تعرف إحدى الدويرات الكائنة بشارع ''مشري محمد وأحمد'' بالقصبة والواقعة بمحاذاة قصر مصطفى باشا حالة جد حرجة جراء الوضع الكارثي الذي آلت إليه بسبب التدهور الكلي الذي أتى على جدرانها، أسقفها وأرضياتها. ومع أن عمليات الترميم التي تشهدها القصبة جارية على قدم وساق إلا أن الوضع الذي تتواجد عليه هذه الدويرة لا يبين ذلك. من خلال الجولة التي قادتنا للقصبة بالصدفة استوقفنا المنظر المخيف لإحدى الدويرات التي لم يسبق لنا وأن شاهدنا مثله، والذي يشبه المنازل المهجورة التي اعتدنا على رؤيتها في أفلام الرعب حيث أن الواجهة الخارجية وحدها تكفي لإثارة شفقة المسؤولين على أهلها أو على الأقل أن تشفع في تلك الوجوه البريئة التي لا ذنب ولا مخرج لها سوى التستر تحت تلك الأسقف الهشة. المدخل يثير الاشمئزاز والسلالم مرعبة إثر دخولنا المبنى راودنا شعور بالخوف لوحشية المكان المقرف الذي تغمره روائح المياه الراكدة التي تحولت بسبب حرارة الفصل إلى قذرة نظرا لوجود حنفية بمدخل المبنى يستفيد منها كل سكانها باستعمال الخراطيم، أما عن السلالم فحدث ولا حرج لخطورتها إذ أن تدهورها بإمكانه أن يسبب انزلاقا إزاء الماء المتسرب من الخرطوم. وانطلاقا من الطابق الثاني فإن السلالم الخشبية التي يعود تاريخها للعهد العثماني تشكل الرعب بكل مقاييسه لاهترائها وتحفرها، والتي بإمكان مستعمليها مشاهدة السلم السفلي، كما بإمكانها أن تشكل خطورة على مستعمليه بمجرد أن تعلق إحدى أرجلهم بها، والتي يمكن على إثرها أن ينهار السلم لثقل جسم الصاعد أوالنازل، يحدث هذا مع تصدع الجدران التي شدت إليه هذه السلالم. وفي سياق مماثل أكدت المتحدثات اللواتي التقيناهن أن هذا السلم غالبا ما أدى إلى انزلاق العديد من السكان خاصة الأطفال منهم لكثرة حركتهم بالمبنى ولافتقارهم لأماكن اللعب والترفيه في موسم العطلة ستة أشهر من الترميم ولا جديد يذكر حسب ما أكدته لنا النسوة فإن انطلاق عملية الترميم التي مست هذه الدويرة كانت منذ ستة أشهر، إلا أنه من خلال معاينتا للمكان لا جديد يذكر ولا تحسن يشهد لهذه العملية التي كان من اللازم إخلاؤها من السكان لخطورة الدويرة التي تشكلها على أرواح السكان. وما يلفت الانتباه هو تصدع الجدار الخارجي للعمارة إلى نصفين، حتى الغرف، وبذلك شكل هذا الأخير جدارين بموقعين مختلفين، حيث أن الأول بقي بمكانه والثاني خرج عن موضعه الأصلي. وعلى حد قول ذات المصادر فإن المصالح المكلفة بالترميم انطلقت في العملية لإعادة بناء جدار آخر، إلا أن العملية توقفت منذ أسبوع لاستكشاف ذات المصالح لبئر ماء بمحاذاة الجدار لذا أصبح من غير الممكن إنجاز الأشغال فوق بئر لصعوبة الأمر. وعليه اكتفى العمال بوضع أعمدة خشبية على طول الجدار إلا أن هذه الفكرة لاتجدي نفعا والسبب يعود لهشاشة المبنى، وعلى صعيد آخر أوضح أن زلزال ماي 2003 والذي تسبب في تدني الحالة العامة للدويرة، وعلى إثره تصدعت الجدران والسلالم وانهارت دورات المياه والأسقف. وعليه أكدن أنه بات من الضروري إخلاء المسكن منذ ذلك الحين لأنها لم تعد تصلح، إلا أن السلطات البلدية لم تأبه لأمرهم وهذا من جهة، ومن جهة ثانية أضفن أن عمال الترميم زادوا من تدني الأحوال العامة للمسكن التي أدت إلى تصدع الجدران والتي بدورها على وشك أن تنهار لمجرد هزة أرضية خفيفة أوعند تشبعها بمياه الأمطار. كما أن إهمال مصالح الترميم لحياة الساكنين حسبهن أدى بهم إلى تهديم ما تبقى من جدران المنازل المنهارة دون تزويد هذه الأخيرة بوسائل تمنع من حدوث حادثة كسقوط الأطفال الذين يفضلون اللعب في هذه الأمكنة المطلة على الشارع الرئيسي في غفلة عن الأولياء. والسكان متخوفون من انهيار سكناتهم في أية لحظة ما يثير تخوف السكان هو الانهيار الذي قد يفاجئهم أو يباغتهم في الليل وفي عز فصل الشتاء خاصة وأن أرضية منازلهم المتحفرة وأسقفهم المشققة على وشك الوقوع، زيادة على الانحدار البادي للعيان والمحسوس الذي يشهده المنزل بكامله، وهذا ما أدى بالعائلات إلى غلق بعض الغرف المتضررة خوفا على حياة أهلهم والتي بدورها تمكن صاحب البيت من مشاهدة جيرانه بالأسفل إزاء تلك الحفر. وفي سياق مغاير أفادت العائلات التي طال صبرها وسط هذه الظروف المقرفة على الرغم من الطلبات المكتوبة والمقدمة على مستوى البلدية وكذا النداءات المتكررة للمصالح الولائية إلا أن الأمر لم يجد نفعا ولا حتى آذان صاغية لذلك.وعند استفسارنا عن السبب أكدت إحدى المتحدثات أن رئيس البلدية أكد لهم من جهته أنهم لن يستفيدوا من حقهم في السكن، وهذا كونهم ليسوا من السكان الأصليين للبلدية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى أكدت ذات المتحدثة أن صاحبة الدويرة منحتهم مكتوبا ينص على منح 16 عائلة حق العيش في ملكيتها الخاصة بعد ترحيل العائلات الساكنة من قبلهم، وذلك كان من طرف السلطات البلدية، إلا أن هذا لم يشفع في هذه العائلات التي طال مكوثها بالحي رغم دفعها مستحقات الماء والكهرباء. 16 عائلة تصارع العفن والأمراض من خلال اللقاء الذي جمعنا بهذه العائلات ال 16 التي تقيم بهذه الدويرة بدت لنا معاناتهم التي يتجرعونها للنقائص التي يشتكي منها هؤلاء من خلال المراحيض الجماعية، إذ يتوفر كل طابق على مرحاض لكل ثمانية أشخاص على الأقل، حيث لا تحتوي هذه الأخيرة على أي أدنى شروط النظافة خاصة بعد زلزال 2003 الذي تسبب في انهيارها بصفة كلية حسب ما أكدته النسوة اللاتي أضفن أن هذه الوضعية تمت تسويتها مؤخرا من قبل مصالح الترميم التي أعادت بناءها من جديد. ولكن على الرغم من تسوية المشكل إلا أن الأمر لم يحل لغياب المياه بداخلها وكذا النظافة بكل أرجاء الدويرة وهذا ما ساهم في انتشار مختلف الجراثيم والميكروبات، والتي-حسبهن- أدت في غالب الأحيان إلى إصابتهم بالحساسية في العيون وكذا في مختلف أنحاء الجسم، زيادة على هذا فإن الروائح الكريهة التي تبعث من هذه المراحيض وكذا الرطوبة التي يعرفها المكان أدت بإصابة عديدهم وبمختلف أعمارهم بأمراض الحساسية والتي تصاحبها تقيحات في الرئة يستعصى معالجتها كما هو حال أمال البالغة من العمر17 سنة. وعليه أفصحت أمها أن أمال لم تتحمل هذه الأوضاع وكذا الروائح الكريهة فتسببت لها في حساسية والتي تضررت إثرها على مستوى الرئة، إذ أصبحت تتقيأ دما وبالتالي أصبح المستشفى مكانا معتادا لهم يترردون عليه دائما خاصة في فصل الشتاء. والمعاناة تزداد في فصل الشتاء على حد قولهن فإن معاناتهم تزداد بشكل حرج في فصل الشتاء بسبب الأمطار والبرد الذي يزيد من سوء حالتهم اليومية، حيث أن هشاشة المسكن دائما ما يثير الرعب في نفوسهم لتخوفهم من سقوط الأسقف والجدران على رؤوسهم خاصة أثناء الرعد، ناهيك عن كميات الأمطار التي تجتاح الغرف لتشقق الدويرة والتي تسمح بدخول مياه الأمطار إلى الداخل، وبهذا أوضحت المتحدثات أنها غالبا ما يبتن وأزواجهن واقفات تأهبا للهرب عند الشعور بأي خطر يداهمهم وذلك حفاظا على أرواح صغارهن. أما عن فصل الصيف فحدث ولا حرج، وذلك بسبب الروائح الكريهة التي تنتشر بالمكان ناهيك عن البعوض والذباب المنتشر بسبب القذارة والركام المتراكم بالحي، زيادة على هذا الصراصير والفئران والتي وجدت من المكان موقعا مفضلا لها للاختباء والتكاثر حسب قولهن. وأمام هذه الأوضاع المزرية يجدد سكان دويرة شارع ''مشري محمد وأحمد'' استغاثاتهم للسلطات المحلية وعلى رأسها والي العاصمة والوالي المنتدب لبلدية باب الواد لانتشالهم من هذه الأوضاع المزرية، وذلك بإجلائهم على الأقل إلى شاليهات بأي موقع كانت، وذلك قبل حلول فصل الشتاء خاصة ونحن على مقربة من شهر رمضان المعظم وكذا رأفة بتلك الوجوه البريئة.