لا أحد ينكر أن ديكور مدننا وشوارعنا يؤلم القلب ويبكي العين جراء حالة التسيب والفوضى التي تسببت فيها تجارة الأرصفة وحظائر السيارات العشوائية وأكوام الفضلات المرمية في مزابل مهملة، وهي وضعية تجعل من كل مجهود للدولة لتزيين المحيط وتحسين تهيئة الإقليم يذهب سدى دون أن يؤدي غرضه، لأنه يتحول إلى عمل شبيه بمن ينقش في الماء. ويعد إعلان وزير الداخلية شن حرب دون هوادة ضد الأسواق الفوضوية ومواقف السيارات العشوائية والمتوحشة، قرار طال انتظاره ولا يسع المرء الحريص على جمال بلاده سوى تشجيعه ودعمه قولا وفعلا وحتى بالدعاء له بالتوفيق، ليس من أجل الوزير وإنما لكون العملية ليست بالسهلة، كما يتصور البعض، لأن فيها قطع أرزاق لآلاف التجار الذين يقتاتون من الأسواق الموازية وفيها أيضا دحر دابر شبكات ''مافيا'' تريد تصريف بضائعها ومئات الحاويات المستوردة من الخارج عبر هذه الأسواق لتفادي الفوترة والتهرب من الضرائب والإفلات من رقابة أجهزة الدولة. هذه العقبات تفرض على وزارة الداخلية ومختلف أجهزتها الأمنية درأ ''المفاسد'' قبل جلب المنافع، لأنه من السهل غلق تلك الأسواق الفوضوية ومنعها كلية بإصدار تعليمات فوقية وإرجاعها إلى سابق عهدها وانتهى ''الفر طاس من حك الراس'' كما يقول المثل الشعبي. إن التجارب السابقة والحملات التي قامت بها عدة جهات في معالجة ظاهرة الطراباندو والسوق السوداء ومحتلي الأرصفة ومواقف السيارات غير الشرعية، ولم تأت ثمارها في أكثر من مرة وسنة، تستدعى من السيد دحو ولد قابلية استخلاص كافة الدروس مما سبق حتى لا تكون مبادرته الجريئة والشجاعة كمن ''جاء يكحلها عماها''، ولذلك يجب التفكير أين يذهب هؤلاء الباعة مائة مرة قبل، ومفاوضتهم حول حلول بديلة قبل دعوتهم للامتثال لعبارة ''طبڤ'' أو ''طير'' . لا يعني هذا أن الباعة الفوضويين والمتاجرين خارج القانون قد اختاروا الطريق ''الصح''، كما لا يعني التعامل معهم بلطف إنقاصا من هيبة الدولة، ولكن يجب أن ينظر إليهم على أنهم الحلقة الضعيفة في سلسلة طويلة تفرض على صاحب القرار أن يطهر كل حلقاتها وعدم الاكتفاء بصيد السمك وترك الحوت الكبير . فإذا كان معروفا أن السمك يدخله التعفن من رأسه، فإن التعفن الذي وصلت إليه الأسواق الموازية سببه الذين يستوردون حاويات مملوءة ب ''قش بخته وفناجل مريم'' التي يسربونها دون فوترة ولا ضمان للباعة المتجولين. من هنا فإن غلق المنافذ التي تتزود منها الأسواق الفوضوية، من شأنه لو طبق أن يجعل كل الناس توجه للوزير تعظيم سلام، وما دون ذلك ستصبح العملية برمتها كمن يضرب الريح ب''الهراوة ''.