ظلت أنظار العالم، وخصوصا اهتمامات وسائل الإعلام مسلطة على مجريات الانتخابات التحضيرية للرئاسيات الأمريكية، ولا غرابة في ذلك، لأن من يحكم أمريكا يؤثر بشكل لا ريب فيه في قضايا العالم وتوجهات السياسة الدولية. ولذلك فلا توجد سوى دول قليلة لا ينتابها القلق من أي المرشحين يصل إلى سدة الرئاسة الأمريكية، وعلى رأس هذه الدول تأتي إسرائيل، وسبب الاطمئنان الإسرائيلي هو أن جميع المرشحين يتسابقون لنيل رضاها والفوز بودها. ومن الدول القليلة أيضا، التي لا يؤرقها إسم الداخل إلى البيت الأبيض، دولة الصين التي اعتمدت على نفسها لبلوغ مستوى من القوة والاستقلالية يجعلها تطمئن على أن كل رؤساء أمريكا يضعون في حسبانهم بأن المساس بمصالح الصين أو محاولة الاستهانة بمكانتها الدولية سيعود على أمريكا بالويل والعواقب الوخيمة. أما العرب والمسلمون فقد أصبحوا منذ أمد موضوعا للمزايدات الانتخابية وضحية لنزعة الاستعلاء وثقافة الكراهية في الولاياتالمتحدةالأمريكية! إسرائيل تستمد قوتها وتأثيرها في المسرح الانتخابي الأمريكي من قوة اللوبي اليهودي الحارس لمصالحها والمروج لإيديولوجيتها... ولذلك فإن أغلب المرشحين لخوض المنافسات الرئاسية سواء في المعسكر الديمقراطي أو في المعسكر الجمهوري يتفقون على جعل الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل والإلتزام بحماية أمنها نقطة مركزية في برامجهم الانتخابية. فالسيدة هيلاري كلينتون أقوى مرشحي الحزب الديمقراطي، تبدو في بعض استطلاعات الرأي أنها أفضل المرشحين بالنسبة للعرب والمسلمين، ومع ذلك فإن السيدة هيلاري ترى "أن أمن وحرية اسرائيل يجب أن يكونا من صميم التحرك الأمريكي في الشرق الأوسط" وتعتقد بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي ترتبط بقيم مشتركة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقد صوتت هيلاري كلينتون باستمرار في مجلس الشيوخ الأمريكي باعتبارها ممثلة لولاية نيويورك معقل اللوبي اليهودي في أمريكا لصالح زيادة المعونات العسكرية لإسرائيل والتزام الولاياتالمتحدةالأمريكية لضمان التفوق النوعي والعسكري لإسرائيل. وقد نشرت السيدة هيلاري كلينتون في أواخر العام المنصرم (2007) مقالا في مجلة "الشؤون الخارجية" (فورين أفيرز) بعنوان:" الأمن والفرصة للقرن الواحد والعشرين" كان بمثابة بيانها الانتخابي للسياسة الخارجية أكدت فيه عزمها على استخدام القوة العسكرية قائلة:"إنني كرئيسة لن أتردد أبدا في استخدام القوة لحماية الأمريكيين والدفاع عن أراضينا ومصالحنا الحيوية". أما بخصوص حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فقد اعتبرت العناصر الأساسية المتضمنة في مقترح الحل التي رفضها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد في عهد الرئيس بيل كلينتون صالحة لصياغة اتفاق نهائي يقوم على إقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية، مقابل إعلان بإنهاء الصراع والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود وتوفير ضمانات للأمن الاسرائيلي وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية. ومع ذلك فإن السيدة هيلاري كلينتون كما يشرح ذلك الكاتب الأمريكي بول كنغور بدأت حياتها شديدة التعاطف مع محنة الشعب الفلسطيني وشديدة البغض للسياسات الاسرائيلية حتى أنها رفضت عام 1973 دخول بيت أحد الأثرياء اليهود الأمريكيين حينما رأت على باب منزله آيات من التوراة (عن مقال محمد بن المختار الشنقيطي) ورغم أن مواقفها قد تغيرت كثيرا بعد ذلك بعد أن تزوجت الرئيس السابق بيل كلينتون في سنة 1975وخاضت معه في سنة 1981 المعركة الانتخابية الأولى للفوز بمنصب حاكم ولاية أركنساس. وقد أثارت السيدة هيلاري كلينتون غضب اللوبي اليهودي بعدما أصبحت في مرتبة السيدة الأولى في أمريكا وزارت في سنة 1998 رفقة زوجها الرئيس بيل كلينتون قطاع غزة وأعلنت في شهر ماي 1998 تأييدها لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة. وقد استقبلت آنذاك بالأحضان والقبل من قبل السيدة سهى عرفات. ولكن التحول الجذري في موقف السيدة هيلاري كلينتون حدث بعد أن ترشحت لمجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك في سنة 2000، وقد شن حينها اللوبي الاسرائيلي حملة شرسة ضدها واتهمها بقبول تبرعات من مسلمين أمريكيين يساندون "حماس" وجماعات أخرى ووصف اللوبي اليهودي تلك الأموال بأنها ملطخة بالدماء وموالية للإرهاب، فما كان من هيلاري كلينتون إلا أن خضعت للابتزاز اليهودي، وردت الأموال إلى المتبرعين المسلمين، ووقفت أمام ممثلي اتحاد المجموعات اليهودية في نيويورك لتعتذر عن مواقفها في الماضي وتعد بالوقوف إلى جانب المصالح الاسرائيلية والاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل والدعوة إلى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وقد فازت السيدة هيلاري كلينتون بمنصب السينارتور عن ولاية نيويورك. أما المشرح الديمقراطي الآخر السيناتور باراك حسين أوباما الذي صعد نجمه بسرعة وقوة مذهلتين فلم يكن مساره في إعلان الولاء لإسرائيل بأقل انقلابا وأعمق درامية عن السيناتورة كلينتون! عندما بدأ باراك أوباما يستقطب اهتمام الناخبين الأمريكيين بدأ اللوبي اليهودي ينشر رسائل إلكترونية تتهم أوباما بأنه يتظاهر بالمسيحية ولكنه يعتنق الإسلام سرا، فأبوه حسين أوباما كيني مسلم تزوج بأمريكية بيضاء في هاواي وأنجبا أوباما ولكن لم يدم الزواج طويلا إذ عاد الأب إلى وطنه الأصلي بكينيا ثم تزوجت الأم من مسلم أندونيسي عاشت معه في أندونيسيا ثم عادت مع ولدها إلى أمريكا وتوفيت سنة 1995 . وكان باراك أوباما في البداية شديد النقد للسياسات الأمريكية في فلسطين، كما كان أوباما من أعضاء الكونغرس القليلين الذين عارضوا غزو العراق. وكانت ديانة باراك أوباما وموقفه من القضية الفلسطينية هي من أكثر المسائل التي ركز عليها الإعلام الأمريكي واضطر أوباما الى التنكر لهما وكأنهما تهمتان معيبتان ؟! فعندما سأله أحد الصحافيين قائلا:" لقد صرحت مؤخرا أن لا أحد يعاني مثل ما يعاني الشعب الفلسطيني، فهل أنت متمسك بهذه الملاحظة؟". أجاب: "ما قلته هو أن لا أحد يعاني مثل ما يعاني الشعب الفلسطيني من فشل قيادته في الاعتراف بإسرائيل وفي إدانة العنف"! وكان ذلك في سنة 2007 . وفي إحدى المناظرات التلفزيونية في 22 جانفي 2008 وجه الصحفي سؤالا لباراك أوباما عما يشاع عنه بأنه "مسلم" ورد أوباما بلهجة قاطعة وكأنه ينفي تهمة عنه :" أنا مسيحي" ! ولم يكتف باراك أوباما بل إنه بعث في 28 جانفي 2008 برسالة إلى المندوب الأمريكي في الأممالمتحدة السفير زلماي خليل زاده يطلب منه أن تعارض الولاياتالمتحدةالأمريكية أي قرار يصدر من مجلس الأمن الدولي يدين إسرائيل على جريمتها في محاصرة غزة وقطع الكهرباء والمؤونة عن سكانها وقال في رسالة :" يتحتم على مجلس الأمن إدانة الهجمات الصاروخية بشكل واضح لا لبس فيه...". ومع ذلك فإن العرب والمسلمين يرون أن فوز باراك أوباما يبقى أقل المصائب وطأة على العالم العربي والإسلامي. وأما في المعسكر الجمهوري فإن الأسماء المرشحة من جون ماكين إلى ميت رومني إلى مايك هاكابي هي كلها أشد سوءا وبلاء من الرئيس المنتهية ولايته جورج ولكر بوش الذي دشن سياسة الحرب الصليبية، وكل مرشحي الحزب الجمهوري يعتبرون أن الحرب ضد "الفاشية الاسلامية" هي التي ستحدد مستقبل العالم. وأقوى المرشحين الجمهوريين وأوفرهم حظا لأن يكون الرئيس المقبل للولايات المتحدةالأمريكية أي جون ماكين فإنه يعبر عن إلتزامه بالعمل لتحقيق الأمن والمصلحة الإسرائيلية ويدعو إسرائيل إلى أن تكون عضوا اساسيا في "اتحاد الديمقراطيات" الذي اقترحه كمنظمة تضم الدول المتشابهة في القيم والمصالح للعمل سويا من أجل السلام!.