"كمن يحاول نقل جبال جرجرة بملعقة قهوة" بهذه الجملة وصف الشيخ سي حاج محند طيب محاولته ترجمة القرآن الكريم للغة الأمازيغية، معترفا بأن الطريق كان صعبا وشاقا جدا بدأه واختتمه بالدموع، حمل القرآن الكريم أمانة من اللّغة العربية إلى من لا يتقنون سوى الأمازيغية ليثبت للعالم أجمع أن صدق النية وقوة العزيمة والتوكل على الله عز وجل تحيل المستحيل "ممكنا"، وتحرك جبال جرجرة بنور العلم وضياء القرآن الكريم. \\\\\\\\\\\\\\\ الشيخ سي حاج محند طيب في سطور: أحد علماء الجزائر وشيخ شيوخ زواوة ومترجم معاني القرآن الكريم إلى الأمازيغية ولد في 20 جوان 1934 قي بلدية إيفرحونن ولاية تيزي وزو، أدخله والده كتاب القرية ليتم حفظ القرآن الكريم دون معرفته باللغة العربية، وفي سنة 1948 انتقل إلى زاوية "تغراست" بالقرب من سيدي عيش ببجاية وبدأ يتعلم هناك بعض الدروس في اللغة العربية والصرف والنحو، وبدأ حينها يفهم معاني بعض الكلمات في القرآن الكريم. وبعد أن أتقن حفظ القرآن وبعد تلقيه دروسا بالزاوية التحق سنة 1953 بمعهد ابن باديس بقسنطينة ليلتحق بالثورة المباركة بعد غلق المعهد، وقد ألقى المستعمر الفرنسي القبض عليه بضواحي حيدرة خلال سنة 1958 وتم سجنه رفقة أخيه "الصادق" ومجموعة من الرفقاء في ثكنة علي خوجة بالعاصمة ويقول هذا الأخير مستعيدا شريط ذكريات الماضي "إنه لولا فضل الله ولطفه لكان هو ورفقاؤه من المفقودين لأن عصابة اليد الحمراء هي التي قامت باختطافه". بعد الاستقلال أفرج عنه ليتم تعيينه معلما بعين طاية، وفي نفس الوقت كان يتابع دراسته الجامعية بجامعة الجزائر في تخصص الأدب العربي وتحصل على ليسانس في الآداب خلال سنة 1966، وقرأ للعديد من الكتاب المعروفين على غرار (طه حسين، المنفلوطي، محمد عباس العقاد، الزيات، أحمد شوقي، الشيخ مبارك الميلي، أحمد توفيق المدني… وآخرين)، وخلال شهر أكتوبر 1966 تم تعيينه كأستاذ في ثانوية "عمروش" التي تدعى حاليا "ثانوية فاطمة نسومر" ويقول إنه هو الذي اقترح بأن تسمى هذه المؤسسة التربوية ب "فاطمة نسومر" وتكون مختصة للبنات فقط. وفي سنة 1969 شارك أستاذنا في مسابقة للدخول لتحضير شهادة الكفاءة في تفتيش وإدارة دور المعلمين وتخرج من هناك سنة 1970، وبعدها عيّن بدائرة الأخضرية حتى سنة 1977 وانتقل إلى تيزي وزو ليشغل منصب مفتش وفي نفس الوقت كأستاذ مساعد في جامعة تيزي وزو، وفي عام 1985 تم انتدابه إلى فرنسا كمفتش لدى أبناء الجالية وبقي هناك 4 سنوات. \\\\\\\\\\\\\\\ مدير جريدة "الحوار" محمد يعقوبي: الترجمة أخرست المشككين في هوية المنطقة قال مدير جريدة "الحوار" محمد يعقوبي إن ترجمة القرآن الكريم للأمازيغية، ظهرت في وقت عرف العديد من المعارك الإيديولوجية وكان بمثابة الضربة القاصمة لدعاة الانفصال، وظهوره قبل عشر سنوات من الآن لفت إليه أنظار الكثيرين، وأخرس كل الأقلام المشككة في هوية المنطقة والجزائر ككل. مشيرا إلى أن ما قدمه الشيخ سي حاج محند طيب لا يفعله سوى عالم بالقرآن واللغة العربية والأمازيغية مؤكدا أنه بمشروعه العظيم هذا أقام الحجة بطريقة علمية وأبعدنا عن المعارك الهامشية والوهمية التي خاض فيها الكثيرون دون نتيجة. \\\\\\\\\\\\\ محمد صغير بلعلام: وزارة الثقافة تناست علماء الجزائر وشيوخها الشيخ سي حاج محند قدم خدمة جليلة لمنطقة القبائل تأسف الأستاذ محمد صغير بلعلام للتقصير الكبير في التعريف بشيوخ الجزائر وعلمائها وعدم تذكرهم إلا في المناسبات، مشيرا إلى أن هذا التجاهل معيب ومخيب، مطالبا وزراتي الثقافة والشؤون الدينية بإعادة علماء الجزائر إلى الواجهة، وتعريف الأجيال القادمة بما قدمه هؤلاء من خدمات جليلة للجزائر والإسلام، وألح محمد صغير بلعلام في كلمته على واجب تقديم التكريم والتبجيل المستحق لفضيلة الشيخ سي حاج محند طيب مترجم القرآن الكريم للّغة الأمازيغية، مستذكرا السنوات السبعين الطويلة التي جمعته به من بدايات تعرفهم على بعض في كتاب القرية إلى معهد عبد الحميد بن باديس في الخمسينيات رفقة عدد كبير من أفراد عائلته، وقال محمد صغير بلعلام إنه عرف الشيخ سي حاج محند طيب هادئا وقورا، يعمل بصمت لا يشعر به إلا من كان قريبا منه لأنه أخلص لله وأخلص للعلم وترجمة القرأن، ولم يطمح إلى الشهرة ولا المال من وراء ذلك. واعتبر بلعلام أنه كان من الأوائل الذين عرفوا بإقدام الشيخ سي حاج محند طيب على خطوة ترجمة القرآن الكريم للغة الأمازيغية، مضيفا أنه اندهش في البداية لمعرفته بصعوبة ذلك، لكن غير رأيه بعد أن استمع لترجمته لسورة العاديات، مشيرا إلى أن ما قام به الشيخ سي حاج محند لم يقم به أحد من أبناء الجزائر حتى في العهد الذهبي البجائي لم يقم به العلامة نصر الدين المشدالي، لم يقم به الشيخ الزواوي ولا أبو فضل المشدالي وهو أول من ابتكر نظرية التناسب بين الآيات والسور في القرآن الكريم. وقد علم هؤلاء طلبتهم اللغة العربية ولم يترجموا القرآن اللغة الأمازيغية، ولم يتجرأ أحد منهم على القيام بذلك، معتبرا أن الشيخ سي حاج محند فتح الباب للآخرين ليسلكوا مسلكه. وعاد بلعلام إلى المطالبة بتكريم العلماء، مشيرا إلى أن الجزائر فقدت في منتصف التسعينيات واحدا من علمائها الكبار وهو الشيخ مبروك العوادي الجزائري الذي رحل في صمت بعد سنوات كبيرة من العطاء دون أن تلتفت إليه السلطات المعنية وتعطيه حقه قائلا "علماؤنا يعيشون ويموتون مجهولين". \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\ مأمون القاسمي: الأمة الواعية تقدر علماءها وتعطيهم حقهم ضم شيخ زاوية الهامل مأمون القاسمي الحسني صوته للدكاترة والشيوخ الذين تعاقبوا على منصة الحوار في تكريمية الشيخ سي حاج محند طيب، منوها بالعمل الجليل الذي قدمه، مشيرا إلى أن الشيخ سي حاج محند وأمثاله من العلماء الأجدر بالتكريم والتعريف بهم للأجيال القادمة، مبديا تأسفه لعدم تذكر الكثير منهم خاصة الذين عاشوا بيننا ورحلوا دون أن نتعرف عليهم ونوفيهم حقهم، مستذكرا الشيخ مبروك عوادي الذي عرفه منذ سنة 1970 إلى أن انتقل إلى جوار ربه سنة 1996 وعرفنا حقيقة علمه. والمؤسف أن يكون هذا وأمثاله مجهولين في قومهم رافعا للجهات المعنية مطالب بأن تقوم بالتعريف بعلماء الجزائر وأن تعمل على نشر أعمالهم. مشيرا إلى أن الأمة الواعية هي التي تعطي لعلمائها قدرهم، وتعرف حقهم وهي التي تحيي ذكراهم وتقدمهم للأجيال ليكونوا لشباب الأمة القدوة والمثال الصالح لذلك لطالما دعوا في هذا الاتجاه إلى ضرورة العناية بأعلام الأمة والمثقفين الحقيقيين لنقدمهم للأجيال ليكونوا لهم قدوة صالحة. وفي شهادته حول الشيخ سي حاج محند طيب قال الشيخ القاسمي إنه من خيرة الرجال الذين تخرجوا من الزوايا الرحمانية التي ازدهرت في أرض الجزائر والتي كانت تشع لخدمة القرآن وعنايتها بعلوم القرآن وعلوم الإسلام بشكل عام، هي التي أنتجت لنا أمثال الشيخ محمد طيب وما كان له أن ينجز مثل هذا العمل الجليل وأن يترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة القبائلية لو لم يكن قد تمكن من ناصية اللغة وأتقن لغة القرآن وهذا فضل من الله يؤتيه من يشاء، هو توفيق من الله وإدراك لأسرار اللغة العربية، منوها إلى ضرورة الاهتمام بلغة القرآن حيث لاسبيل لمعرفته إلا بالمعرفة الحقيقية وامتلاك ناصية اللغة العربية، مجددا دعوته إلى العناية باللغة العربية وترقيتها وتعميم استعمالها، فالتمسك بها هو تمسك بالقرآن الكريم وحبها من حب القرآن ومن نزل عليه القرآن ومنزل القرآن. \\\\\\\\\\\\\\\ بوجمعة لوراري: ترجمة القرآن للأمازيغية بينت الوجه الحقيقي للمنطقة قال الشيخ بوجمعة لوراري في مداخلته إن ترجمة الشيخ سي حاج محند طيب للقرآن الكريم باللغة الأمازيغية، رافقتها عديد من الرسائل، أكد في مقدمتها أن ترجمة معاني القرآن الكريم بالأمازيغية دليل على أن المنطقة فيها وجهان وجه يراد إخفاؤه ظلما ووجه يراد إجلاؤه زورا. مشيرا إلى أن الترجمة بينت الوجه الحقيقي للمنطقة، فهي منطقة عريقة في الدين رغم ما يراد إخفاؤه وإبرازها كمعقل للتنصير الهدف الأول تشويه المنطقة ومحاصرة الخير وخدمة الرداءة. وأضاف أن الحديث عن اللغة الأمازيغية دليل قاطع يبين بهتان من يروجون للأمازيغية بأنها حكر على المضامين، وما قام به الشيخ سي حاج محند ادحض مخططاتهم خاصة ما تعلق منها بالتفريق بين اللغتين، وأضاف قائلا: إن ما قدمه الشيخ دليل على أن الشهرة لا تعني الحق ولا المصداقية ولا الكفاءة بل من يعملون في الخفاء هم أكثر من يخدمون الإسلام، متهما الإعلام بالترويج للرداءة. \\\\\\\\\\\\\\ سامي سعدي: الشيخ سي حاج محند نقش القرآن الكريم في أذهان العامة قال الدكتور سامي سعدي إن العمل الذي قام به الشيخ سي حاج محند طيب ليس ترجمة لمعاني القرآن بالمعنى الأدبي، ولكن هو نقش في صلب المادة والأذهان، مشيرا إلى أنه لو عمل أحد من داخل البيت الأمازيغي البربري من صحراء سيوا المصرية إلى السنغال على ترجمة القرآن الكريم إلى الأمازيغية لما تمكن بعض المخربين من بث أفكار سامة. مطالبا بوجوب أن توزع هذه الترجمة على أوسع نطاق، ملمحا إلى أن كتابتها بالحرف العربي دليل على صدق النية. \\\\\\\\\\\ طارق بن شين عضو جمعية المسلمين: منطقة القبائل غنية برجالها استذكر الشيخ طارق بن شين الكثير من المواقف التي جمعته بالشيخ سي حاج سي محند طيب، مؤكدا أنه في وقت مضى لم يكن هناك فرق بين قبائلي وعربي، الجميع يدينون بالإسلام ويرفعون رايته عاليا، محاولا العودة بذاكرته حول المنطقة وتاريخها وعلاقتها بالدين الإسلامي أثناء الثورة التحريرية قائلا: التحقت بالثورة في تلك المنطقة وأتذكر أني خجلت منهم في أيام الشهر الفضيل وقد كنت حينها مفطرا بفتوى صدرت عن الشيخ حماني وشيوخ الأزهر بوجوب إفطار المجاهدين وهو ما جعلني أمتنع عن الصوم لمدة ثلاثة عشر يوما، وعندما ذهبت لأول اجتماع، تم تقديم الخبز "المطلوع" للمجاهدين تناولت حصتي وأنا ألاحظ أن أحد الرفقاء وهو ممرض الناحية وضع نصيبه من الخبز جانبا، ولما تساءلت عن السبب قال إنه سيفطر بها مساء، وهو ما أحزنني كثيرا إلى حد البكاء وتمنيت لو لم أفطر ولا يوما من الشهر الفضيل. ثاني شهادة قال فيها بن شين إن أغلب شباب المنطقة كانوا يشتغلون في فرنسا وتركوا مناصب عملهم وعادوا للجبال منهم من استشهد، وجلهم أميون أنا المتعلم كنت أكتب لهم الرسائل بالأمازيغية طلبوا مني أن تكتب الرسائل بالحرف العربي.