الدولة العثمانية لم تشكك يوما في بيعة الأمير بل أحاطته بكثير من الرعاية أكد الدكتور دلاقار كرار، رئيس قسم التصوف بجامعة ''قونيا'' بتركيا، اهتمامه بترجمة كتابه حول الأمير عبد القادر إلى اللغة العربية والذي يتمثل في قراءة شاملة لكل جوانب شخصية الأمير، انطلاقا من الأرشيف الجزائري الذي لايزال في حوزة الدولة التركية. وأبرز كرار أهمية هذا الأرشيف في إظهار نقاط القوة والتميز في شخصية الأمير. هذه الأمور وأخرى حدثنا عنها دلاقار ضمن هذا الحوار الذي جمعنا به على هامش الملتقى الدولي حول رمزية مبايعة الأمير الذي احتضنته الجزائر مؤخرا. لماذا هذا الاهتمام بشخصية الأمير عبد القادر بالذات؟ - لأنه شخصية مهمة وقائد الأمة الجزائرية، شخصية متميزة من كل النواحي. جمع في شخصيته كل الطرق واستطاع أن يكون شخصية مهمة وأن يصبح اليوم نموذجا في حياتنا المادية والمعنوية والروحية. عرف بآرائه المميزة التي تركت أثرا كبيرا في تراثنا وفي العالم كله. شخصية الأمير، شخصية معروفة في كل أنحاء العالم وليس فقط الإسلامي بل حتى غير الإسلامي وهو مؤسس الدولة الجزائرية المعاصرة. برأيك كيف يمكن استثمار مسار الأمير عبد القادر في حياتنا المعاصرة؟ - اليوم بدأ أثره في البروز ولو متأخرا لأننا فتحنا أعيننا متأخرين، وبعد زمن طويل اكتشفنا أن شخصية الأمير عبد القادر لها أثر كبير على البنية التحتية لتنمية دولنا في جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية وكذا الثقافية والسياسية، لأنه ترك عديد الآثار والآراء المهمة والمؤثرة جمع فيها عصارة تجربته الإنسانية. وأنا شخصيا أسعى إلى ترجمة كتابي من التركية إلى العربية وهوعبارة عن دراسة شاملة لشخصية الأمير النموذج والتي استندت خلالها على الأرشيف الجزائري. باعتبارك رئيس قسم التصوف بجامعة تركيا. هلا حدثتنا عن مستوى الدراسات الصوفية هناك؟ وماذا عن مكانة الأمير ضمن هذه الدراسات؟ - نركز في الجامعة على البحث في الطرق الصوفية من كل الجوانب الدينية والسياسية والإبداعية. ولكن أظن أنا هذا لا يكفي حيث إننا لا نركز على دراسة نماذج تطبيقية على غرار شخصية الأمير التي تعتبر مرجعا غنيا في مجال التصوف. أرى أن المناهج التعليمية التركية غير كافية ولا تلبي طلبات الباحث في شخصية الأمير عبد القادر. وما جدوى انتهاج الطرق الصوفية اليوم في مسار العالم الإسلامي برأيك؟ - لا يخفي على أحد أن التصوف هو من أكثر التيارات تأثيرا على تكوين الشخصية لأنه يستند إلى القيم الإنسانية والإسلامية العالية، وهوما ينعكس إيجابيا على التركيبة الاجتماعية، وهوما استطاع أن يفهمه الأمير عبد القادر آنذاك ويستغله في إرساء قواعد الدولة الإسلامية المعاصرة. ومن هنا يمكننا أن نستنتج مدى جدوى الطرق الصوفية في بناء الأمم. وماذا عن الأرشيف الجزائري الذي لاتزال تركيا محتفظة به؟ - هناك وثائق كثيرة عن حياته بكل تفاصيلها منذ الصغر وحتى تسلمه القيادة وكل دواعي البيعة.. وهو ما قدمته خلال المحاضرة التي ألقيتها خلال الملتقى الدولي الذي نظمته مؤسسة الأمير عيد القادر حول رمزية المبايعة، حيث قدمت حوالي 120 وثيقة في هذا المجال وهي مأخوذة من الأرشيف الجزائري الذي لاتزال تركيا تحتفظ به ضمن أرشيفها العثماني، حيث يوجد الكثير من الوثائق الرسمية البالغة الأهمية والجد مهمة بالنسبة للمؤرخين والباحثين والطلبة الجزائريين. وعليه فنحن اليوم نتلقى عديد الطلبات من الباحثين الجزائريين الذي يحاولون الاستفادة من هذا الأرشيف الذي يبقى دليلا ماديا مهما. هل صحيح أن الدولة العثمانية كانت من بين الأطراف التي طعنت في شرعية بيعة الأمير عبد القادر؟ - بالعكس الدولة العثمانية لم تشكك يوما في بيعة الأمير بل استقبلته بكثير من الترحيب وأحاطته بكثير من الرعاية والمساندة، حيث كان بينه وبين الخليفة العثماني علاقات جد قوية وعميقة وهو ما تثبته المراسلات. كانا يتبادلان التهاني في الأعياد والمناسبات الرسمية كما خصه الخليفة العثماني بقصر ''برسة'' في دمشق وكانت الدولة العثمانية حريصة على تلبية كل طلباته. ولدي في هذا المجال كما سبق وأن قلت أزيد من 120 وثيقة. وكيف ترى العلاقات الجزائرية التركية اليوم؟ - مع أنها خفّت كثيرا إلا أنها مازالت علاقات يحكمها الاحترام والالتزام بين الطرفين خاصة على المستوى الثقافي من تبادل للثقافات والترجمات. وأظن شخصيا بأن العلاقات الجزائرية التركية جد عميقة ولا يمكن لأي كان أن يؤثر عليها بل بالعكس فهي اليوم في طريق الارتقاء أكثر