هل مات الشعر.. ومن قتله؟؟ احتفل شعراء الجزائر، نهاية الأسبوع باليوم الوطني للشِّعر، والذي يصادف يوم 17 أوت من كلّ سنة، وهو يوم ذكرى رحيل الشاعر مفدي زكريا. يبقى السؤال الذي يرفرف في هذه المناسبة، وبأجنحة من علامات استفهام: ما مدى حاجتنا إلى الشِّعر، ما مكانته في حياتنا وعصرنا هذا؟، وكيف هو حال الشِّعر في الجزائر، وكيف هم الشعراء مع هذا الفنّ الجليل؟. أيضا هل يمكن التساؤل عن مكانة الشِّعر وسط الفنون الأدبية الأخرى. وهل تراجع حقا كما تقول بعض الدراسات النقدية؟، وهل هو في مأزق ذائقة أو مقروئية ومواكبة نقدية؟. وإن كان الأمر كذلك، فما هي الأسباب التي أدت إلى تراجعه، وهل تراجع لدّى المُتلقي، الذي أصبح أسير الميديا والتكنولوجيا بكلّ أنواعها، أم تراجع لدّى النُقاد الذين لم يعد يعنيهم -حسب قول الشعراء أنفسهم- مقاربة ومواكبة الدواوين والتجارب الشِّعرية؟، أيضا هل ساهمت العولمة في تراجعه، أم خدمته؟ في ملف «كراس الثقافة» لعدد اليوم، شعراء يجيبون على هذه الأسئلة، ويتحدثون عن الشِّعر في عيده الوطني، وعن شؤون أخرى ذات صلة به وبفضائله ومكانته بالنسبة للكون وللإنسان والعالم. خالد بن صالح الشِّعر وإن بدا متراجعا اليوم يظل ابن لحظته الممتدة عبر كلّ الأزمنة في مفترق طرق الكتابة والحياة، كثيراً ما أتساءل عن جدوى الشِّعر، ولماذا أكتب؟ أعتقد أنّ المأزق الوجودي لإنسان الألفية الثالثة، الناطق بالعربية، يتجاوز المآزق السابقة، فما يُسمى بصدمة الحداثة اليوم جعلنا نعيش عالما مشوها، عالما تراجعت فيه قيم الجمال ومساحاته. بتنا نطرح سؤال جدوى الحياة في ظل الموت متعدّد الأوجه، ومشاهده التي باتت لوحات متحركة نعلقها على جدران البيت. في هكذا مستنقع أعيش أنا، وأكتب بدافع الضجر متمسكاً بالعادي وأشيائه، بالصيرورة وما آل إليه العالم من خراب قد لا تراه العين المجردة المنبهرة بالصور الرقمية المضيئة على شاشة لا يحدها شيء. لا شك أن العطب ذاته الذي جعلني أكتب يوماً، هو ما يدفعني لمواصلة الكتابة. دون النظر إلى الوراء، خاصة وأن الالتفات يعطل المسير ويؤخر صاحبه عن الوصول إلى ما يطمح إليه. وإلى ما أطمح؟ لا لشيء سوى المزيد من متعة كتابة القصائد وألمها. هذا الجوع الذي لا ينتهي، هذا العطش المرتبط بحمى الإبداع. أقول: إنّ الشعر وإن بدا متراجعا اليوم، يظل ابن لحظته الممتدّة عبر أزمنة سابقة وأخرى لاحقة. صحيح أن الأنظار متجهة نحو الرّواية والسينما والسرد والحكاية وهذا لا يعني أنّ الشِّعر غير موجود. تماما كما لا يعني أن الكِتابات الرديئة التي تُنشر باسم «شعر»، تسيء بالضرورة إلى الشِّعر. فالتسميات لا تعني شيئا أمام قوة وجمالية الشيء. فالشِّعر الجيّد مكتفٍ بذاته، خارج التصنيف كنوع أدبي لا يُحظى بالاهتمام النقدي اللازم ولا بمكانة النشر والمتابعة والقراءة. الأفق أصبح أوسع من ذي قبل ولو أنّه بالنسبة للشاعر يمتد بين طرفي جحيم. نحن بحاجة إلى رؤية مختلفة عن منطق السوق، أين تم ركن الشِّعر في زاوية الصخب الإيقاعي الاحتفالي، وترسيخ صورة نمطية لشاعر يرفع يده عاليا كما صوته ليسمعه الناس. نفتقد إلى الجدية في إخراج الشِّعر إلى الضوء، وتقديمه إلى المُتلقي بما يليق بالشِّعر كتابةً وموضوعًا ورؤية. لقصيدة النثر جمالياتها التي تجعل منها كتابة شعرية تختلف عن المتن الشِّعري السائد المتردي بفعل المؤسسة الرسمية وغياب ثقافة القراءة والترجمة والمراجعة النقدية، المترسب في ذهن المتلقي كقالب أحادي لا يقبل التغيير. وبقدر ما تتاح المساحات اليوم لفعل الإبداع بقدر ما يتوجب على الممسوس بهوس الكتابة أن يشتغل ويجرب ويكتب ويحذف ولا يرضى عن قصيدته حتى تصبح بكلّ بساطة: قصيدة. ناصر باكرية هناك انحصار لوظائف الشِّعر وليس الشِّعر سؤالُك حول تراجع الشِّعر المرفقُ بتلك الاحتمالات الكثيفة حول الأسباب فيه شيء من الإغراء بالتواطؤ والتسليم بانحصار دور الشِّعر، لكن الأمر ليس بهذه البساطة في اعتقادي، فمن زاوية الوظائف في الرؤية التقليدية للشِّعر هناك بعض الوجاهة في هذا التصوّر تدعم الطرح المؤيد لانحصار وظائف الشِّعر، وليس الشِّعر، فنحن نعرف أن الثقافة العربية التي طالما تفاخرت بأنّ الشِّعر هو ديوانها، لأنّه كان يقوم بوظائف كثيرة، إخبارية وإعلامية وإشهارية واتصالية وتعبيرية وتطهيرية إلى غير ذلك من الوظائف التي كانت تحتكرها القصيدة العربية التي ترفع أقواما وتضع أقواما، وتعدد المناقب والمثالب وتمدح فتُعلي وتهجو فتسقط.. الخ. ومع التحوّلات التي عرفتها البشرية تكنولوجيا وثقافيا ورؤية للكون مست كلّ مجالات الإنسان الحيوية بِمّا فيها الشِّعر، الّذي توزع دمه على قبائل الأجناس الأدبية وغير الأدبية، فلم تعد هناك شعرية واحدة ولم تعد الإنسانية تقبل الواحدية والوحدانية بل أصبح التنوّع سِمة العصر وصار هناك شعريات متعدّدة وليس شعرية واحدة، فهناك شعرية السينما وشعرية المسرح، وشعرية الإعلام، وشعرية النكتة، وشعرية السرد وشعرية المنشورات الفايسبوكية والتعليقات والقائمة مفتوحة لشعريات لا تكاد تُحصى على أصابع القصيدة الباردة.. وهذا التعقيد الذي يحيط بالشِّعر نابع أساسا من تعقيد الشِّعر ذاته وصعوبة القبض على ماهيته، فما هو الشِّعر الذي انحصر؟، هل هو القصيدة التقريرية المباشرة، أم القصيدة الشعبية في الأوساط الشعبية، أم اللّغة الشِّعرية، التي تقوم على المفارقة والانزياح والعدول، والتي مازالت تحتفظ ببريقها حتى في ألعاب الأطفال وفي لغة الفايسبوكيين وفي النكتة الجديدة التي تتكئ على اللعب بالكلمات في مواقع التواصل الاجتماعي. هذا بخصوص الشِّعر في معناه العام، أمّا التناول النقدي والمتابعة الإعلامية للنصوص الشِّعرية والدواوين بالمعنى الاصطلاحي للشِّعر فالمسألة تخضع إلى اعتبارات أخرى، على رأسها ثقافة الاستسهال في الدرس النقدي الأكاديمي الذي يتحاشى عمق النصّ الشِّعري ويختار النصوص السردية سهلة القراءة، وغياب الإعلام الثقافي المُتخصص خاصّة في الجزائر، إضافة إلى أشياء أخرى أكثر تأثيرا، كغياب مشروع ثقافي ومشروع مجتمع، والتعامل مع الفنون وخاصّة الشِّعر بنظرة دونية وعدم غرس ثقافة الجمال في الطفل مع بداية مسارها. خيرة بلقصير الشعر لغة البقاء والتكنولوجيا خدمته الشِّعر لغة البقاء، مأدبة جاهزة على مدى العصور، كائن حيّ له سياقه في النبض والإبداع وفعل روحي مَهْمَا واجه من عقبات ومن تحديات يبقى هذا الأثر الّذي يدل على مرور الإنسان على هذا الكوكب. «الفنّ هو تكنولوجيا الرّوح» هذه مقولة الشّاعر الأمريكي «روبرت كاندل»، فقد ذللت التكنولوجيا الصّعوبات أمام الكثير من المبدعين المغمورين حيث ظهرت كتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي مِمَا زاد من نشاط النقد أمام تلك الركاكة والنمطية. أمّا بهاتة الذائقة الشِّعرية فهي متصلة بالجو العام الذي يسود أي مجتمع. نذكر أنّ الخدمة البصرية للشِّعر مثلا زادت من وهج القصيدة، فقد خدمت التكنولوجيا الشِّعر والأدب عموما من جهة ومن جهة أخرى فإنّ الإفراط في الأسماء والإنتاج الأدبي الجيّد وغير الجيّد قد أخلط الأمور كثيرا وصعّب عملية النقد وطمس ذلك الشوق الذي يجعلنا نكتشف النصوص الشِّعرية والروايات.أصبح الأدب مُبتذلا ليس له رواده الحقيقيون، بإمكان أي شخص أن يكتب خربشاته اليومية ويدعي أنّه كاتب. غابت مقاييس المبدع وتضخم المنتوج الإبداعي في بعض الأحيان بلا ذوق أو طائل. لقد ذهب بعض النقاد إلى أنّ كتابة الشِّعر على الشاشة هو سلب للحالة الشِّعرية وتغيير مناخها. إنّ الثورة الرقمية هي بلا شك حدثٌ ذهب باللّغة بعيدا وساهم في انتشارها وأفرز ومضات شعرية قوية جديرة بالقراءة ما عجزت عنه سنون من الكتابة على الورق والتلذذ برائحته. تلك التكنولوجيا التي أفرزت أيضا فئات ضالة تمتهن الشِّعر تمارس السرقة الأدبية في غياب الرقابة. أمّا فيما يخصّ العولمة بكلّ تفاسيرها الإيجابية والسلبية فقد ساهمت بانتشارها الرقمي في إنتاج كثير من الترجمات المبهرة والذهاب بالنصوص إلى أقصى غايتها ووقعها الشِّعري العميق بين الشعوب المختلفة، وبين مد وجز في إنصاف ظاهرة الإنترنت والأدب، يبقى الشِّعر هو المنتصر الأكبر. عبد الرحمن بوزربة لم يتراجع وهو ليس في حاجة إلى جمهور كرة القدم قد أختلف مع كثيرين حين أرى أنّ الشِّعر لم يتراجع إلاّ إذا كان الإنسان قد تراجع في الإنسان، فأنا أدعي ألاّ فرق بينهما، فالشِّعر في ملامسة وانتماء وتراشق مستمر مع الرّوح، مثله مثل أي فنّ آخر، والفنّ لا إشباع فيه ولا تضخم ولا تخمة، بل وأرى أنّنا نحن -كمتلقين- الذين بقينا رجعيين في نظرتنا للشِّعر كيمياء وفيزياء، نظرة نمطية قديمة شكّلها الموروث التاريخي والحضاري الذي يقيس نسبة نجاح النص من فشله بمحدداته هو ومعاييره التي ترفض الجديد الوافد وتترصد أي بحر يزحف على نخلة وتنظّر له على أنّه جزر لا مد. هذا الموروث الّذي صارت له جيوش في أذهاننا بقيّ مثلا عقودا وهو يحصن بيت الخليل بكلّ ما أوتيّ من قوة رافضا أي خط أفقي أو مائل خارج عمود الشِّعر مُكفرا إبداعيا كلّ الخارجين على القانون.. وعندما أفشلَ السياب ونازك وعبد الصبور وأدونيس ودرويش وغيرهم نظريتهم تلك انتقلوا إلى معركة أخرى: إلى القصيدة النثرية، رافضين أنسي الحاج وسنية صالح والماغوط وغيرهم.. قطار الشِّعر عَبَرَ كلّ هذه المحطات ولم يلتفت، ذلك أنّ ديدنه الأوّل وجوهره وماهيته هي الإضافة والتجاوز والابتكار، لكن النص الشِّعري الآن ليس نص خيمة ولا تبريحة ولا تصفيقة فالحياة الجديدة التي أفرزها المدّ التكنولوجي والمعلوماتي الرهيب وما نتج عن ذلك من عولمة وتشكيل جديد للأفكار والذائقة الفنية أصّلت لظهور متلقي جديد وجمهور جديد يرفض عملية التلقين برمتها ولا يقبل إلاّ بالتشارك والتفاعل والمساهمة في الإنتاج.. وصار مطلوبا من النص الشِّعري أن يتجدّد شكلا ومضمونا وأحيانا أن يُحدث القطيعة حتى مع بعض مكونات ماضيه لغة وبناء، فالآخر اليوم لم يعد «متلق» ساكن بقدر ما هو طرفٌ متحرك في العملية الإبداعية ككلّ. أكيد أنّ مبيعات مؤلفات الشِّعر انخفضت والإقبال على السماع كذلك ولكن الشِّعر لا يحتاج لجمهور كرة قدم. ومن جهة أخرى وجب على هذا الشِّعر ألاّ يظلّ في برجه العاجي متمخترا في لغته مكابرا وهو المهزوم صوتا وصدى..هل الشِّعر، أو الشّاعر يصنع الذائقة الشِّعرية؟، من منظور ما نعم، لأنّ تصدُّر الغبار والزبد للمشهد الشِّعري واحتجاب وضياع غربال الشِّعر وصاحبه في أتون هذا الخضم الزاحف المتواصل يقذف بالآخر المتلقي إلى فجاج التيه واختلاط الحبل والنبل وتتشكل بذلك حالة ما من العزوف وعدم الاكتراث نتيجة حتمية لرفض الحالة الشِّعرية أصلا -كتابة وقراءة- للتشابه والاستنساخ وإعادة التطريز على حواشي مطرزة. وإذ يتداخل كلّ هذا تداخلا كبيرا بحثا عن اكتمال الدائرة يبرز دور آخر هو دور تسويق النص أو الكِتاب أو الحالة الشِّعرية والّذي هو أيضا مطالب بمواكبة الشروط الكفيلة بإنجاحه في زمكان متحرك متقلب متعطش للجديد المتجدّد. إنّ الحياة المتعقدة المتشعبة المتعدّدة الأطراف والأطياف والألياف التي صار عليها العالم أصّلت لمزاج متقلب صعب أوجب البحث المستمر لميكانيزم فعّال للنصّ الشِّعري إبداعًا وتوصيلا. لهذا أرى أنّنا لا يجب أن نكون شعراء ومثقفين ومهتمين فريسة للطمع في صدى قديم متآكل بقدر ما يجب أن نبحث عن صوت جديد للشِّعر يقوله بلغة وملامح وحُلة عصره وأرضه وأفقه. إنّ الشِّعر الآن هو الجمال.. جمال لا يبحث عن مزهرية أو حديقة مسيجة، بل عن بيد، ومدى لا حد له.. حتى يذيع عطره.. ويُسمع صهيل خيوله. أحمد عبد الكريم الوسائط الجديدة ساهمت في ابتذال الشعر بعيدا عن المكابرة والغرور المفتعل يجب أن نعترف بمأزق الشِّعر ومآلاته المنفتحة على كثير من الخيبة والخراب. هذا الاعتراف هو أوّل خطوة تُمكنّنا من رؤية المشهد بشكل واقعي، وتشخيص وضع الشِّعر بشكل صحيح بعيدا عن أي مثالية متعالية تقفز على الحقائق القائمة للعيان. الأمر الثاني هو أنّه من الأهمية بمكان طرح الأسئلة الحقيقية المتعلقة بوضع الشِّعر في الجزائر. من قبيل عن أي شعر نتحدث، هل هو المدونات الشِّعرية الرصينة التي تستند إلى تراكم ومعايير جمالية أم هو كلّ ما تفرزه الميديا الجديدة تحت مسمى شعر الهايكو، من خواطر وإفضاءات تفرض نفسها بقوة التكنولوجيا والوسائط الجديدة.لقد أسهمت الوسائط الجديدة في ابتذال الشِّعر وأعطت الفرصة لكثير من المتشاعرين والأدعياء والدخلاء الذين شوهوا صورته وأساءوا إلى قداسته في الوقت الذي يفترض أن تسهم في انتشار الجيّد والجميل منه لكي ترتقي بالذائقة العامة إلى ما يجب أن تكون عليه. الشِّعر كحالة جمالية وقيمة معنوية واجبة الوجود مازال قائما لدى نخبة قليلة من النّاس، أشبه ما يكون بالترف الجمالي الغريب على جمهور شعبوي، خدرته القنوات الإعلامية الصفراء، فلم يعد يسمع إلاّ بأحمد مطر وهشام الجخ.. أمّا الشِّعر كحالة ثقافية فهو يعيش ترديا كبيرا ويُتما مُروعا بفعل الإقصاء المُبيّت من أجندات الاهتمام للدوائر والمؤسسات الراعية للثقافة. صار الأقل حظا بالمقارنة إلى أشكال تعبيرية أخرى كالسينما والمسرح والموسيقى، وكلّ ما بقى منه صار محتكرا من قِبل شِلل معروفة هدفها تلميع الرداءة والدعاية لها. من خلال ملتقيات باهتة يتبادل فيها المنظمون الدعوات. أين هي الهيئة التي تغامر اليوم بتنظيم أمسية شعرية محترمة تليق بمجد الشِّعر؟ وأين هو الناشر الذي يراهن على نشر مجموعة شعرية، يُروج لها كما ينبغي للناشر الحقيقي؟.. صار من المُخجل عقد أيّة مقارنة بين الشِّعر والرّواية، ذلك أنّ من يكتب رواية اليوم، يكون قد قطع نصف الطريق إلى الشهرة والنشر، ولننظر إلى حجم الملتقيات والندوات التي تخصص للرّواية داخل الجامعة وخارجها مقارنة بعدّد ملتقيات الشِّعر الّذي لا يكاد يُذكر، ما يعد سببا من أسباب هجرة كثير من الشعراء إلى عوالم الرّواية، ديوان العالم الجديد.. ربّما في الجزائر وحدها، ولأسباب يصعب فهمها نجد شعراء وحالات فردية ولكن لا يوجد شعر جزائري، لكن المؤكد أن صوت الهامش مقموع لحساب ردة شعرية كبيرة، أجهضت مشروع تحديث الشِّعر الجزائري الّذي بدأه شعراء جيل الثمانينيات، وسهلت عودة الأصوليات الشِّعرية الجديدة مرتدية عباءة الشِّعر العمودي. من هنا تأتي ربّما أهمية أن يحلم الشعراء ب»بيت للشِّعر الجزائري» يؤيهم من العراء ويجمعهم من الهباء. محمد عاطف بريكي موت الشعر أمر ثابت في الجزائر أين ذهب الشعراء؟ ولماذا سقط البرنس من على جسد القصيدة وتعرت في مهبّ ريح الرّواية؟، أهي عاصفة ألمّت بالشِّعر وعصفت بالشعراء إلى فلوات الفراغ المقيت حتى جفت أوراقهم واصفرت تحت سنابك شموس الرّواية الساطعة.. خريف الشِّعر/ ربيع الرّواية. لكن الفصول في تعاقب وهذه سنّة الأدب وربّما سيأتي يوم يعود للقصيدة مجدها التليد. لم يعد للشاعر وجود ولم يصبح من الشِّعر إلاّ التسمية وحتى الواقع لم يعد يهم القصيدة في شيء ولا القصيدة أصبحت تستوعب الواقع، أليس الشاعر هو مجد القصيدة بينما هو في الفلوات البعيدة منسيٌ ومجهول–مذهول ومصابٌ بانفصام في الشخصية. أيمكنني التحدث عن أزمة الشِّعر من دون أن ألتف حول عنق الرّواية وأجعل من الشِّعر ضحية لأفعوانيتها. الرّواية بريئة من وهج الرّواية يا جماعة، إذا أمكنني التكلم عن الشِّعر عن محنته أو تألقه فأسباب كلاهما منه وبه وعنه، أليست الرّواية فنٌّ أدبي يختلف عن قرض الشِّعر، هكذا علمونا في المدرسة ومن يخلط بين الفنين فهو حمار ومصيره أصفار، لكن بمرور الوقت وبالتقدم في السن ومطالعة عشرات الكُتب والروايات وكتب النقد القديمة والحديثة اكتشفت أنّ الشِّعر يمكن أن يمتزج بالرّواية، وترسخت فكرة من ذلك الوقت مفادها: أنّ الرّواية سرقت الشِّعر وهو الشيء الذي لن يستطيع الشِّعر فعله في يوم من الأيام. إنّ التخلي عن القصيدة هو نوع من الخيانة. في زمن أصبحت فيه الرّواية هي الأدب، هذه هي أم الخيانة وأخواتها. لكن هل هاجر كلّ الشعراء إلى ضفة الرّواية؟ طبعا لا. مأساة الشِّعر تكمن في انكماشه واضمحلال الشاعر وغيابه الذي يشبه ظلمة الليل الطويل، كأنّ الشِّعر لم يُقرض يوما على هذه الأرض التي لا تستحق البقاء من دون الشِّعر والشعراء. موت الشِّعر كقيمة هو أمرٌ ثابت وواضح في الجزائر.