ما تزال الألبسة الشتوية التقليدية مثل القشابية والبرنوس وغيرها مفضلة لدى الكثير من سكان المناطق الجنوبية التي تعرف درجة الحرارة فيها انخفاضا كبيرا كالجلفة والبيض وتيارت والمسيلة وغيرها وتعتبر صناعة هذه الملابس حرفة ضاربة في القدم تقاوم ضد الاندثار. بالرغم من أن عدد الذين يرتدون الملابس الشتوية التقليدية كبير، إلا أن عدد الحرفيين الذين يحيكون مثل هذه الملابس في تناقص مستمر. ومن بين هؤلاء تعتبر لاسيدة ''الزهرة'' من ولاية المسيلة إحدى أكثر النساء شهرة في المنطقة لجودة الملابس التي تصعنها والتي تجاوزت حدود منطقتها الجغرافية وما زالت رغم كبر سنها تواصل حمل المغزل لغزل وبر الجمال الذي يستعمل في صناعة القشابية التي وإن كان مرتدوها من الرجال فقط فإنها صناعة نسائية بأتم معنى الكلمة فبعد الحصول على وبر الجمال الذي تؤكد ''خالتي الزهرة'' أنه من أصعب أنواع الصوف صنعا وتحضيرا نظرا لما يتطلبه من عناية فائقة في إعداده لأن يكون خيطا يمكن حياكته وهو يمر بمراحل عديدة تبدؤ بإختيار أجوده حيث يعتبر وبر المخلول أو صغير الناقة كما يسمى في البادية من أحسن الأنواع وتتم به صناعة القشابية التي قد يصل ثمنها إلى حدود 4 ملايين سنتيم أو أكثر ويحدد سعرها سحب جودة الوبر وطريق الحياكة وتشهد الفترة التي تسبق فصل الشتاء إقبالا منقطع النظير من الشباب والرجال على حد السواء لبيت ''خالتي الزهرة'' التي تستعد هي الأخرى رفقة مساعدات لها من الأقارب على تجهيز صوف كل شخص على حدى وغزله قبل إقامة المنبع وتحضير لوازم حياكة القشابية والبرنوس حيث تشابه طريقة نسجها كما وصفت خالتي الزهرة لنا مع الزربية حيث توضع لاجل ذلك مجموعة من الخيوط بشكل عمودي على أعمدة مثبتة على الجدران ثم تقوم خالتي الزهرة بوضع خيوط الوبر ونسجها بشكل معين وبعد الانتهاء منها يتم تفصيلها وفق المقاس الذي طلبه المشتري وعن الوبر فتؤكد خالتي الزهرة أن زبائنها هم من يتكفلون بإحضاره وتقوم هي بغسله وغزله وتحضيره لأن يكون جاهزا للنسيج ثم الخياطة التي تتولاها إحدى بناتها. وخالتي الزهرة أكدت أن هذه الحرفة كانت منتشرة بكثرة بين نساء المنطقة في وقت سابق أما الآن فعدد اللاتي ما زلن يقمن بخياطة القشابية ونسجها يعدون على أصابع اليد الواحدة ورغم أنك لو نظرت خارجا لوجدت العشرات من الشباب والرجال في فصل الشتاء يرتدونها إلا أن أغلب ما يرتدون ليس وبرا حرا ويحمل حديث خالتي الزهرة الكثير من الحسرة على ضياع هذه الحرفة رغم شيوع ارتداء هذه الملابس في المنطقة وتعويض قشابية الحضنة الحرة بأخرى لا تصلح الا لفصل واحد حيث أكدت خالتي الزهرة أن القشابية الاصلية تدوم طويلا والدليل أن الكثير من العائلات ما زالت تحتفظ بقشابية أو برنوس منذ 60 سنة أو أكثر توارثته أبا عن جد ما يزال محافضا على جودته ولونه وكشله وتضيف أن القشابية المصنوعة من الوبر الحر تحافظ على جودتها ولا تؤثر فيها العوامل الخارجية كما أنها تقي صاحبها من البرد القارس وتمنع دخول الماء إلى الجسم إذا كان مرتديها يقف تحت المطر وفعلا القشابية والبرنوس وبشهادة أصحابها تعتبر لباسا ضروريا لكل سكان المنطاق الجنوبية الباردة خاصة الجلفة والبيض حيث لا يستغني لا الكبير ولا الصغير عنها والطريف كما قالت خالتي الزهرة أن هناك من لا يستغني عنها حتى في فصل الضيف حيث يرى أن ارتداءها يجلب البرودة للجسم. وحتى وإن ابتعدت الكثير من النساء عن مجال الصناعات التقليدية تبقى القشابية مطلبا رجاليا يعتبر مصدر رزق العديد من العائلات التي ما زالت نساؤها محافظات على هذه الحرفة التي ما فتئت تقاوم الاندثار رغم انتشار محبيها.