الجدل القائم في مسألة الحداثة ليس وليد اليوم، ومن المؤكد أنه لا ينتهي غدا أو بعد غد، لان الحداثة مرتبطة بالزمن أساسا وكل زمن حديث سيصير قديما، ويحتاج إلى تحديث، وربما تختلف المفاهيم والمصطلحات، وكن الإشكالية تبقى واحدة، وهناك من يطرحها على أساس أنها ثنائية الجديد والقديم أو الاصالة والمعاصرة أو غيرها من المسميات. نشط الباحث والمفكر علي الكنز ليلة الاثنين بالمكتبة الوطنية ندوة فكرية وسمها ب'' الحداثة والتحديث '' وقد حضر الندوة كثير من الباحثين والمفكرين والاعلاميين الذي أثروا الموضوع بتدخلاتهم ونقاشاتهم وتعليقاتهم. لقد قدم الأستاذ الكنز استعراضا تاريخيا للحداثة، ومدى ارتباطها بالفكر، وأنها في بداية الامر لم تكن لها علاقة بالسياسة ولا بالدين، ولكنها كانت ثورة علمية أسس لها مجموعة من العلماء والمفكرين كان ذلك في شكل مخابر بحث علمية، هذا الكلام يعرفه جل من له إطلاع على الموضوع لأنه مجرد استعراض تاريخي لمسألة الحداثة. لكن اللافت للنظر والذي أشار إليه الباحث هو أن مجتمعنا العربي المسكين الذي لا يزال يتغنى بأمجاد الماضي ولا يفكر مجرد التفكير في التأسيس لحداثة عربية تكون لها بصماتها الخاصة، هذا المجتمع إنخرط من حيث يحتسب أو لا يحتسب في هذه الحداثة الغربية وبدون وعي ، مقلدا تابعا، قد تغطى عليه نور الادراك، وفقد كل بصيره. وقد يقول القائل إن الامر طبيعي فكل الشعوب المغلوبة مولعة بتقليد الغالب، وحضارتهم غالبة، وتقافتهم سائدة، وقد تقدموا في الوقت الذي تأخرنا . فلو سلمنا أن الامر طبيعي فكيف لنا أن نفسر نقدنا للحداثة الغربية من منظور غربي كذلك. فحتى هذا النقد ليس مبنيا من وعينا بما أفرزته حداثتهم من أزمات ومشاكل وصلت في بعض المجالات حد الانسداد ، وإنما مبني من كون الغرب أنفسهم إنتقدوا حداثتهم وبدأوا يفكرون في تحديث هذه الحداثة ، رحنا ننتقد ولكنه ليس من منظورنا ومن خصوصياتنا التي تؤسس لحداثة أخرى، بعيدة عن هذه الافرازات والتي من أكثر مظاهرها ما فعلته في البيئة من ثلوت بل تسمم للهواء الذي نتنفسه. إن الموضوع حري بالطرح، وجدير بالاهتمام، وحقيق بالمعالجة، لأنه يعيد النظر في كثير من المفهومات والمصطلحات ، بل وفي بعض المسلمات والتي مع الأسف آمن بها بعض المفكرين، وراحوا يسوِّقون لها.