توقف مراد وزناجي في كتابه ''حديث صريح مع الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله ... في الفكر والثقافة واللغة والتاريخ''، الصادر عن منشورات الحبر، عند أهم المحطات التاريخية في حياة المؤرخ والمفكر الدكتور أبو قاسم سعد الله انطلاقا من بيئته الصحراوية ''وادي سوف'' وبالضبط قرية البدوع التي ولد وترعرع فيها في ظل ظروفها المناخية القاسية. تعلم في جامعها الصغير أول حروف اللغة العربية التي برع فيها مرورا بمعهد عبد الحميد ابن باديس ومنه إلى جامعة الزيتونة حيث تعلم أصول العلم ومبادئ الشريعة الإسلامية السمحة وعلم المتون وقواعد اللغة العربية الصحيحة بتشجيع من والده. يعد سعد الله، حسب ما جاء في المؤلف، من الأعلام الذين أنجبتهم الجزائر وتركوا بصمتهم الذهبية على صفحات سجلها الذهبي الذين ساهموا في وضع اللبنة الأساسية لبناء هذا الوطن. أبوقاسم سعد الله مفخرة للأجيال على مر التاريخ حيث يعد أول من تحصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ. يقول وزناجي ''قضى كل وقته في جمع المادة التاريخية وتنقيحها وتفصيلها ومقارنتها بالمعلومات التي تحصل عليها من خلال رحلاته عبر العالم حيث عمل مستكشفا ومنقبا. له العديد من الأعمال القيمة التي أثرت المكتبة الجزائرية حتى لقب ب'' شيخ المؤرخين''، و هو '' قدوة الباحثين'' ومرجع للدارسين والمختصين في ميدان التاريخ فيما بعد . وهذا الكتاب الذي هو بين أيدينا عبارة عن حوار أجراه مراد وزناجي حيث استطاع هذا الأخير استنطاق فارس من فرسان الفكر الجزائري ولسان حال لمجتمعه وتاريخه المجيد، رغم تحفظ أبي القاسم عن إجراء حوارات صحفية كما أفاد به وزناجي خوفا من تحريف كلامه عن موضعه كما فعل بالكثيرين من أمثالهم. كما أدرج وزناجي تقييم ''أبو القاسم سعد الله'' لحركة الترجمة في الجزائر والتي وصفها بالضعيفة، مرجعا ذلك إلى سببين إما لعدم إتقان المترجمين الجزائريين للغة العربية أو لعدم اختصاصهم في الموضوع، مشيرا إلى أن معظم المترجمين الجزائريين قد فهموا أن الترجمة وسيلة من وسائل أكل الخبز وتدبير الرزق وأن كل من يأنس من نفسه أنه مزدوج اللغة، حسب سعد الله، يظن أنه قادر على عملية الترجمة، ولم يأخذوا، يقول أبو القاسم، عنصر الترجمة على أساس أنها فن وإبداع ورسالة حضارية سامية. كما أعاب أبو القاسم سعد الله استنادا إلى ذات الكتاب أصول الترجمة في الجامعة الجزائرية التي أضحت، حسبه، تترجم في شكل نصوص أو نقل فوري. ويبقى أبو القاسم سعد الله غايته الحقيقة، وسيلته البحث والاستكشاف وخصلته التواضع وحسن الإصغاء نبراسا منيرا وعقلا متزنا لا يعرف الكلل وجسد هرم لا يعرف الراحة وقلم سيال لا يعرف الجفاف إليه طريقا.