تفسير معاني القرآن الى الأمازيغية ليس بالأمر السهل وليس بالمستحيل إذا ما خلصت النية وقويت العزيمة فإن التوفيق سيكون مرافق هذا العمل العظيم وهكذا حصل مع الشيخ سي حاج محند الطيب الذي فسر معاني القرآن الى الأمازيغية واستطاع أن يحمل حلاوة سماعه الى كل بيت وأن ينور بنوره القلوب ويزيل عنها غشاوة الجهل حتى أصبحت النساء تستمعن لمعاني القرآن قبل بداية أشغالهن وقد مثل الشيخ سي حاج محند الطيب ثقل هذه المهمة بمن يحاول نقل جبال جرجرة بملعقة قهوة. في فندق حديقة الوئام المدني بابن عكنون بعد أن تم نقل الاحتفال من الأروية الذهبية الى هذا الفندق الذي يقع في وسط غابة كثيفة جاء لمثقفون والباحثون وشخصيات تاريخية لحضور هذا الحفل الكريم الذي يتصدره هذا الانجاز العظيم وهو تفسير معاني القرآن الكريم الى اللغة الأمازيغية. وقد استهل كلمة الافتتاح الدكتور محمد العربي ولد خليفة رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، حيث أكد على عظمة هذا الانجاز الذي اعتمد على ثلاثة أسس وأركان هي الاسلام، العربية والامازيغية، هذه الأسس والأركان لا تقبل المزايدة والاقصاء. حيث يقول رئيس المجلس الأعلى: ''وفي هذا المثلث الذهبي الذي لا يقبل المزايدة والاقصاء، قضى سي حاج محند طيب قسما كبيرا من حياته في خدمة الاسلام، حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة وبذل جهدا كبيرا لإدراك ما فيه من روحانية سامية تخلّص الإنسان من غرائزه الحيوانية ونفسه الامارة بالسوء، وترقى به إلى مراتب الحق والخير والجمال''. أما عن هذا الانجاز العظيم، فقد ذكر الدكتور محمد العربي ولد خليفة الجهد الذي أنفقه الشيخ في خدمة القرآن الكريم حيث أكد بالقول: ''تفرغ سي حاج محند الطيب لخدمة أعمدة المثلث الثلاثة واجتهد سنوات طويلة لنقل معاني القرآن إلى الأمازيغية وكلف نفسه الكثير من المشقة في التمحيص والتدقيق واستشارة أهل الفكر والذكر، واطلع على عدد من تفاسير القرآن الكريم وترجمات أخرى''. واستعرض رئيس المجلس الأعلى للغة العربية أسباب اختيار سي حاج محند الطيب كتابة الأمازيغية في ترجمته لمعاني القرآن بالحرف العربي، بعد مقارنة علمية بين حروف التيفيناغ والحروف اللاتينية والعربية. أما الشيخ سي حاج محند الطيب فقد ذكر في كلمته التي ألقاها بمناسبة تكريمه المنهج الذي عمل على منواله في تفسير معاني القرآن الكريم، حيث قسم انجازه إلى عدة خطوط اتبعها وهي: أقسام الترجمة، ترجمات معاني القرآن إلى مختلف اللغات، خطة العمل التي اتبعها في الترجمة قبل تحرير معاني القرآن، عند تحريرها، حدود التزم بها ثم الحرف الذي اعتمد لكتابة ترجمة معاني القرآن الى الأمازيغية ثم المشروع في ترجمة معاني القرآن الكريم الى الأمازيغية، المصحف الأمازيغي الشكل، التسجيل على الأشرطة، التسجيل على الأقراص المضغوطة مسيرة التصحيح والتدقيق، هذه هي الخطوط البيانية لهذا الإنجاز. وقد تطرق الشيخ إلى أقسام الترجمة وهي: الترجمة الحرفية والترجمة المعنوية والترجمة التفسيرية وعرف كل واحد من هذين القسمين بالإضافة إلى القسم الثالث المضاف إليهما. كما استعرض الشيخ في حديثه عن تفسيره لمعاني القرآن الكريم إلى عدم وجود ترجمات للقرآن الكريم بالأمازيغية، أما عن اختياره للحرف العربي، فقد أكد أن الأصوات بالأمازيغية يمكن تصويرها بالحروف العربية، ماعدا بعض الأصوات القليلة، ومع ذلك يمكن تصويرها بإدخال تعديل طفيف على بعض الحروف وهي خمسة حروف (ز،ج، ك، ب، ق). ويخلص إلى القول هذا ما جعلنا نتخذ الحروف العربية لترجمة معاني القرآن الكريم: ''هذه السهولة لاحظناها بالفعل عند كتابة ترجمة معاني القرآن كله بالحرف العربي، ولم نصادف أية صعوبة''. ودعا الشيخ الى اتخاذ الحرف العربي لكتابة الأمازيغية، دون خوف أو توهم خطر على مستقبل الأمازيغية بل نتوسم لها تطورا سريعا، وازدهارا كبيرا إذا كتبت بالحرف العربي. وقد اعتمد الشيخ في تفسيره لمعاني القرآن الكريم على الطبع، حيث تم طبع جزء ''قد سمع'' بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، طبع شريط ''مريم وعيسى في القرآن'' في كتب، تسجيل شريط لسورة ''يوسف'' كما يوجد تحت الطبع المصحف الكامل المترجم للأمازيغية بمجمع الملك فهد. وعن قيمة هذه الترجمة يقول الشيخ سي حاج محند الطيب: ''أما قيمة الترجمة فلا أدعي أنها عمل كامل، ولكن ما يمكن أن أدعيه: أنني قد استنفذت كل قدراتي وامكانياتي، فكنت أقرأ مجموعة من الآيات، أو السورة إن كان قصيرة، بكل تمعن، ثم أحدد الكلمات الصعبة، لألجأ الى التفاسير لفهمها، ثم أطلع على عدة تفاسير لا تقل عن أربعة للاطلاع على أكبر قدر ممكن من آراء المفسرين...''. وفي الأخير أكد الشيخ أنه مطمئن على هذه الترجمة الذي اتفق عليها أكثر من عقل متخصص. ثم حولت الكلمة للمعقبين الذين تداولوا على منبر الخطابة وكان أولهم الأستاذ محمد أرزقي فراد، حيث أكد أن ترجمة القرآن الكريم من أهم الأحداث التي عرفتها الجزائر، بل المغرب العربي وهذا للتكامل بين لساننا الأصيل وبين محكم التنزيل والرسالة المحمدية، وأثنى الأستاذ فراد على المترجم لمعاني القرآن وعلى أسرته. أما الدكتور صالح بلعيد فقد تكلم عن مقارنة أجراها بين الشيخ بن حاج محند الطيب وبين الحسين البوعمراني حول ترجمة القرآن الكريم. أما الأستاذ سعيد معوّل فقد أكد أن هذا العمل يسهم في هذه التوأمة الموجودة في الأمازيغية وهو تصدّ للقوم الذين يحاولون أن يحولوا بين المرء وقلبه، إن هذه الترجمة نعتبرها ثراء علميا وخدمة للقرآن الكريم، ويضيف معول إن القبائل لا مشكلة لهم مع القرآن لأنه روح خالدة. وفي الأخير تم تكريم الشيخ ومنحه شهادة تقديرية على هذا الانجاز العظيم.