أكد المحلل الاقتصادي مسعود مجيطنة وأستاذ علم الاقتصاد بجامعة الجزائر أن الانعكاسات السلبية للازمة المالية الراهنة التي أضحت تهدد كبرى المصارف الدولية عبر العالم بمخاطر الإفلاس لن تستثني بلدا كالجزائر تزيد قيمة احتياطاته المالية الإجمالية عن 130 مليار دولار، خصوصا وان الجزائر عمدت في السنوات الأخيرة إلى توظيف جزء من هذه الاحتياطات في البنوك الأجنبية التي أتت فيها الأزمة العالمية الراهنة على أكثر من 945 مليار دولار كخسائر تكبّدتها مصارف العالمية. حسبما قدرته بعض الأوساط المالية الدولية في حصيلة أولية عن تداعيات الأزمة الحالية لقروض الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية، في الوقت الذي أكد صندوق النقد الدولي في أحدث تقرير له إمكانية تضاعف الخسائر في حالة تأزم الوضعية المالية إلى أكثر من الضعف. ------------------------------------------------------------------------ ودائع مالية مهددة بالتراجع ------------------------------------------------------------------------ وأوضح مسعود مجيطنة في تصريح ل ''الحوار'' أن الودائع المالية التي أقدمت الجزائر على طرحها في البنوك الخارجية موظفة حاليا في المؤسسات المالية المركزية التابعة للولايات المتحدةالأمريكية، على شكل توظيفات مالية مضمونة، ما يعني أن السلطات الوطنية تمتلك القدرة على استرجاعها حتى في حالة إفلاس هذه البنوك، غير أن ارتباط التوظيفات المالية الوطنية بالعملة الامريكية في ظل التقلبات الحادة لسوق الصرف الدولية، كنتيجة مباشرة لتصاعد حدة أزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية، يمكن أن ينجر عنه مخاطر بالنسبة للاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أن تراجع نسبة صرف الدولار الأمريكي سيعمل بالضرورة على تخفيض قيمة الودائع الوطنية أو ما يعرف بسندات الخزينة إلى أدنى مستوياتها، متسببة بذلك في خسائر كبيرة للاحتياطات الوطنية. وتشير بعض التقارير الدولية التي أصدرها صندوق النقد الدولي مؤخرا إلى أن الجزائر تعد حاليا من بين الدول المتضررة من التداعيات الخطيرة للازمة المالية الراهنة، نتيجة بروز مؤشرات انكماش تضخمي لأهم الاقتصاديات التي تتعامل معها الجزائر، الأمر الذي ينجر عنه ارتفاع قيمة الأعباء الناتجة عن الواردات أساسا والتي يرتقب أن تزيد على 30 مليار دولار هذه السنة، إضافة إلى ارتباط الاقتصاد الوطني بصورة مباشرة باقتصاديات الدول الصناعية التي تأثرت مباشرة على مستوى ارتفاع البطالة في فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولاياتالمتحدة، بالرغم من الإجراءات الحمائية التي عمدت الحكومة على اتخاذها على الصعيد الوطني لتعزيز تمويل مشاريع التنمية الاقتصادية، والعمل على خفض المديونية الخارجية، موازاة مع الرفض القاطع لإعادة تسوية قيمة صرف الدينار، وعدم قبول اقتراحات إنشاء الصناديق السيادية في الوقت الراهن، والتي شكلت العناصر الأساسية لحماية الاقتصاد الوطني. وفنّد مجيطنة بعض التحاليل الاقتصادية التي ذهبت إلى التأكيد على أن الجزائر في منأى عن تأثيرات الأزمة المالية الراهنة، قائلا إن ربط العملة الوطنية بالدولار الأمريكي ستنجر عنه خسائر كبيرة في حال استقرار العملة الأمريكية على سعر منخفض بالمقارنة مع سلة العملات الأجنبية الأخرى. ------------------------------------------------------------------------ مخاوف على المداخيل البترولية ------------------------------------------------------------------------ وتعرف الجزائر في الوقت الراهن تخوفا كبيرا على مستقبل الاحتياطات المالية في ظل التذبذب الذي سجلته أسعار النفط، حسبما أكده مجيطنة، حيث أوضح أن تراجع سعر البترول إلى ما دون 80 دولارا للبرميل سينعكس سلبا على المداخيل الوطنية التي تعتمد في أكثر من 85 بالمائة على الجباية البترولية، في الوقت الذي تذهب فيه بعض التوقعات الدولية إلى تقهقر حاد في الأسعار تحت عتبة 55 إلى 60 دولارا للبرميل، وهو ما سينجر عنه التوقف الحتمي لكبرى المشاريع الوطنية، بما فيها برنامج الإنعاش الاقتصادي الذي يدخل مرحلته النهائية مطلع العام المقبل. وقال مجيطنة إن تحول الأزمة المالية الراهنة إلى حالة ركود عالمي أو كساد اقتصادي من شأنه أن يجر أسعار النفط إلى مستويات دنيا تشكل خطرا واضحا على الاقتصاد الوطني، على عكس ما تم تداوله مؤخرا من أن الجزائر في منأى لمدة سنتين إلى 3 سنوات عن التأثر الحاد بما يحدث في البورصات العالمية، حتى في حالة تراجع أسعار النفط إلى ما دون 60 دولارا للبرميل. هذا وعرفت أسعار الذهب الأسود في غضون الأيام القليلة الماضية انخفاضا حادا بأكثر من 10 بالمائة، ولامست أدنى مستوى في 13 شهرا بفعل تجنب عام للمخاطر وسط مخاوف من ركود عالمي ومؤشرات جديدة لتدهور الطلب على الطاقة، حيث تراجعت أسعار البترول في الآونة الأخيرة بعدما تضاربت التقارير حول مستقبل الطلب العالمي، إذ توقع البعض أن يشهد الربع الرابع من العام الجاري انخفاضاً في الطلب على الخامات، بينما يترقب البعض الآخر زيادة في الإقبال مع اقتراب فصل الشتاء. وتختلف بذلك التقديرات حول الأسعار الممكنة، إذ يؤمن عدد من الخبراء أن الأسعار متجهة دون أدنى شك إلى مستويات أدنى من 65 دولاراً للبرميل، وذلك وفق مسار نمطي اقتصادي محدد، فيما يتوقع محللون أن تحطم الأسعار المسارات النمطية وتتجاوز 90 دولاراً، إذ لا بد من التذكير بأن أسعار النفط عرضة للتأثر بعدد آخر من الاعتبارات العالمية، وهو ما سيؤثر بصورة حتمية على مداخيل الجباية البترولية ليعرض الاقتصاد الوطني لمخاطر ركود محتمل. ------------------------------------------------------------------------ توقعات بتراجع أسعار الغذاء.. لكن ------------------------------------------------------------------------ توقع مسعود مجيطنة أن تؤدي الأزمة المالية الراهنة إلى انخفاض في أسعار المواد الغذائية، بسبب تراجع الطلب عليها نتيجة للأزمة، غير أنه أكد أن هذا التراجع لن يدوم طويلا في حال عودة الاستقرار النسبي للأسواق المالية الدولية، بالنظر إلى أن أزمة الغذاء العالمي وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والأولوية لا صلة له بتداعيات أزمة الرهن العقاري الأمريكية، مضيفا أن التراجع المحسوس الذي تعرفه أسعار بعض المواد الأساسية الواسعة الاستهلاك في البورصات العالمية على غرار سعر القمح والسكر لن يكون له أي تأثير ايجابي على المواطن، على اعتبار أن الأسعار ستعاود الارتفاع عقب تجاوز حالة التذبذب العالمي. وأوضح المتحدث أن مشكلة المواد الغذائية التي طرحت سابقا، كانت نتيجة مباشرة للاتجاه العالمي نحو إنتاج الوقود الحيوي، خصوصا بعد تحويل الولاياتالمتحدةالأمريكية لوحدها زهاء 138 مليون قنطار من الذرى لإنتاج الطاقات الحيوية، وهو ما دفع حسب مجيطنة إلى توقع رئيس منظمة الأغذية العالمية ''الفاو'' إلى توقع استمرار أزمة المواد الغذائية خلال السنوات الثلاثة المقبلة. وبرّر مصدرنا تراجع أسعار المواد الغذائية في مجمله إلى تراجع الطلب العالمي على السلع الغذائية، مع توقعات بزيادة المحصول في البلدان الرئيسية المصدرة، وانخفاض كلفة الإنتاج نتيجة لتراجع أسعار النفط. ------------------------------------------------------------------------ الحلول الإسلامية تبقى مجرّد كلام نظري ------------------------------------------------------------------------ أوضح مجيطنة أن الدعوات المتكررة للعمل بالمبادئ الإسلامية كحل أساسي للخروج من الأزمة الراهنة لا تشكل سوى جزءا بسيطا من الحلول المقدمة لمعالجة الاختلالات التي مست الفكر الاقتصادي الراهن، الأمر الذي يجعلها تفتقد للقدرة على التأثير في السياسات المالية الدولية، مقابل الإجراءات الضخمة التي سارعت الدول الكبرى إلى اتخاذها تفاديا لانهيارات أخرى في المصارف العالمية. وأشار المتحدث إلى أن مطالب تحويل النظام المالي الدولي للعمل بمبادئ وأسس الشريعة الإسلامية يبقى مجرد حلول نظرية يصعب تطبيقها في فكر اقتصادي مبني على الرأسمالية الشّرسة. وفي الإطار ذاته، أكد المتحدث أن سياسات تأميم المصارف الخاصة التي عمدت الدول الأجنبية إلى إتباعها قد تساهم في التخفيف من حدة الأزمة المالية الراهنة، على غرار ما قامت به قطر عند لجوءها إلى تأميم المصارف الدولية تفاديا لانهيارات أكبر، بعدما خسر المؤشر القطري أكثر من 2ر9 بالمائة خلال أربع جلسات متتالية عقب انفجار اللازمة، وهو نفس ما ذهبت إليه بريطانيا وألمانيا مؤخرا، موضحا أن الحل الوحيد يبقى في إعادة الثقة إلى التعاملات المالية في البورصات العالمية.