هو أول من أوصل السينما العربية إلى درجات العلى وجعلها ندا للسينما العالمية وحرك هواجس سيكولوجية الإنسان العربي، ودافع عن القيم الإنسانية والجمالية، هو العربي ذو الصيت العالمي الذي شرب من ماء وادي عبقر، يوسف شاهين ذاك المبدع والعلامة البارزة في الساحة الفنية العربية والعالمية اتسمت أعماله بأبعاد انسانية وحضارية، هو الذي حمل الهم العربي واخترق كل الحدود بابداعاته وأعماله التي تزخر بها مسيرته الفنية.. هو الذي ضرب الأعراف والمألوف عرض الحائط.. عرف بنظرته الفنية العميقة للواقع المصري والعربي، مما جعله يسلك مسلك الناقد المحترف، وتجلى ذلك في أفلامه التي جسد فيها واقع المجتمع العربي بلغة سينمائية متطورة وبأسلوب فني متميز وراق، لا يمكن لمتتبع أفلامه إلا أن يستنبط موهبة الفنان وبراعة المخرج .. أعماله مرآة عاكسة لمدى تطور الوعي الفكري والفني والسياسي لدى هذا الفنان الذي طبعت أعماله السينما العربية والعالمية طيلة نصف قرن وكلها خصال فنية وإبداعية لطالما عكستها شخصية يوسف شاهين. ------------------------------------------------------------------------ من هو يوسف شاهين؟ ------------------------------------------------------------------------ اسمه الحقيقي جبريل شاهين من مواليد 25 جانفي 1926 من أب وأم مسيحيين نشأ وترعرع بمدينة الإسكندرية، فقد كان هناك خمسة لغات يتم التحدث بها في بيت يوسف شاهين. ينتمي شاهين إلى الطبقة المتوسطة رغم ذلك فقد زاول دراسته في المدارس الخاصة، منها مدرسة فيكتوريا حيث تحصل على الشهادة الثانوية، بعدها انتقل إلى جامعة الإسكندرية ومن ثم سافر في رحلة علم ومعرفة قادته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأمضى بها سنتين في دار بسادينا المسرحية فتمكن من دراسة فنون المسرح وصناعة الأفلام الدرامية. ------------------------------------------------------------------------ يوسف شاهين وعالم السينما ------------------------------------------------------------------------ بعدما استكمل شاهين دراسته بالولاياتالمتحدةالأمريكية قفل عائدا إلى بلده الأم مصر، وبدأ يراقب عن بعد حركة السينما المصرية، وواصل رحلة البحث عن اليقين الذي يستطيع بموجبه احتواء عالم الفن السينمائي، وراح يبحث عمن يأخذ بيده ويلج به معترك هذا العالم المليء بالغرائب والمفاجآت، ووجد ضالته بمساعدة مصور سينمائي يدعى ألفيز أورفانيلّي فتكمن في ظرف قياسي من استيعاب أصول الصناعة السينمائية، وكان ''بابا أمين'' أول فيلم انطلق به شاهين في حقل الاخراج وكان ذلك عام ,1950 وبعد عام واحد شارك فيلمه ابن النيل (1951) في مهرجان أفلام كان بعدها توالت عدة منتجات سينمائية ذات قيمة وشهرة عالمية. ------------------------------------------------------------------------ مواقف شاهين من نظام الحكم المصري ونبذه للفكر الأصولي: ------------------------------------------------------------------------ يعد يوسف شاهين من ألمع وأبرز المخرجين العالمين لاهتمامه بالقضايا الانسانية فهو لم يخرج فيلما إلا وأثار زوبعة في أوساط الساحة الفنية والشارع العربي. وقد أبدى شاهين عبر أفلامه مواقفه السياسية المعادية لنظام بلده مصر حيث أعرب عن ازدرائه للرئيس المصري حسني مبارك، كما كان معاديا للفكر الأصولي في بلاده وهاجمه في العديد من المواقف، واعتبرهم كقوة مدمرة ورجعية، وبلغ حد هذا العداء لدرجة انزعاجه من صوت آذان الصلاة الذي يعلو عبر مكبرات الصوت في مساجد القاهرة، حيث يشعره ذلك بالغضب الشديد كونه يقطع عليه حديثه مع الآخرين كما أبدى تذمره من قضية الحجاب وانتشاره في الوسط الفني العربي. وراح يقول سأشتري مكبراً للصوت أكثر قوة لبث موسيقى أمريكية بصوت عال جداً.. أعلى من صوت المؤذن، وامتدت شبكة عداء شاهين التي نصبها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث يرى أن التعصب السياسي وانحياز وسائل الاعلام يغذي مشاعر كراهية العرب، ويشعر شاهين بالقلق مما يعتبره تصاعدا في تيار المحافظين المسيحيين بالولاياتالمتحدة. ونتيجة لجرأته فقد خلق لنفسه أعداء مما جعل المحامين الأصوليين يعتبرون تصوير فيلم ''المهاجر'' تعديا وخرقا لحرمة الدين الاسلامي. ------------------------------------------------------------------------ أهم أعماله ------------------------------------------------------------------------ أنتج شاهين ما يقارب 37 فيلما طويلا وخمسة أفلام قصيرة وهي أفلام كلها مثيرة للجدل، وهي ميزة المخرج يوسف شاهين ويظهر ذلك جليا في أفلامه آخرها ''هي فوضى'' الذي أخرجه رفقة زميله يوسف خالد والذي طاله مقص الرقابة وزارة الداخلية المصرية. ومن أهم الأفلام التي قام يوسف شاهين بإخراجها ''الناصر صلاح الدين'' الذي أنتجه عام 1963 عن البطل المغوار الذي قهر جيوش الفرنجة ودافع عن أسوار وحرمة بيت المقدس، حيث استطاع أن يخوض تسع حملات صليبية بقوة لدفع الضرر على المسلمين، إلى جانب إنتاجه لعدة أفلام مكنته من الحصول على عدة جوائز عالمية. منها على سبيل المثال ''سيدة القطار''، ''المهرج الكبير''، ''نساء بلا رجال''، ''صراع فى الوادي''، ''شيطان الصحراء''، ''''جميلة الجزائرية''، ''الناصر صلاح الدين''، ''بياع الخواتم''، ''فجر يوم جديد'' ''الأرض''، ''العصفور''، ''عودة الابن الضال''، ''اسكندريه ليه؟''، ''حدوتة مصرية''، ''وداعًا بونابارت''، ''اليوم السادس''، ''اسكندرية كمان وكمان''، ''الآخر''، ''سكوت ح نصور''، ''اسكندرية نيويورك''، وأخيراً ''هى فوضى'' الذى شاركه إخراجه أحد تلاميذه المخرج خالد يوسف. ------------------------------------------------------------------------ موقف يوسف شاهين من القضية الجزائرية ------------------------------------------------------------------------ أبدى المخرج يوسف شاهين نيته الصادقة في مناصرة الشعب الجزائري الثائر ضد التواجد المستعمر على أرضه، حيث انبهر بشجاعة هذا الشعب خاصة العنصر النسوي وحتى يثبت ذلك فقد قام بإخراج فيلمه الشهير ''جميلة الجزائرية'' حيث حيّا فيه روح النضال التي ميزت المجاهدة جميلة بوحيرد التي تعرضت لأبشع صور التعذيب من قبل الإدارة الفرنسية، واختار لتجسيد هذا الدور الفنانة القديرة ماجدة وكان ذلك عام 1958 . والمتتبع لهذا الفيلم يلاحظ أن شاهين لم يقدم تحليلا للقضية الجزائرية إنما عالج الأمور بروية بحيث استطاع أن يشحذ الهمم ويعبئ النفوس الجزائرية بخاصة والعربية عامة كما كان للجزائر عظيم الشرف باشراك مصر في نتاج فيلم ''العصفور'' وهو الفيلم الذي يروي فيه المخرج المصري شاهين سيرته الذاتية. ------------------------------------------------------------------------ زيارة شاهين إلى جزائر الاستقلال ------------------------------------------------------------------------ كانت آخر زيارة قادت المخرج شاهين إلى الجزائر في شهر ديسمبر 2004 حيث زار خلالها وزارة الثقافة كما حضر عرض آخر أعماله. ------------------------------------------------------------------------ جوائز يوسف شاهين ------------------------------------------------------------------------ حصل شاهين خلال مسيرته الفنية الحافلة بالأعمال القيمة على جوائز عديدة حيث نال مقابل أعماله السينمائية الشيقة التي أثرى بها السينما المصرية والعربية على السواء عدة ألقاب وأوسمة عالمية، ففي عام 1970 حصل على الجائزة الذهبية من مهرجان قرطاج وحصل على جائزة الدب الفضي في برلين عن فيلمه إسكندرية ليه؟ (1978)، وهو الفيلم الأول من أربعة تروي حياته الشخصية، الأفلام الثلاثة الأخرى هي حدوتة مصرية (1982)، إسكندرية كمان وكمان (1990) وإسكندرية - نيويورك (,2004 كما فاز بجائزة اليوبيل الذهبي من مهرجان كان في عيده ال 50 عن فيلمه المصير (1997)، منح مرتبة ضابط في لجنة الشرف من قبل فرنسا في .2006 كما قررت الهيئة المنظمة لمهرجان السينمائي الدولي إهداء طبعته الجديدة إلى المخرج يوسف شاهين. من جهتها أعلنت الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما التي تنظم المهرجان أن تهدي هي دورة المهرجان السابق إلى المخرج العالمي يوسف شاهين تقديرا وعرفانا له بالمجهودات الجبارة التي قدمها للسينما العربية كافة. ------------------------------------------------------------------------ مرضه ------------------------------------------------------------------------ في مساء يوم 15 جوان ,2008 أُصيب يوسف شاهين بنزيف متكرر بالمخ، حيث تم نقله على جناح السرعة إلى المستشفى الأمريكي بفرنسا حيث خضع لعملية جراحية لوقف نزيف المخ الذي استمر ثلاثة أيام متواصلة، ثم أعيد إلى وطنه مصر وأدخل إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي حيث لفظ أنفاسه الأخيرة بعد صراع طويل مع المرض ليغادر يوسف شاهين هذا العالم عن عمر يناهز 82 سنة تاركا وراءه سجلا حافلا بالأعمال الفنية التي أثرت الساحة الثقافية عربيا وعالميا.