خرجت إلى شوارع العاصمة جماهير نسوية غفيرة، مباشرة بعد إطلاق الحكم صفارة نهاية المقابلة، وعلت الزغاريد والأهازيج الأجواء، وغلبت الفئة النسوية باختلاف أعمارها ومستوياتها الاجتماعية، من حيث حضورها، المناصرين الشباب الذين تواجد غالبيتهم في العاصمة السودانية الخرطوم، مؤكدات للبشرية قاطبة أن الجزائر وإن غاب رجالها حضرت نساؤها. المناصرة في الجزائر ليس للرجال فقط ساندت الجزائريات منتخبنا الوطني لكرة القدم وأزحن عنها الطابع الذكوري مكسبات إياها صفة العمومية والسواسية، حيث تابعت الجزائريات المقابلة الفاصلة بين الفريق الوطني ونظيره المصري من بدايتها إلى نهايتها، مظهرات براعة في إبداء التعليقات على تقنيات اللعب، وكأنهن صرن خبيرات في كرة القدم، الرياضة التي كانت وإلى وقت غير بعيد حكرا على الجنس الخشن ومرتبطة بالرجولة. ما إن أطلقت صفارة نهاية المباراة حتى امتلأت شوارع العاصمة بالمناصرات، اللواتي لم تمنعهن القيود الاجتماعية من ممارسة حقهن في الفرحة والاحتفال. وتواصلت احتفالاتهن كل واحدة على طريقتها وإمكانياتها، فحتى وإن لم تكن مالكات السيارات لتتنقلن بها وتجبن مختلف الشوارع وتملأن سماءها بأبواق السيارات فإنهن مشين ومشين لساعات متأخرة من الليل غير واضعات أي اعتبارات، وكأنهن تكررن بذلك ما فعلته أمهاتهن وجداتهن ذات جويلية من عام 1962 محتفلات بانتصار الجزائر واستقلالها. فلم تنم الغالبية العظمى من نساء الجزائر من فرط فرحتهن بما صنعه رجالها وأبناؤها ولا التعب أو النعاس حال بينهن وبين الوقوف ليوم آخر والرقص والغناء في انتظار عودة الأبطال واستقبالهم استقبال ''المحاربين'' واستقبال'' الأسياد''، تخلين عن كل مسؤولياتهن الاجتماعية ملبيات نداء الواجب واجب المناداة بأعلى صوت وبكل فخر واعتزاز ''وان تو ثري فيفا لالجيري'' والافتخار بالبطل الجزائري الأصيل عنتر يحيى، مبدعات في الترديد'' الجزائر تحيا بعنتر يحيا'' وهن تصنعن ديكورا ولوحة فنية بكل عفوية وتلقائية عبر ساحة البريد المركزي وساحة أول ماي والساحات العمومية الكبرى. رددن بكل قوة: ''يا الدولة شوفي لينا وللمطار أدينا ... نشوفو عنتر يحيى بعينينا'' حظي المنتخب الوطني الجزائري لكرة القدم يوم الخميس بالمطار الدولي هواري بومدين باستقبال رسمي وجماهيري كبير وسط الأهازيج والزغاريد بعد أن أدت فرقة الحرس الجمهوري ''من جبالنا''، ثم صعد عناصر ''الخضر'' فوق حافلة تمت تهيئتها بهذه المناسبة منهم عنتر يحيى ومطمور وشاوشي وغزال، وعلت وجوهم ابتسامات عريضة وبدت البهجة والسعادة على محياهم بعد أن حققوا إنجازا تاريخيا لتنقلهم إلى الجزائر العاصمة. وما شد الأنظار إلى الجماهير المناصرة هو نوعيتها، فوقفت المتحجبات إلى جانب الشباب وقفة الرجال وحتى المنقبات استبدلن نقابهن بعلم الجزائر والوشاحات الخضراء التي غطين بها وجوههن بكل ثقة أنها ستستره وتحفظه كما ستر أبطال الجزائر بألوانهم الخضراء وصانوا كرامة الجزائر ورفعوا رايتها، ولم تكتفين بالوقوف على أرصفة الشوارع والتصفيق فحسب بل رددن نداءاتهن على السلطات لتمكينهن في ساعات مبكرة من نهار الخميس للتنقل إلى مطار هواري بومدين لاستقبال ''أسود الصحراء'' مناديات ''يا الدولة شوفي لينا وللمطار أدينا ... نشوفو عنتر يحيا بعينينا''، وكان التواجد النسوي بالمطار قوي جدا ولافتا ومثيرا لتعليقات وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي أشادت بوقوف الجزائريات وقفة المناضلات إلى جانب أبطال وطنهن.