّلت الأزمنة، الشعراء في بلادي هم الذين ليسوا بخير، هناك فيروس الأنانية والحسد والإقصاء وغيرها من فيروسات صارت تنخر المشهد الأدبي، تجعل الشاعر يغلق بابه ويعتزل حتى كتابة الشعر للناس، فيتساءلون "أين هو" ؟ وواصل مزغيش حديثه: الشعر بخير، نحن لسنا بخير، وعلينا أن نحذو طريق وطريقة الصديق الشاعر عادل صياد فنعلن موتنا الشعري وندفن ما كتبناه في بطن الأرض وندعو الناس إلى جنازة محترمة، ليس من المهم أن تغطيها وسائل الإعلام، التي تحول أغلبها إلى مقبرة للشاعر حتى وهو في أوج عطائه، حين تصبح الكلمة الشعرية ترفا إعلاميا زائدا، بينما تفتح الصحف والقنوات أبوابها ونوافذها لمطربي الكباريهات. إقصاء الشاعر للشاعر جريمة، وإقصاء الإعلام للشاعر جريمة، وتتساءلون: هل الشعر بخير ؟؟ الشعر بخير.. فهو لا ينتظر أحدا لنكتبه، أما الشاعر فليس بخير.
الشاعر أحمد عبد الكريم: الشعر في الجزائر غيب من المشهد الثقافي أبرز الشاعر أحمد عبد الكريم أن اليوم العالمي للشعر مناسبة عالمية تحتفل بها دول العالم، الشعر هو أحد أشكال التعبير ويخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها كل الشعوب، فالشعر غني ومتنوع وهناك كثير من الشعراء يمكن إعطاء صورة عنهم". وتأسف عبد الكريم لعدم اهتمام دور النشر الجزائرية بالنص الشعري رغم المكانة الكبيرة للشعر الجزائري، وتغييبه أيضا من المشهد الثقافي الوطني، داعيا إلى ضرورة إعادة ترتيب الأمور وترتيب أولويات النشر ووجود متابعة نقدية للشعراء. ورجع عبد الكريم للحديث عن اليوم العالمي للشعر: الشعر يحول كلمات قصائده البسيطة إلى حافز كبير للحوار والسلام ولهذا تم تخصيص يوم 21 مارس من كل عام للاحتفال باليوم العالمي للشعر وبهدف دعم التنوع اللغوي ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرصا أكثر لاستخدامها في التعبير. ويعتبر اليوم العالمي للشعر فرصة لتكريم الشعراء ولإحياء التقليد الشفهي للأمسيات الشعرية. استطلاع: كاتيا. م /ح.ح