راهن على تبييض صورة أمريكا لدى العالم الإسلامي شكلت زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى القاهرة، في 4 جوان الماضي، محطة حاسمة في حملته للفوز بالجائزة، ومن قاهرة المعز عاصمة العروبة والإسلام، خاطب العالم العربي. ولهذا الاختيار أسبابه الظاهرية والخفية. أوباما ذاته ذهب قبل ذلك إلى تركيا لإلقاء خطاب قال إنه موجه للعالم الإسلامي. فما هو إذن السبب الذي استجد ليتخذ أوباما من القاهرة مكانا لتوجيه رسالة جديدة، هل فشلت الرسالة التركية في تحقيق أهدافها؟ ومن يضمن أن تنجح رسالة أوباما من القاهرة في تحقيق تلك الأهداف؟ لقد أدرك أوباما أن دور ومكانة مصر لا يضحي بظهوره بمظهر المتخلي عن الليبراليين المصريين والعرب ويشوش على ما يزعم من مبادئ حول الحرية، ويعطي الفرصة لمنتقديه باتهامه بالبراغماتية، وينسف كثيرا من مصداقيته حين يدعم نظاما سياسيا متهما بالفساد والديكتاتورية ويجعل عاصمته منبرا للحديث للعالم العربي والإسلامي، إلا إذا كان يريد هدفا آخر أكبر من كل ذلك بالنسبة له أو للمؤسسة الأمريكية صاحبة القرار الحقيقي في واشنطن. عندما نشرت مجلة ''نيوزويك العربي'' تحقيقاً عن السيناتور باراك حسين أوباما، الأسود ذي الأصل الإسلامي، وجعلت صورته على الغلاف قبل أكثر من عام ونصف العام من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كان الهدف من تلك العملية تسويق مشروع أمريكي جديد يغطي الفشل المحقق في حرب واشنطن على الإرهاب، خاصة أن خطابا جديدا مستفزا للوجدان العربي والإسلامي، ويندرج في سياق عملية غسيل لوجه أمريكا القبيح، بات أكثر من ضروري. ولذا، فإن صناع القرار في أمريكا استغلوا قدراته الشخصية وذكاءه وساعدوه أو غضوا الطرف عنه في طريقه إلى البيت الأبيض، لأن أوباما بهذه المواصفات هو رجل المهمات النوعية الذي سيحقق نوعاً من الحلول الممكنة مع الإيرانيين، وهو الذي يحمي إسرائيل من نفسها ومن حماقات المتطرفين الإسرائيليين الذين وصلوا إلى السلطة في إسرائيل في الانتخابات الأخيرة، وإذا ترك لهم الأمر فإنهم سوف يدمرون إسرائيل بحماقاتهم، كما كاد اليمين الأمريكي المتطرف يدمر أمريكا إبان عهد جورج بوش الابن. ينطلق أوباما من هدف إنقاذ إسرائيل من نفسها لتستمر في خدمة المشروع الأمريكي والأوروبي، وأنها مهددة بالزوال بالفعل إذا استمر أسلوب استفزاز المشاعر الفلسطينية والقومية العربية والوجدان الإسلامي، لأن ذلك سيعطي مددا كبيرا لحركات المقاومة الإسلامية وغير الإسلامية. ومهما كانت الوسائل والطرق، فإن العمليات الاستشهادية أو الضرب بالصواريخ الصغيرة أو وسائل أخرى مستجدة سوف تتزايد، ومن الضروري وضع حد لذلك عن طريق نوع من التسوية، وأنه قد ثبت علمياً أنه لا الجيش الأمريكي أو الإسرائيلي أو كل جيوش العالم قادرة على إنهاء المقاومة، وقد ثبت ذلك عملياً في حرب صيف 2006 في لبنان، وحرب أو مجزرة غزة 2009 وأن الطريق الوحيد المتاح الآن هو إنشاء دولة للفلسطينيين تحت السيطرة الأمنية والاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية، تقوم فيه سلطة فلسطينية مهمتها حراسة إسرائيل من المقاومة، وأن يكون ذلك بضمان عربي يحقق الأمر ذاته، على أن تتضافر الجهود العربية والفلسطينية والدولية في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه وتحقيق نصر إستراتيجي غربي أمريكي إسرائيلي على ذلك الإرهاب. ومن أجل هذه الغاية، فإن المقررين الأمريكيين لا يمانعون حل الدولتين، لأنه في المقام الأول إنقاذ لدولة إسرائيل من الزوال، وثانيا مطلب ضروري وحيوي للأمن القومي الأمريكي.