لا شك أن الكثير منا يدرك خطورة ركون الناس إلى الغيبيات البعيدة كل البعد عن الغيب، والتي يتم الشرعنة لها من خلال أشخاص ظاهرهم التواضع والتقوى، وزبيبة الصلاة كما يقول عادل إمام بادية على جباههم، فما إن تقترب منه حتى ترى تلك اللؤلؤة السوداء على جبهته، والتي يفسرها علماء الآثار وما قبل التاريخ بأن دوائرها الداخلية تعبر عن عدد سنين الصلاة، رغم أنني أعرف شخصيا شخوصا كثرا، أقلهم له خبرة تفوق الستين سنة في الصلاة ولا أثر لتلك الزبيبة على جباههم. وفي هذا المقام أتذكر بكل ألم كما يتذكر الكثيرون تلك الموجة التي صاحبت ما عرف بالصحوة الإسلامية، وكيف كان الناس يتهافتون على بعض الناس المخصوصين والمختصين في إخراج ''الزبيبة'' على الجباه، بسعر يتراوح بين ''في سبيل الله'' إلى 10 و50 دينارا للزبيبة، وعدد دوائر الخبرة فيها بالصلاة التي تعبر عن سنين ممارستها وفقا بطبيعة الحال لعلماء جيولوجيا الجباه وأعماق محيطات العرق، وكثيرا ما كان الصلّع يعانون لعدة أسباب نتركها لأيام أخرى، فضلا عن رواج تجارة زرع ''الزبيبات'' جمع ''زبيبة''، والمنافسة الشرسة بين ممارسي هذه المهنة غير الشريفة على وزن فعاعلة وفعّال وفعّالون. ومن محاسن الصدف أو مساوئها أن تصبّح على رجل أو جار أو صديق نقيّ الجبهة، وتمسي عليه موشحا ب ''زبيبة''، وتمسي على آخر بجبهة عذراء، وتصبح عليه ''مزبّبا''، حتى أن الأطفال ورطوا وانخرطوا في هذا الأمر الجلل، اعتقادا منهم بأن ''الزبيبة'' مرادف لقول الله عز وجل ''سيماهم في وجوههم''، وفسرها المعتوهون من أمثال هؤلاء بأنها ''الزبيبة'' التي يطلق عليها في بعض أنحاء الوطن ''كعبة السجود'' مع اختلاف في موضعها أفي جبهة الرأس أم في الأرجل. فتجد الطفل لم يبلغ الفطام ب''زبيبة'' تعبر عن أكثر من عشرين سنة خبرة في الصلاة، ناهيك عن كثرة منهم غطت ''الزبيبة'' كامل جباههم، وهم ببراءتهم يعتقدون أن أقصر الطرق إلى الجنة ''الزبيبة'' وما فوقها وما تحتها. والغريب في الأمر ، والذي أزني إلى الكتابة في هذا الموضوع ودفعني إليه دفعا، هو تبوء جملة من هؤلاء الفعالين والفعالون صفحات الجرائد، وادعاء كثير منهم القدرة على تفسير الأحلام والمنامات والرؤى، فتجده في الجريدة الفلانية والصحيفة العلانية والأسبوعية الفلتانية، يبيعون الهواء في ''الصاشيات''، ومن لم يفلح في علوم ''الزبيبة'' كيف له أن يفلح فيما هو أعظم منها. وأنا أقرأ لبعضهم، وأعرف قطاعا منهم عز المعرفة أكاد أصاب بالغثيان، من تصرفاتهم التي يبيعون بها ''الخرطي''، ويروجون لدجل وشعوذة من نوع آخر تحت مسميات تفسير الأحلام، على وزن ''أعرف نفسك من برجك''، حالهم كحال من اشتكى لفقيه الكوابيس التي يراها في منامه، حتى أن شاحنة نصف مقطورة تدهسه بشكل يومي، فكتب له الطالب ''حرزا''، فتوقف الكابوس. وقاد الفضول ''المحروز'' لمعرفة سر ما في ''الحرز'' ليجد الطالب قد استولى على صلاحيات الشرطي المخفي، وكتب له فيه ''قف''، ويبدو أن الحرّاز قد توعد سائق الشاحنة ب''الفوريار'' إن واصل خرقه لقانون مرور عالم العجائب لأليس ، والحمد لله أن الله نجى النساء من موضة ''الزبيبة'' وجعل فتنتهم في أشياء أخرى ولمآرب أخرى أيضا.