قال الدكتور والخبير الاقتصادي في البرلمان الأوروبي شمص عوض، ورئيس مكتب الاستشارات الخارجية الاوروبية الافريقية ببروكسل، إن للجزائر دورا محوريا في الساحة العربية والقارة الإفريقية، وتطرق الدكتور شمص عوض في لقاء جمعه ب "الحوار" إلى عديد القضايا التي تربط الجزائر بالعالم العربي، ولها وزنها في ساحة القارة الإفريقية، مشيرا إلى أن سوق الفضاء الأسمر سيكون مطلع 2050 سوقا واعدا ومحط أنظار رجال الأعمال في العالم أجمع. * – ما تقييمك لمناخ الاستثمار الجزائري؟ سبق لي أن زرت الجزائر، ولمست خلال عودتي إليها بعد منذ 3 سنوات، أنها باشرت عملية إصلاحات في كثير من المجالات، أما فيما يخص ملاءمة المناخ الاستثماري الجزائري مع توجهات السياسة الاقتصادية الدولية، عند تحليلنا للمناخ الاستثماري الجزائري نلاحظ كخبراء اقتصاديين أن الدولة الجزائرية خطت خطوة مهمة في المجال، وتسهر من أجل تطوير الآليات الاقتصادية وفق ما يطرحه الواقع الاقتصادي الراهن، كما أن الجزائر مرت بالعديد من المحطات الصعبة إلا أنها استطاعت أن تبرهن كل مرة أنها قادرة على تخطي الأزمات، وتسعى دوما لتطوير إمكاناتها ووسائلها لجلب الاستثمار، لكن بالرغم من المجهودات المبذولة في ميدان تطوير الاقتصاد ووضع أرضية سليمة لجلب الاستثمار الأجنبي نحو الجزائر، مازال يطرح بعض العناصر التي تؤلف عنصرا ديناميكيا لدفع عجلة الاستثمار بهذا البلد العظيم، ومن بينها مشكلة "الفيزا" التي تعد عائقا أمام المستثمر الأجنبي الذي يريد الولوج إلى السوق الجزائرية، وأناشد السلطات الجزائرية تسهيل إجراءات تأشيرة دخول رجال الأعمال والمستثمرين من بقاع المعمورة من أجل ضخ رؤوس الأموال، لأن الاستثمار يعد أحد المرتكزات الأساسية التي تعتمد عليها التنمية في كل بلد، وعلى الجزائر استكمال مشروعها في توفير البيئة الملائمة للمستثمر، وتهيأت ساحتها، أيضا من خلال تذليل العقبات الإدارية، خاصة أن الجزائر تعد شريكا اقتصاديا بامتياز، ليس فقط للعرب وللفضاء الإفريقي، بل أيضا مهمة بالنسبة لكل الشركاء الاقتصاديين في العالم.
* ومن الناحية الأمنية، كيف ترى واقع الجزائر في ظل ما يحدث في الوطن العربي اليوم؟ شهدت الجزائر فترات عصيبة، ومسها تخريب لمنشآتها القاعدية، وعاش شعبها أحلك فترة في تسعينات القرن الماضي، من قتل وخوف ورعب بفعل آلة الإرهاب، عشرية كاملة قضاها الشعب الجزائري في ظلمات الدمار ومحاولة ضرب الدولة الجزائرية في العمق، إلا أنه بفضل قوة الدولة بعد مجيئ رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم استتب الأمن بالبلاد، فيقظة الجيش الجزائري استطاعت إعادة الهيبة للجزائر مجددا، كما أن التفاف الشعب الجزائري حول قرارات نظامه ساهم بشكل واسع من تشكيل وحدة عضوية لا انفصام لها.
* كيف ترى السوق الإفريقية المستقبلية؟ طبعا القارة السمراء فضاء استثماري ضخم، وحسب توقعاتي كخبير في مجال الاقتصاد أرى أن هذه القارة ستحتل الريادة مستقبلا، وسوق واعدة تستهوي المتعاملين الاقتصاديين عبر العالم، وبفعل حركيتها المستمرة، وبفضل مكانتها في الحياة الاقتصادية الدولية ستكون بحلول سنة 2050 منبع النجاح الاقتصادي الكبير للعالم، وهذا الرأي استنبطته من الكلمة التي أطلقها الرئيس الإفواري حسن وتارة خلال ملتقى الاستتثمار الافريقي في كوتدفوار الذي انعقد في شهر فيفري الفارط، فالعديد من الدول العربية الاروبية تتهافت للاستثمار في افريقيا، نظرا لما ستوفره لهم من مزايا اقتصادية جد مهمة.
* وما دور الجزائر في الفضاء التجاري الإفريقي؟ لعبت الجزائر وما زالت تلعب دورا محوريا، جد هام في الساحة الافريقية، وذلك من خلال مساهمتها في استقلال الدول الافريقية خلال الحقبة الاستعمارية على القارة، كما لها الفضل في إعادة الأمن واستقرار للعديد من الدول الفريقية، هذا وللجزائر دور فعال على أرضية التعاون الاقتصادي في افريقيا، تعمل على تطوير آلية الفكر الاقتصادي، من خلال تنظيمها لملتقى افريقيا للاستثمار والتجارة في طبعته الخامسة نهاية مارس الفارط، والذي عرف مشاركة واسعة للدول العربية والإفريقية ومن قارة آسيا. فكان الملتقى منصة لكل دول الجوار ودول افريقيا لتوجيههم نحو الاستثمار في القارة السمراء، كما كانت المناسبة فرصة للمشاركين لمناقشة الكثير من المحاور التي تتمحور كلها حول الفعل الاقتصادي وكيفية تطبيق الأفكار التي تدخل ضمن الآلية الافريقية، عن طريق طرح عدة مشاريع اقتصادية بين عدد من دول الخليج وآسيا والدول الافريقية، ويأتي ذلك في ظل ركود اقتصادي ونمو بطيء يشهده العالم اقتصاديا، فكانت افريقية الوجهة الاقتصادية الاولى لما تملكه من الامكانات لنمو اقتصادي قوي ومتحرك وديناميكي اكثر.
* تشهد السوق النفطية العالمية أزمة أثرت بشكل سلبي على أسعار البترول.. كيف ترى موقع الجزائر الاقتصادي في ظل هذه الأزمة؟ الجزائر ليست في منأى عما يحدث في السوق الدولية، وبطبيعة الحال فهي تتأثر كغيرها من الدول من أزمة النفط الدولية الراهنة، إلا أنها تحاول من خلال استراتيجيتها تجاوز الأزمة، ويظهر ذلك من خلال شعارها الذي رفعته مع بداية عام 2018 "لنستثمر معا" اذ تركز الحكومة الجزائرية على دعم الانتاج والاستثمار المحلي وإيجاد فرص عديدة لتدارك سقوط اسعار البترول، وفتحت الجزائر أبوابها للكثير من الدول مثل الهند، تركيا وروسيا، وتعمل على استقطاب استثمارات من أوروبا مثل فرنسا وربما آسيا وبلجيكا، في 4 قطاعات مهمة كقطاع الفلاحة، السياحة، الصناعات الغذائية والتحويلية، كما عملت على تدعيم سياسة استصلاح الأراضي، مثل ما حدث بمدينة تميمون وغرداية والمنيعة، التي حولتها من أراضي بور إلى مشروع مثمر يدر علينا بالخيرات من قمح الصوجا، الذرة والخضروات مثل الطماطم، نفس الأمر تشهده أدرار.
* حتى تقفز على قاعدة تصدير المحروقات، شرعت الجزائر فيما يسمى بالتنويع الاقتصادي.. ما تعليقك؟ للجزائر مقومات ضخمة ومبنية على قاعدة اقتصادية جد هامة، ولديها امكانات عظيمة في إنتاج العديد من المنتجات الفلاحية المتنوعة، نظرا لموقعها الفلكي والجغرافي، وتعدد تضاريسها ومناخها، مما يسمح لها بالتنوع في المنتجات الزراعية، كما أنها بدأت في الاستثمار في مجال الصناعة مثل الاسمنت، الحديد، الكهرباء والطاقات المتجددة، كما تتمتع الخارطة الجغرافية الجزائرية بمناطق سياحية ذات أبعاد متعددة جبلية، ثقافية، جبلية، صحراوية، مما يؤهلها لتكون قطبا سياحيا بامتياز، وغيرها من العوامل التي تتوفر عليها الجزائر، والتي بإمكانها أن تعدد في منتجاتها الاقتصادية، وتستطيع الخروج بمنتجاتها المتنوعة إلى الدول الأخرى، وهذا طبعا يشرف الاقتصاد العربي والافريقي، لكن للأسف أن الجزائر تتوفر على قاعدة صناعية حبذ لو يتم عرضها في السوق العالمية، ولأن إفريقيا هي مستقبل المتعاملين الاقتصاديين عبر القارات الخمس ومحط العالم المعاصر، يجب على الجزائر استغلال هذه الفرصة، الشركات والمعامل والمصانع الجزائرية تذهب تتعاون مع الشركات الموجودة هناك بالدول الافريقية حتى يكون تكامل مع الشركات الموجودة، فهذه تعد فرصة للجزائر حتى تساهم مع دول القارة، فالصين مثلا بلغت قيمة مستثمراتها في القارة السمراء ما يربو عن 2 مليار دولا، الاتحاد الاروبي 2 مليون دولار.
* الجزائر وخارطة جيوسياسية العربية والعالمية؟ للجزائر مواقف عربية تشكر عليها، من خلال مواقفها الصارمة تجاه القضايا العربية الشائكة مثل قضية فلسطين وسوريا وليبيا وغيرها، مما جعلها تحتل مكانة لائقة بها على الخارطة السياسية العربية، وبالرغم من سعي العديد من الأطراف لجعلها تحيد عن سياستها الخارجية، إلا أنها مصرة على مواقفها التي بقيت ثابتة وداعمة. حاورته: نصيرة سيد علي