قصة ديوان "منة الحنان المنان" لمؤلفه الشيخ محمد بن محمد بن عبد الرحمان الديسي تصلح أن تكون عنوانا لكل الكنوز المخطوطة التي يلفها النسيان... الديوان يضم نحو 200 قصيدة بين الطوال والمقطوعات في أكثر من 4000 بيت، منها ما نشر مستقلا، أو ضمن بعض الكتب كالزهر الباسم أو تعريف الخلف برجال السلف للحفناوي وغيرهما، أما الديوان ككل فلم يطبع. ويقع ديوان الديسي في جزأين، وقد قام بتحقيقه الأستاذ أبو الأنوار دحية بالاعتماد على مخطوطتين ملك للمكتبة القاسمية بزاوية الهامل ببوسعادة. ولأن الديوان المذكور يستمد أهميته من كونه يؤرخ لمرحلة هامة من مراحل الأدب الجزائري، وهي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، خاصة وأن مؤلفه وصفه الشيخ عبد الحي الكتاني بقوله: "فخر القطر الجزائري ونادرته.. حجة في الأدب والتصوف والمعقول والمنقول..." بالنظر إلى هذه الأهمية قامت دار الخليل القاسمي للنشر والتوزيع بالسعي إلى برمجته لينشر ضمن منشورات تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، وتمت الموافقة على نشره، ليودع لدى مطبعة دار الأمة ببرج الكيفان. بعدها قام فؤاد القاسمي صاحب دار الخليل للنشر بالاتصال بورثة الديسي لإعلامهم ففوجئ بهم يطلبون منه سحب الكتاب من المطبعة لعدم موافقتهم على النشر، ما جعل القاسمي يوافق على الطلب شريطة أن يقدم الورثة وثيقة بذلك، واتصل ثانية، لكنهم ظلوا يتهربون، محتجين بأنهم هم من سيقوم بطبع الديوان، مع أن الورثة لا يملكون من تراث الديسي إلا اللقب، لكون الرجل عاش أكثر سنين حياته بزاوية الهامل طالبا وأستاذا وعالما فقيها مفتيا، أكثر من أربعين سنة قضاها بالزاوية، وكانت كتبه تكتب بالهامل من طرف تلامذته بأمر من شيوخ الزاوية القاسمية. بعدها وفي جلسة استغرقت أكثر من ساعتين لإقناع الورثة بالعدول عن موقفهم، لكن من دون أي نتيجة. ولما تطورت القضية إلى درجة أن بن عبد الرحمان بلقاسم بن أحمد بوداود بن الديسي وجه إعذارا من خلال الصحف يؤكد فيه أنه الوريث الوحيد لحقوق مؤلفات الديسي، ومن ثم أكد بالحرف الواحد أنه "يعلم كل دور النشر والطباعة عن عدم طباعة ونشر الديوان أو أي أثر آخر، كما أنه يعارض بشدة كل من يحاول التحقيق في الديوان، وينبّه كل من يقوم أو قام بذلك من أنه يكون محل متابعة قضائية" لكن المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، حيث من يملك حقوق طبع معظم مؤلفات الديسي هم ورثة الشيخ محمد بن أبي القاسم، إذ هو من تكفل بطبع مؤلفاته ومنها "فوز الغانم"; "توهين القول المتين" ; و"الكلمات الشافية". ومع ذلك، دفع إصرار ورثة الديسي صاحب دار الخليل للنشر إلى سحب الديوان بعدما دار روتاتيف المطبعة، ليحكم إهمال مؤسسات الدولة الثقافية لهذه المخطوطات بأن تظل حبيسة الأدراج، وأن يبقى تراث الديسي رحمه الله قابعا بإحدى مكتبتين: الأولى المكتبة القاسمية بزاوية الهامل، والثانية مكتبة الشيخ بن عزوز القاسمي بعين وسارة الذي حاول جمع تراث أستاذه الديسي عن طريق الشراء، الاستنساخ والتبادل. أسئلة كثيرة معلقة يطرحها التراث المخطوط في الجزائر رغم كل ما قيل من طرف المسؤولين عن الثقافة وعن المجهودات التي يبذلونها في الاهتمام به.. جعجعة كبيرة، لكن من دون طحين. ميلود بن عمار:[email protected]