قرأت مؤخرا عن مكتبة فرنسية لجأت لعملية بيع ذكية للتخلص من مخزون الكتب الأقل مبيعا، حيث تتعهد لكل من يشتري منها كتابا باسترجاع ثمنه في حالة ما إذا لم يرق له، ولم يجد فيه ما يعجبه وما يهمه.. هذا في فرنسا.. في بلد تباع فيه الكتب كما الخبز.. والناس هناك .. لا تقرأ الكتب بل تأكلها كما الخبز أيضا.. في وضع ثقافي مشع كهذا ترى المكتبات تفكر وتخطط وتخترع أنجع السبل، لاستقطاب القارئ وجلب اهتمامه يشتى الطرق. ظاهر هذه العملية يبدو كمغامرة تجارية، إلا أنها والمؤكد لا يمكن أن تكون مجرد فعل ارتجالي غامض العواقب.. فقرار مثل هذا لم يتخذ هكذا اعتباطا، أو من باب التجريب بقدر ما هو نتيجة مدروسة ومحسوبة ومضمونة المردود.. خبر كهذا لا يمكن إلا أن يعصر قلبك، ويجعلك تتساءل لماذا مكتباتنا - على انقراضها - غيّر جلها النشاط، ومن تغذية الفكر تحولت إلى تغذية البطن ب''الفاست فوت'' والأكل الخفيف والفصول الأربعة، لا تحاول أن تحرك ساكنا إزاء بوار منتوجها. ما الضير لو أنها جربت وخاضت المغامرة، وأستبعد أن تكون مغامرة مع الجزائري المجبول على سعة الصدر، وسعة اليد، وليس بالضرورة أن تستنسخ ما فعلته دار النشر المذكورة، يمكنها أن تعمد إلى طريقة أخرى لجلب القارئ، كأن تعيره الكتاب الذي يريد مقابل مبلغ معين، يكون أقل من ثمن الكتاب المعار، والذي يتجاوز في غالب الأحيان المقدرة الشرائية للطالب أو المواطن العادي.. لا أدري لماذا مكتباتنا حكمت على نفسها بالتقوقع والجمود، ولم تفعل شيئا لتحريك دورها في خلق قارئ مواظب.. كل ما فعلته أنها تحولت إلى بيع الأكل النظري، وملأت رفوفها وواجهاتها بكتب الطبخ، ومؤلفات فنون الطهي بكل أصنافها وجنسياتها.. مكتبات الجزائر التي نجت من التحول إلى مطعم تطبيقي عملي يبيع الأكل على شكل ساندويتش، أو في الصحون، تحولت إلى مطعم نظري يبيع الأكل مطبوعا على الورق.. إنها قمة الكارثة.. قمة البؤس الثقافي الذي أبدع في التلون والتفرع والتوسع في شوارعنا وبطوننا وأفكارنا وعاداتنا وحياتنا ككل.