على الرغم من أن المرشح الديمقراطي للرئاسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية السيناتور باراك أوباما من أصل افريقي أسود، جاء جده إلى الولاياتالمتحدة وتزوج أمريكية، وأنجب منها، ثم كان أبوه على نفس منوال جده. وبالرغم من أن أوباما ينحدر أيضا من جد مسلم، اسمه ''حسين''، ثم اعتنق البروتستانتية على يد أمه التي عمدته في إحدى الكنائس، ومن ثم فهو يحمل في خلاياه جينات افريقية وإسلامية، أو بعض ما تبقى منها على الأقل، وبالرغم من أن المنهاضين لانتخابه يتهمونه بأنه مرشح ''حماس''.. رغم كل هذه المعطيات إلا أن الواقع، والقراءة الموضوعية لهذا الأمر ربما يقودان إلى أن الخسائر المتوقعة بالنسبة للعرب والمسلمين من فوز أوباما أكثر بكثير من تلك المتوقعة من فوز المرشح الجمهوري ''جون ماكين'' لأكثر من سبب. وبداية، فإن الفرق بين الفيل والحمار -أي الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولاياتالمتحدة- ليس كبيرا، خصوصا فيما يتصل بالقضايا الاستراتيجية؛ لأنها جزء من سياسة المنظومة الأمريكية أو ''المؤسسة''، أو هي جزء من ثوابت الأجهزة السيادية الأمريكية، مما يعني أنها لا تؤثر فيها شخصية الرئيس إلى حد كبير. ويمكننا أن نقول: إنه بالنسبة لنا تحديدا، وبالنسبة لقضايا العرب والمسلمين، فإن الفرق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولاياتالمتحدة، هو نفسه كالفرق بين حزب العمل والليكود في إسرائيل، أي الفرق بين الذئب والثعلب! فالأول يصل إلى أهدافه بفجاجة ووضوح، واستهتار بالخصم، وقدر هائل من القسوة، والثاني يصل إليها أيضا، ولكن بقدر من المراوغة والنعومة، ودسّ السم في العسل، وأعتقد أن الأسلوب الأول أفضل لنا؛ لأنه ربما يستفز عوامل القوة الكامنة داخلنا، أو يحقق نوعا من الاستنفار يقلل من كمية الخسائر، وأما الثاني، فإنه قاتل صامت، وهو الخطر.. إنه الفرق ين استخدام القتل بمسدس يحدث ضجيجا، والقتل بمسدس كاتم للصوت! على أية حال، فإن أوباما أسوأ من ماكين بالنسبة للقضية المحورية للعرب والمسلمين، ذلك أن الحزب الديمقراطي الأمريكي عادة أشد حماسا لإسرائيل من الحزب الجمهوري، وكلاهما طبعا متمسك بثوابت السياسة الأمريكية فيما يخص إسرائيل، وهو نوع من الالتزام الاخلاقي والحضاري تجاه اسرائيل، لا يستطيع أي رئيس أمريكي أن يتخلى عنه، على حد تعبير الرئيس الأمريكي الاسبق ريشتارد نيكسون في كتابه ''الفرصة السانحة''. أوباما على سبيل المثال لم يخف تحيزه لإسرائيل، وعندما زار المنطقة فإنه زار العراق وإسرائيل وأفغانستان، ولكنه لم يزر لا مصر ولا السعوية، بل إنه تعهد خلال زيارته للقدس أن يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقال: إن إسرائيل معجزة تحققت بالشرق الأوسط. كما أيد باراك أوباما هجوم إسرائيل على سوريا، معتبرا أن ذلك جزء من دفاع إسرائيل عن نفسها تجاه أي خطر يهددها، وخاصة الخطر النووي، مؤكدا على العلاقات التاريخية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وفي إطار موضوع العراق الذي يبدو فيه أوباما مختلفا عن ماكين، فإن الرجل لم يتحدث عن انسحاب عاجل وفوري، أو عن تعويضات للعراقيين عن الخسائر التي لحقت بهم جراء الغزو، بل قال الرجل: إنه سوف ينسحب وفق خطة تدريجية يمكن أن تستغرق عدة سنوات، وليس هذا لأن الأمر كان خطأ أخلاقيا، بل لإدراكه بأن الأهداف الأمريكية في صراعها للهيمنة على العالم قد فشلت، وهو يريد إعادة تنظيم تلك الخطة باتجاه التركيز على أفغانستان، وحشد التأييد الأوروبي والعالمي من أجل ذلك، وبديهي أن ذلك نوع من المكر الأمريكي كان يفتقده جورج بوش والجمهوريون؛ لأن فتح أكثر من جبهة، وفقدان التأييد الأوروبي والتنسيق مع الآخرين، كان يقلل من إمكانية نجاح أمريكا في تحقيق أهدافها، أما العمل وفقا لخطة أوباما، فإنه يحقق أولا تركيزا أمريكيا على أهداف محددة ''أفغانستان، وباكستان أولا''، ثم حشد الدعم الدولي لذلك، ثم العودة إلى العراق وسوريا ومصر بعد ذلك، أي بعد تحقيق تلك الأهداف، حتى ولو كان أوباما نفسه قد رحل عن البيت الأبيض بعد أربع سنوات، أو حتى باغتياله وإزاحته عن المسرح! إنها خطة أمريكية تراعي أن امريكا هزمت، وتحاول إعادة تنظيم صندوقها، ثم القفز من جديد على المنطقة والعالم، وباراك أوباما ليس إلا مجرد قفاز في هذا الصدد. * أستاذ بقسم العلوم السياسية - جامعة تيزي وزو