الأرصفة والمساحات العمومية... معارض مفتوحة للكتب والمجلات وأنت تتجول في شوارع العاصمة يلفت انتباهك العدد المتزايد لهؤلاء الباعة يوما بعد يوم، على الأرصفة، في الحدائق العامة، أمام ساحة البريد المركزي وبعض المؤسسات الوطنية، وخاصة الجامعات التي تستحوذ على تشكل الباعة المتجولين أمامها أهم نسبة، خاصة أمام الجامعة المركزية "بن يوسف بن خدة" حيث أصبحت إحدى أهم أقطاب الباعة والزبائن في نفس الوقت، أغلبهم من الطلبة والباحثين يحيطون بها من كل جانب ويأتونها من كل صوب.. بضاعة حسب الطلب في السنوات الماضية كان القارئ بصفة عامة والباحث خاصة، عندما يبحث عن عنوان نادر بسبب قدمه يتجه للباعة المتجولين، لكن حاليا اختلف الأمر وسقط مبدأ الحداثة والقدم من المعادلة التي رسمها الزبون في ذهنه، حيث أصبح إذا أراد أن يشتري كتابا أو مجلة فملاذه في الغالب البائع على الرصيف، لأنه يوفر المطلوب وبأسعار جد معقولة.. روايات حديثة وقديمة، دراسات وبحوث جامعية، كتب تاريخية ، مجلات ودوريات أدبية فصلية أو سنوية، وباللغتين العربية والفرنسية وحتى بلغات أخرى كالانجليزية والألمانية. كما أنهم يعملون في بعض الأحيان حسب الطلب من بعض الزبائن الذين يطلبون عناوين معينة ويوفرها البائع في أقرب فرصة. مصادر معروفة وأخرى عصيّة على الكشف توجهنا إلى بعض الباعة المتجولين الذين ينتشرون هنا وهناك للاستفسار عن مصدر هذه الكتب والمجلات، خاصة أن أسعارها متباينة كثيرا مع أسعار المكتبات... البعض رفض الكلام بتاتا والبعض الآخر تكلم..لكن بتحفظ .. أحمد، أحد هؤلاء الباعة المتجولين.. حدثنا عن مصادره مركزا من خلال كلامه بين الفينة والأخرى على التأكيد أنها خاصة به ولا يجب التعميم، حيث قال لنا :"إن مصادري شرعية وأنا لا أريد أن أورط نفسي مع أي كان، فقد أشتريها من عند بعض المكتبات التي تغلق بسبب انتهاء مدة التعاقد أو لأسباب أخرى حيث يضطر صاحبها للتخلص منها بأرخص الأثمان، كما أشتريها من بعض السكان في مكان عرضي للكتب؛ حيث هناك نوع من القراء لا يحب الاحتفاظ بالكتب التي يشتريها خاصة كتب الروايات، فأكيد أنني أعرض عليه ثمنا زهيدا وبما أنه لا يوجد لديه حل آخر أفضل فإنه يضطر لبيعها لي كيفما شئت ". البائع أنيس .. شاب في ال 25 من عمره رفض أن يعطينا مصدر اقتناء الكتب والمجلات التي يبيعها والمتعددة العناوين والاهتمامات، متحججا بأننا ربما نكون من الشرطة التي تطارده دوما - حسب قوله - فبمجرد سؤاله حمل كتبه وهم بالرحيل. أمثال أنيس كثيرون ولا يختلفون عن أمين، الذي وجدنا عنده روايات " أحلام مستغانمي" الثلاث (ذاكرة الجسد , عابر سرير، فوضى الحواس ) بسعر لا يخطر على بال أحد.. ثمن الرواية الواحدة 300 دينار بينما يتعدى سعرها في المكتبات 800 دينار جزائري. أمين رفض أن يسترسل في حديثه معنا طالبا منا الرحيل بعد أن عرف أننا لسنا زبائن ونريد الاستفسار عن الثمن فقط.. طقس متقلب، شرطة متربّصة.. وزبائن يتحايلون.. يعاني الباعة المتجولون العديد من المشكلات منها الطبيعية والبشرية، ففي الصيف والشتاء تشكل أحوال الطقس المتقلبة عاملا مهما ومحددا للبيع، كما أن الوقوف بشكل مستمر ومزاج الكثير من الناس في نظرتهم لهم والتي غالبا ما تترجم إلى أفعال. من أبرز المشاكل التي يعاني منها الباعة، بالإضافة إلى تحايل الكثير من الزبائن الذين يقرأون المجلات وقوفا دون شرائها مما يفقد المجلة شكلها ورونقها.. ولا يستطيعون منع الزبائن من قراءتها. أما بالنسبة لأكبر مشكل لا يمكن تجاوزه حسب أغلب الباعة المتجولين، هو مطاردة الشرطة لهم بين الحين والآخر ومصادرة كتبهم في بعض الأحيان. وأرجع بعض الباعة أن سبب مطاردة الشرطة لهم هو النظرة القصيرة التي ينظر بها البعض إلى بيع الكتب والمجلات على الأرصفة حيث يرونه مسألة غير حضارية، لكن يضيف أحد الباعة :"إنه يساهم في إيجاد عمل للشباب الذين لا يجدون عملا، كما أنه مصدر للرزق والكسب الحلال"، أما آخر فقد قال لنا "إن الشباب الجزائري كل الأبواب مغلقة في وجهه، البيع في الشوارع ممنوع، الشركات والمؤسسات موصدة أمامه.. فأين يذهب ؟..." الكتّاب وأصحاب المكتبات آراء الرفض والقبول توجهنا بالسؤال إلى بعض الأدباء الجزائريين الذين وجدنا بعض كتبهم تباع عند البائع المتجول.. منهم من رحب بالفكرة كون ما يهمه هو وصول رسالته بغض النظر عن كيفية وصولها وعن الذي يوصلها. ومنهم من رفضها لأنها حسبهم تسئ للكتاب وتفقد الثقة بين المكتبة والزبون بسبب السعر المتباين. الرأي نفسه الذي لمسناه عند أغلب أصحاب المكتبات الذين تباينت آراؤهم أيضا، فمنهم من قال إنهم لا يشكلون له عائقا كون الزبائن أيضا مختلفين فمنهم من يرتاد المكتبات ومنهم من يتجه إلى الأرصفة، أي لكل محل زبائنه.. غير أن هذا الرأي لا يشترك فيه أغلب أصحاب المكتبات الذين يرون أنه وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة للقراء، فإنهم يبحثون عن الكتب بأقل الأسعار وبالتالي يتجه مباشرة إلى الكتب المعروضة على الرصيف، مما يؤثر على سمعة المكتبات وعلى دخلها . وزارة الثقافة تشجع الظاهرة وتصفها ب"الصحية " أبدى السيد ياسر عرفات قانة، المدير الفرعي للكتاب بوزارة الثقافة، استحسانه لظاهرة الباعة المتجولين، وقال إنها ظاهرة صحية وتعبر عن مدى تطور الفكر الإنساني والحضاري، حيث في المدن العالمية الكبرى تنتشر هذه الظاهرة.. فلماذا نرفضها نحن الجزائريين يضيف السيد قانة الذي كشف أن وزارة الثقافة شرعت في تشجيعها وتعميمها على باقي ولايات الوطن من خلال منح رخص للباعة المتجولين أو ما وُسم بالمكتبات المتنقلة. وفيما يخص مطاردة الشرطة لهؤلاء الباعة فقد قال إنه نادرا ما يحدث هذا الأمر، وذلك لسبب يخص ذلك البائع فقط أي كأن يشتكي منه الجيران أو لتصرف خاطئ قام به مع المارة ولا علاقة لما يبيعه بالشرطة. كما نفى أن يكونوا مطاردين بسبب تشويههم للمنظر الحضاري لمدينة الجزائر كما يدّعي بعضهم، وأن الوزارة تشجعهم وستدعمهم حيث أنها تفكر في إنشاء ساحة كبيرة يلتقي فيها هؤلاء الباعة لعرض كتبهم . ... وللقارئ رأيُه محمد .ل / طالب "أنا زبون دائم وكلما وجدت بعضا من الوقت أتجول بين معروضات هؤلاء الباعة الذين يسهلون علينا عملية البحث كثيرا، فهم يوفرون لنا كل ما نحتاجه " وأضاف أنه يستطيع شراء مجلة أو أي كتاب في الشارع دون الذهاب إلى المكتبات، بالإضافة الى أنه إن لم يجد المطلوب فإنه يعطي اسمها إلى البائع ليحضرها له في أقرب وقت وبسعر أقل من المكتبات بكثير" . سمية. ذ /ربة بيت.. "أنا قليلة الذهاب إلى المكتبات بفعل الأشغال المنزلية الكثيرة، والتي لا تنتهي. وبما أن هؤلاء الباعة متواجدون في الأسواق وفي الشوارع التي أمرّ بها عندما أذهب إلى السوق أمرّ بهم لأشتري بعض الكتب الدينية، وكذلك كتب الطبخ والحلويات هذا بغض النظر عن الأسعار المناسبة والمغرية والتي تحببك في اقتنائها وقراءتها ". عماد الدين .خ / موظف.." بالرغم من أن البعض يرى أن طريقة عرض الكتب على الرصيف تسيء للكتاب إلا أنني أراها تخدم الكتاب، ففي ظل ارتفاع الأسعار في مختلف المواد الغذائية لا أظن أنه يوجد من يزور المكتبات لاقتناء ما تزخر به خاصة وأنه أصبح سعر الرواية الواحدة يفوق في بعض الأحيان ال 900 دينار.. ولأن الكتب متوفرة على الأرصفة يسهل أمر رؤيتها والالتقاء بعناوينها، مما يدفعك على الأقل إلى الاستفسار الذي قد يشجعك على شرائها دون السؤال عن مدى الاستفادة منها ". أمينة .ل / أستاذة باحثة .. الأستاذة أمينة تدرس بجامعة الجزائر وتحضر لرسالة الدكتوراه.. صادفناها وهي تقتني بعض الكتب من البائع المتجول بالقرب من مدخل الجامعة.. صرحت لنا أنها تحب الشراء من عندهم وتتردد كثيرا عنهم لأنهم يوفرون لها مختلف الكتب والروايات، خاصة بعض المصادر التي تعتمد عليها في بحثها والغير موجودة في المكتبات، هذا بغض النظر عن أسعارها الزهيدة في غالب الاحيان". آية/ طالبة.. هناك من لا يعرف محتوى الكتب المعروضة على الأرصفة أصلا ، وعندما سألناهم تفاجؤوا كونهم لا يعلمون أن أسعارها منخفضة مقارنة بالمكتبات. من بين هؤلاء أمينة، طالبة في قسم الترجمة بجامعة الجزائر، والتي أسرت لنا أنها تسمع عن تنوع العناوين المعروضة وعن أسعارها الزهيدة لكن لم تجرب يوما الشراء من عندهم .