قدر سفير السودان بالجزائر، عصام عوض متولي، خسائر اقتصاد بلاده جراء الحصار الذي فرضته الإدارة الأمريكية طيلة 20 سنة، ب500 مليار دولار، وأكد الدبلوماسي السوداني في هذا الحوار مع الشروق بمكتبه، أن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب سيكون في غضون 6 أشهر، ونفى السفير القراءات التي تحدثت عن مكافأة قبضتها الخرطوم من الرياض والتي كانت حليفتها في حربها ضد الحوثيين. حيث عملت السعودية لدى حلفائها في واشنطن بضرورة رفع الحظر، وتوقف المعني عند الدوافع الحقيقية لقطع العلاقات مع إيران، نافيا أي تدخل لطرف آخر في إشارة منه إلى السعودية. عن العلاقات الجزائرية، أثنى على دور السفير السابق إدريس الجزائري في المساهمة بإنهاء الحصار الاقتصادي الأمريكي، وأكد دعم بلاده مسعى الجزائر لإصلاح الجامع العربية، ووجه دعوة لرجال الأعمال والشركات الوطنية للاستثمار في السودان.
ما هي الأسباب التي وقفت عليها الادارة الامريكية لرفع العقوبات الاقتصادية على بلدكم بعد 20 سنة من فرضها؟ وماذا بعد هذا القرار؟ القرار له تداعيات، وكانت له مقدمات في عام 1993 عندما وُضع اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعام 1997 فرضت عقوبات اقتصادية علينا، وجب التنبيه لمسألة، نحن لا نقول عقوبات، بل حظر اقتصادي، لأن العقوبات تفرض على شخص مدان بحكم قضائي، ولكن العقوبات الجائرة فرضت من جانب واحد، والسودان لم تكن أبدا راعية للإرهاب، نحن نرفض ونحارب الإرهاب، في عهد اوباما تم اتخاذ قرار برفع العقوبات وبعدها ترامب أمن على القرار، وصدر القرار يوم 6 من الشهر الجاري، وبدأ التنفيذ في 12 أكتوبر، العقوبات لم ترفع هباء أو كرما، بل بعد تفاوض بين البلدين، والخسائر التي نجمت عن الحصار بلغت 500 مليار دولار على الاقتصاد السوداني. الأثر السيء الذي أضر السودان حقا هو الحظر الاقتصادي، فقد خرجنا من المنظومة المالية العالمية، وكانت هنالك صعوبات بالغة لتحويل الأموال، حتى في مسألة دفع رواتب دبلوماسيينا في الخارج كنا نجد صعوبات. الحصار في شكله أمريكي، لكنه أصبح أمميا، لأن أصدقاء واشنطن وحلفائها لا يستطيعون تجاوزها، بل سايروا ما اتخذته أمريكا، اضطررنا للتعامل مع دول قوية مثل الصين والهند وروسيا لنتجاوز الأزمة، فضلا على مقدَراتنا الذاتية، فنحن نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ولدينا بترول يكفينا.
هل يمكن أن يفرض الحظر من جديد؟ هذا مستبعد، الواقع يكذب أي ادعاءات، ففي زمن الحصار حققنا ما يرضي أمريكا، الآن سيكون الوضع أفضل، وضع حقوق الإنسان في السودان جيد، وهو بلد آمن بشهادة الغير، في الفترة الأخيرة صدرت تعليمات من أمريكا وهي ترفيع مستوى التمثيل الدبلوماسي لدرجة سفير بعد ما كانت في درجة قائم بالأعمال، أمريكا ستستثمر 10 ملايير دولار في مجال النفط، وإقامة صوامع في ولاية البحر الأحمر.
ترامب رجل أعمال ناجح وبراغماتي، هل رفع القرار اتخذ من جانبه لتحقيق مغانم اقتصادية لأمريكا، بعيدا عن السياقات السياسية؟ القطاع الخاص الأمريكي تضرر، ومارس ضغوطا لرفع الحصار، وترامب يعي مدى أهمية السودان والاستفادة منها للصالح الأمريكي، أمريكا ستقيم استثمارات تشمل مصانع الغلال في بور سودان، وإقرار تعليمات بانتهاء أحقية إقامة السودانيين على أراضيها لعدم وجود كوارث ونزاعات في بلدهم الأصلي، على أساس أن السودان دولة آمنة، ستصل وفود أمريكية رفيعة المستوى. وعمليا، أعلن البنك المركزي في الخرطوم مباشرة بعد رفع الحظر، أنه سيتم إجراء تحويلات مالية لكل البنوك للعالم، وعن طريق الصرافات وسترن يونيون، وعمليا كذلك حتى الجنيه السوداني انتعش قبالة الدولار الأمريكي. ونتوقع بشكل فوري إقامة مشاريع استثمارية أجنبية في السودان، حيث أن الخشية التي كانت من تحويل الأموال واستلامها صار لاغيا، الآن السودان دخل المنظومة المصرفية العالمية، وفُتحت كل الأبواب للاستثمار، خاصة وأننا نحوز كل الفرض والإمكانيات، فالسودان يمتلك 250 مليون فدان صالحة للزراعة، مستغل منها 25 بالمائة فقط، نملك 130 مليون رأس من الأغنام، لنا موارد طبيعية من الذهب والنحاس والحديد واليورانيوم بكميات كبيرة، ومياه جوفية وسطحية وانهار كبيرة، والأزمة العالمية هي ازمة مياه وغذاء، نستطيع ان نكون سلة غذاء العالم.
رغم الأثر الإيجابي الذي سيحدثه رفع الحصار، إلا ان هنالك أصواتا في الداخل انتقدت الخطوة الأمريكية، علاوة على بعض المنظمات الحقوقية الدولية؟ لكل قاعدة شواذ، وهذه أصوات نشاز، كل السودانيين فرحون ومرتاحون لرفع الحصار على بلدهم، ورحب بها، إذا كانت هنالك أصوات نشاز من الداخل أو لمنظمات حقوقية فلن تؤثر على القرار أبدا.
الحديث المتداول عن دور سعودي لعبته للمساهمة في رفع الحصار عنكم، البعض يقول إن الخرطوم قبضت الثمن بعد انخراطها في التحالف العربي، وقطع علاقتها مع إيران، الخصم اللدود للمملكة العربية السعودية، هذه الأخيرة ساهمت في إقناع واشنطن بضرورة رفع الحصار عنكم؟ الحقيقة أن العديد من الدول الصديقة ساهمت في رفع الحصار الجائر على السودان، وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر وعدد من دول الخليج، حتى مصر، وهذا شيء طبيعي وواجب عربي يهم أي عربي في المنطقة، طالما أن هنالك دولة فُرض عليها حصار جائر، وليس من الصواب القول إن موقف المملكة العربية السعودية مبني على أغراض سياسية، من الواجب على كل الدول العربية أن تقف موقفا واحدا وداعما للسودان، الجامعة العربية على سبيل المثال طالبت برفع العقوبات، كذلك الاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية وقفت إلى جانب السودان، وطالبت برفع العقوبات، المسألة ليست لها علاقة بمكافأة تلقيناها من المملكة، دعم السعودية لنا تمليه علاقتنا الطيبة معها ومع الدول العربية والإسلامية. الآن نقف موقفا وسطا من الأزمة في البيت الخليجي، ونتمنى أن تحل الأزمة في البيت الخليجي، فلم نقف مع السعودية ولا ضد قطر، الحسابات ليست كذلك، ولكن هذا موقف عربي أصيل يُفرض على الناس، الوقوف إلى جانب دولة عربية مظلومة، والدول شاهدت الضرر الذي أصاب المواطن السوداني، العقوبات كانت على الدولة، لكن الأثر السلبي أصاب المواطن السوداني وفي كل مناحي حياته. أما عن إيران، نحن قطعنا علاقاتنا معها ليس لأننا استجبنا لطلب من أي جهة أخرى، نحن شعرنا بتمدد شيعي في السودان واستشرى، وقبل هذا بفترة تم تنبيه الطرف الإيراني، وتم غلق عدد من المراكز الثقافية الإيرانية في السودان، ونبهنا الإيرانيين إلى نشاطاتهم المضرة في السودان، وعندما استشرى الوضع ولم تكن هنالك استجابة منهم، تم قطع العلاقات مع طهران، وهذا الموقف يتطابق مع مواقف عدد من الدول كالسعودية من إيران، فلم يكن أمامها سوى سحب سفرائها، وخروج السفراء الإيرانيين من أراضيها.
وفق التشخيص الذي قدمته سابقا، وقوف دول إلى جانب الموقف الأمريكي منكم، على هذا الأساس ما دور المنظمات الدولية كالأممالمتحدة مثلا؟ أمريكا دولة عظمى ومسيطرة على التكنولوجيا والسلاح، ونحن الآن في عالم يفقد الاستقرار، أمريكا الآن هي المتزعمة والمسيطرة في الساحة، حقيقة هنالك أصوات في الداخل الأمريكي ترفض هذا الحال، كما أن هنالك صوتا روسيا وصينيا، ستظل أمريكا إلى فترة أخرى تسلط سيوفها على من لا يتفق معها أو يعارضها، والدليل أن العقوبات التي فرضت على السودان صارت أممية بين يوم وليلة، لأن حلفاء أمريكا والضعفاء يسايرون الطرح والموقف الأمريكي، نحن لا نود أن نتحدى أمريكا ولكن هنالك الواقع والقانون والمنطق، الشيء المؤسف أن ما يقال عن السودان يؤخذ عن وسائط إعلامية غير صادقة، كل من زار السودان حتى من الأمريكان عاد بتقرير مغاير عن الظروف التي ارتسمت عنده في وقت سابق.
السوء والخلل يعتري كذلك الجامعة العربية العاجزة عن حل أزمات الوطن العربي من سوريا إلى اليمن وليبيا، الجزائر تطرح مقاربة لإصلاح الجامعة وفق تصريحات الوزير عبد القادر ساهل، وسيكون بداية عبر دول ثلاث مؤثرة في الجامعة، هل تدعمون هذا المسعى؟ أي اتجاه لإصلاح البيت العربي السودان تدعمه تماما، والجامعة العربية طيلة السنوات الماضية كل ما تفعله تدين وتشجب وترفض، ولكن ليس هنالك وسائل وقوى دافعة، وهذا دور مخجل للجامعة العربية، الإتحاد الإفريقي فاعل أكثر من الجامعة العربية حتى في الأممالمتحدة ومجلس الأمن، المسعى الجزائري محمود، والجزائر التي أتشرف بالخدمة فيها لها قيم سامية ونحن نثمن عاليا دورها في المنطقة، لحل المشاكل والخلافات، ولعل دورها في ليبيا لافت للغاية، وهنا أحيي دور الوزير مساهل، الذي قام بجولة غير مسبوقة لعدد من المدن الليبية.
تحدثت عن دور عربي لرفع العقوبات، الجزائر ممثلة في سفيرها إدريس الجزائري لعبت دورا محوريا كذلك؟ نعم، لقد قام السفير إدريس الجزائري، بدور لافت أثناء خدمته كممثل للجزائر في مجلس حقوق الإنسان بجنيف، حيث أعد مذكرة قوية جدا، تم رفعها إلى المندوب الأممي لحقوق الإنسان وحولت إلى مجلس الأمن، كما دافع عنا السفير إدريس الجزائري دفاعا مستميتا، بأن وضع السودان في مجال حقوق الإنسان متميز، والفرد السوداني يتمتع بكل حقوقه عكس ما تم الترويج له في الإعلام الغربي، وكانت لتقارير ومواقف السيد إدريس الجزائري دفع قوي في مسار رفع العقوبات.
لا يزال القرار الأمريكي بوضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب ساريا، هل من بوادر لإنهائه؟ وجب التأكيد أن هذا القرار أو التصنيف لا مبرر ولا أساس له، ولكن أصبح واقعا وتعاملنا مع الواقع، وبدأنا في العمل للتخلص من الحظر الذي كان أكثر ضررا بالنسبة لنا، الخطوة الثانية مباشرة، وهي أن نبدأ في كيفية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعض الأشياء لتنجح يجب أن تنشر في الإعلام ولنجاح أخرى تبقى في السر إلى حين، وهذا حتى لا يكون هنالك تشويش في المفاوضات التي تتم، الآن أؤكد لك أننا بدأنا في الخطوات الإيجابية لرفع السوان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهذا بدوره يحتاج لوقت، شخصيا أقول لك إن الرفع سيكون في غضون 6 أشهر كل المؤشرات تقول ذلك، ما أصدرته أمريكا في اليومين الآخرين بعد صدور القرار برفع الحظر الاقتصادي يؤكد ما قلته الآن، الوفود الأمريكية التي تصل الخرطوم في الفترة القليلة القادمة، ستكون في أهم أجنداتها رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، أنا أقول وعلى الإطلاق لا يوجد سوداني واحد تم إلقاء القبض عليه في جريمة إرهاب، بل بالعكس نحن نحارب الإرهاب ونجرمه، وتعاونا مع أمريكا، وأمريكا نجحت في الوصول لإرهابيين بالتعاون مع السودان.
تتحدث عن أجواء مناسبة للاستثمار الخارجي في السودان، هل الأمر يشمل رجال الأعمال الجزائريين والشركات العمومية الجزائرية؟ أجواء السودان للاستثمار وتبادل السلع في أفضل أحوالها، والعمود الفقري للتبادل في الاقتصاد هو حرية تنقل الأموال عبر المصارف، وكنا محرومين منها في الفترة السابقة، ما يهمنا هو توطيد العلاقة والاستثمار بين الجزائر والسودان، لاحظنا اهتماما كبيرا من طرف الشركات الجزائرية للاستثمار في السودان، فقد زاد عدد الشركات الجزائرية المشاركة في معرض الخرطوم الدولي، هنالك شراكات معها اتفاقات كسونلغاز وسوناطراك في الطريق، وشركة أورس لعبد المالك صحراوي والذي منحت له مساحة 150 ألف فدان، هنالك علاقة مع شركة سيفيتال، فقد كانت التحويلات المالية عائقا، والآن أبلغونا بعد رفع العقبات للتحرك والعمل في السودان، كذلك هنالك تعاون مع شركة بن حمادي وبعض الوكلاء المحليين، ونحن نطمح في المزيد. ووقعنا اتفاقيات مع سونلغاز في ميدان الكهرباء بعد ما نفذوا مشاريع خاصة في السودان، وفي الطاقة الشمسية، هنالك محاولات لاستيراد الغاز من سوناطراك، نأمل في الفترة القادمة أن الإخوة الجزائريين ان يستثمروا في السودان، وهذه دعوة خاصة لشركات إنشاءات الطرق والجسور والإسكان، هنالك دعوة كذلك من ولاية الخرطوم لتنفيذ مشاريع سكنية لبناء عمائر ضخمة وللفئات الثالثة الرفاهية والمتوسطة والعمالية، ونحن نأمل في استجابة من الشركات الجزائرية للعمل في السودان. الأجواء مهيأة تماما، والسودان بلد الفرص، والبلد محتاج لكل شيء، خاصة الصناعات الكيمائية والكهربائية، والجلود، في مختلف مراحله، هنالك منطقة خاصة في السودان أقيمت للصناعات الجلدية، أي مستثمر له الفرصة من الاستفادة للنشاط من المدينة الصناعية يقدم طلبا وسنمكنه من النشاط، السودان له ثروة حيوانية هائلة، ومن حجم الذبيح سواء الداخلي أو الخارجي هنالك كميات مهولة من الجلود بمختلف الأنواع، إبل وأغنام، وجلودنا ذات جودة قادرة على المنافسة الدولية، كذلك الدعوة لشركات الصناعات الغذائية، سواء التعليب أو التجفيف أو التعبئة، وهذه فرصة لإخواننا الجزائريين سواء للتصنيع أو في العمل الزراعي.