لأشد ما تفاجئك الوردة التي كنت تنتظرها ممن تعتقد أنه أهل للمعاملة المثلى والأخلاق الإنسانية الراقية بحجرة تأتي على أم رأسك فتفجخه كما يقال في جزائر الثوار، وما اعتقدت أن كثيرا ممن يزين لك القول ويذيبك بكلام معسول، وهي محمدة لدى أسوياء الخليقة، لكنها مذمة لدى الكثير ممن تربى تحت القهر، فتركت في جيناته بذورا من التلون والالتواء ولا أقول شيئا آخر، وهي بحاجة ربما إلى زمن تكونها حتى تعود الفطرة إلى أصلها الصافي النقي، ولنا في تيه قوم موسى أربعين سنة عبرة. ذلك التيه في صحراء سيناء التي نحا المفسرون فيها قائلين : إنه حتى ينقرض الجيل الذي شهد العذاب والعبودية والقهر تحت مطاوي وجلادي فرعون، وينشأ جيل ما ألف القهر ولا العذاب ولا الهوان ولا الذلة، وهو الكفيل بطرد ومحاربة المغتصبين للحقوق والمستبدين برقاب الخليقة. ويظهر أن الهستيريا التي تأتي على فئة ما تحصد الرؤوس جميعا فيستوي بائع الفول والراقي إلى أعلى درجات المعرفة والعلم ، ويظهر أن العداوة التي تستبد بمثل هؤلاء لا تترك مكانا لشرف الخصومة، فإذا عاملت بالمثل فلتكن هذه المثلية شبيهة بضدك لكن أن يعمد غاضبون من العامة إلى حرق علم أم الدنيا ، فتثور ثائرة القوم هناك فيحرقونه ومن يتولى حرقه هذه المرة هم المحامون الذين يسبرون أغوار القانون بمختلف تفرعاته، والعارفون جرم فعلتهم النكراء ، ويُشهدون على هذا الزور خداعا وتمويها سفير السودان الذي أحرج أيما إحراج، وهم المظنون بهم أن يكونوا نارا تطفئ لا لهبا يحرق فتلكم هي الداهية التي لا يمكن أن تفسرها إلا بأنهم ممن ذابوا هوى وغراما ليس في البلد وإنما في الوالد وما ولد.