عندما تلمح تضاريس وجهه لأول مرة فإنك لن تدرك فعلا أنه يتذوق أبجديات الكتابة الادبية، لكن بمجرد ما تجالسه وتدقق النظر في عينيه حتى تتولد لديك أحاسيس بأنك تجلس إلى شخص موهوب يخفي الكثير عن مستواه الذي تتمازج فيه الاختصاصات، ولا تلبث أن تجد نفسك أمام مبدع على قدر كبير من التألق الادبي والسحري. إنه الشاعر عصام الدين أبو يوسف، موظف مختص في علم الاقتصاد وشاعر مليء بالحلم يستعد إلى طبع دواوين شعرية تترجم وقفات من حياته، بالاضافة إلى الخوض في عالم الرواية للخروج عن روتين العمل الاداري الذي يرى بأنه قتل فيه عاطفة الكتابة، وهو الذي قال إذا كانت المرأة تلد أرواحا فالرجل يعتصر كلمات ليست كالكلمات. بداية هل لك أن تروي لنا قصتك مع عالم الأدب؟ هي قصة حميمية وطريفة في آن واحد، مازلت أذكر أحداثها منذ البداية عندما كنت تلميذا في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي، أسترق همس وجهر المعلمين حين يتعلق الامر بأسماء المؤلفين وعناوين القصص التي جلبت إلى المدرسة بغرض إعارتها للتلاميذ لتمكينهم من رفع المستوى اللغوي والأدبي، وكان حينها المعلم بغدادي هو أول من شجعني على القراءة فكانت بدايتي موفقة وممتعة مع كتاب ''أسد بن الفرادت'' ثم شجعني على ذلك الاستاذ الفلسطيني الحنطي في مرحلة المتوسط الذي نمى في نفسي ذلك الحب الكبير للغة العربية والشعر. وماذا عن ميولاتك الشعرية؟ إن أول من حرك في ذاتي مشاعر حب التغني بكل ما هو جميل في هذا الوجود، هو أبي رحمه الله الذي حثني على تعلم اللغة العربية التي كان يرى فيها قوام العلم، وقد وجدت فيها تهذيبا للذوق ورفعة للمشاعر. وما نوع الشعر الذي يجد أبو يوسف نفسه فيه؟؟ لا يمكنني حصر نفسي في زاوية معينة، ولكن يمكنني القول إني أجد نفسي في نهر من الابداع الجميل والمتنوع، ولا أخفي عليك بدني يقشعر وأنا أعيد أغنية ''جاءت معذبتي'' التي غنتها المطربة فيروز، أو أغنية ''الاطلال'' التي غنتها الفنانة الكاملة أم كلثوم. فأنا أتذوق كل فن غنائي جميل بالإضافة إلى شعر نزار والمتنبي ومفدي زكرياء. وأذكر أنني جعلت جزءا من إلياذة الجزائر كمقدمة لمذكرتي لدى تخرجي في التسعينيات للحصول على شهادة ليسانس في اقتصاد الصحة. ما العلاقة التي تربط جيلك بالشعر والقراءة؟ جيلنا كان يعيش متطوعا ومهيكلا لفعل الخير، لذلك كان ميوله للقراءة كبيرا فكان يتنافس على قراءة الكم والنوع، وكان يشعر بما يقرأ، بل يستمتع بما جاء فيه من جماليات الإبداع والكتابة، ويتأثر بالقصص من دون تفريط في الدراسة، على غرار جيل اليوم الذي أثرت فيه عدوى تفضيل الحيثيات المادية على المطالعة وصقل الذات. متى تكتب أو بالأحرى من أين يأتي الإبداع؟ الإبداع مصدره الألم والمعاناة، فإذا كانت الثورة، كما يقال، تولد من رحم الأحزان فإن الأدب يولد كذلك، ومثلنا في هذا شاعرنا الفذ ''مفدي زكرياء'' مجنون الثورة، ونزار قباني شاعر المرأة الذي تسببت في جنونه الإبداعي أخته بانتحارها، وعنتر بن شداد في شعره عن عبلة، دون أن ننسى ''بودا'' الذي تحولت به الحياة إلى مبدع بعد أن نزل من مقام الترف إلى مقام الإنسانية والحياة البسيطة التي وجد فيها نشوة العيش. ما هي أمنيتك في الحياة؟ أمنيتي أن أكمل الدكتوراه، وأقتحم عالم الكتابة لإخراج الهواجس التي تلملم كياني في اللامكان في شكل دواوين وقصص. غير أني أأسف على جيلي الذي كان مبدعا ولم تترك له الحياة بدّا لطبع مشاعره الرقيقة الدافقة، الإنسانية على بيض الصفحات، هذا وإن كانت كتاباتي لم تعرف النور بعد في شكل كتب ودواوين. كفى شنقت عيون مدينتي كبلت قلوبنا ذعرا.. صدمنا ورحلنا بلا موت واستبذلت أرواحنا بالظلال أين هو مفدي والشابي وبوحيرد أين الزغاريد والتهاويل أين التسابيح والبسمات آه رحت عنا يا زمن البرانيس والسبح ولم يعد في الميزان سوى الفل ...الدماء تقودنا إلى معانقة الموت وعدتَ يا وطني فحمدا .. بكينا من الوفى وانشرحنا فطوبى يا بهجة الفحول طوبى لك بسمة يا وطني عصام أبو يوسف 1992