تزامنا و الاحتفال باليوم العالمي للطفولة فضلت الاتحاد أن تشارك الأطفال المرضى فرحتهم،فكانت وجهتنا مستشفى مصطفى باشا الجامعي في حدود منتصف النهار، التقينا فيه بطفولة حرمها المرض من التمتع كغيرها من الأطفال،فهم أرواح بريئة لم تختر شكلها و لا مرضها بل شاء القدر أن يبتليهم الله بداء السرطان ، حيث تخلى العديد عن مقاعد الدراسة فكان قاسمهم المشترك واقعهم المرير الذي قلب حياتهم إلى جحيم. يتألمون ويعانون بعد أن حوّل المرض الخبيث حياتهم إلى يوميات للبحث عن قطرات الدم وجرعات العلاج، إلا أن الابتسامة والضحكة لم تفارق وجوههم البريئة طيلة فترة بقائنا معهم، يخال الجالس إلى جانبهم أنهم أطفال عاديون لا يعانون من أي مرض، ليس هذا فحسب فمظاهر التكافل التي تميّز علاقاتهم، تجعلك تحس أنهم أسرة واحدة، رغم أنهم أطفال، ينتظرون إطلالة ذويهم وحتى الأشخاص الذين يتكرّم عليهم بالزيارة بلهفة وشغف. السرطان الخبيث يحرم الأطفال من الدراسة "إن شاء الله نبرا باه نقدر نلعب و نروح نكمل قرايتي"، هي العبارة التي ردّ ت بها « صاحبة الحادي عشر سنة عندما سألناها عن مرضها وأخبرتنا أنها تدرس في السنة الرابعة ابتدائي، وبقيت "شيماء" طيلة الوقت تحدثنا عن مشوارها الدراسي ،فأخبرتنا أنها كانت من التلاميذ النجباء ، ولدى مجيء والدتها أخبرتنا أنها تعاني من ورم سرطان في العظام، ورغم تأزم وضع "شيماء" الصحي، خاصة بعد سقوط شعر رأسها، إلا أنها لا تزال محافظة على حيويتها.، وبقيت طيلة مكوثنا بالمكان تحاول إظهار أنها معافاة وأن المرض لم ينل منها . "مريم"..لم تتقبل فكرة التخلي عن أحضان أمها كانت "مريم" أول من التقينا لدى دخولنا القسم الخاص بالبنات في القسم المخصص لعلاج مرضى السرطان..، كان الأمر الأكثر صعوبة بالنسبة ل"مريم"، هو بعدها عن العائلة خاصة وأنه ليس بإمكان أهلها زيارتها يوميا، قالت إنها تسكن بولاية قسنطينة، متأسفة لعدم تمكّنها من قضاء معظم أوقاتها في أحضان عائلتها بسبب خضوعها للعلاج، وقالت مريم إنها تتردد على المستشفى منذ عام من إصابتها بالمرض.فقد تأقلمت مع هذا الجو بعد مرور الأيام الأولى التي صدمها المرض و لم تتقبل أيضا فكرة التخلي عن مقاعد الدراسة. السرطان يفقد "مليسا" خصلات شعرها الأسود "مليسا" من بين الوجوه البريئة التي حرمت هي الأخرى من التمتع بطفولتها،بعد استفحال مرض السرطان في جسدها،فبعد العلاج الكيميائي فقدت "مليسا" من خصلات شعرها الأسود و حواجبها التي كانت تزيدها جمالا، ما جعلها تخاف من مشاهدة نفسها في المرأة حسب ما روت لنا أمها،معاناة نفسية و صحية تسببت في عزل" مليسا" عن اللعب مع زملاءها،و من خلال اندماجنا معهم لاحظنا أن بنات حواء هن الأكثر شريحة تتأثر بالمرض،خاصة عندما تفقد الشعر الذي يعتبر نصف جمال المرأة. مرضى ألفوا قصائد للاحتفال بعيد الطفولة فاتح "الشاعر الصغير" استقبلنا بكل حفاوة، ردّ على سؤالنا بخصوص فترة تواجده في المستشفى قائلا: " أنا قديم"، فاتح الذي يبلغ من العمر 21 سنة رغم أن جسده الهزيل يوحي بأنه أصغر من ذلك، كانت الفرحة والسعادة تغمرانه، لأنه كان ينتظر بداية الحفل التي ستقام بمناسبة اليوم العالمي للطفولة حيث اعد قصيدة شعرية ينقل فيه الآم و عذاب مرضى السرطان، حيث دعانا لحضور الحفل وأسر لنا فاتح، انه يقطن في ضواحي العاصمة، و انه يعاني من سرطان في الأعصاب و اجري ثلاث عمليات سابقا تكللت بالنجاح، وهو الأمر الذي كرس المعاناة التي يعيشها "فاتح" منذ سنوات، وجعله يتأخر في دراسته وحتى في نموه. حياة طفولة رهينة بالعلاج الكيماوي بعبارات حزينة أجابنا الطفل "محمد" صاحب العشر سنوات عندما سألناه عن حكايته مع الألم والمرض، أنه يتردد على المستشفى منذ ثلاث سنوات، وكان عمره لا يتجاوز الخمس سنوات عندها، حيث كشفت التحاليل الطبية أنه يعاني من سرطان الدم، ومنذ تلك الفترة بدأت حكاية الطفل "محمد" مع المعاناة، وأصبحت حياته رهينة العلاج الكيماوي الذي يتلقاه في المستشفى وقطرات الدم التي يجود عليه بها ذوو القلوب الرحيمة وأخذت والدته تروي معاناة ابنها مع المرض الذي حول حياتها إلى جحيم، خاصة بعد تدهور حالة ابنها الصحية، وأضافت "أم محمد" وهي تتحدث عن مأساتها: "عندما أرى ابني في تلك الحالة يراودني شعور باليأس عندما أشاهد ولدي وهو يتألم دون أن أتمكن من التخفيف عليه، ولكن أعود واستغفر الله وأحمده عندما تستقر حالته"، وأردفت: "أتعذب لرؤيته يعاني وأتعذب لعجزي عن تلبية طلباته.. هذه هي حياتنا". براءة تتغذى بحليب أمها لم تسلم من مرض السرطان يصعب عليك وأنت تتجول في القسم الخاص بمرضى السرطان، أمهات تحمل مظهر رضيعات أكبرهن يبدو عمرها عام واحد، غير أن صغر سنهن وجهلهن بما يدور حولهن لم يشفع لهن عند المرض الخبيث...، وقد لا يستطيع ذوو الشعور المرهف رؤيتهن مستلقيات على أسرّتهن وفي أياديهن أنبوب "المصل" وأمهاتهن بجانبهن تنتظرن استفاقتهن. توافد المرضى إلى قاعة الترفيه و الألعاب و في هذا القسم توفر قاعة الألعاب فضاء للاستراحة للأطفال المصابين بالسرطان والخاضعين للعلاج، وهو ما جعل "لمياء" تغادر سريرها لكي تلعب قليلا وقارورة «السيروم» لا تفارقها. «مزاج الأطفال هنا يتغير، فتارة تكون معنوياتهم مرتفعة، وتارة يتسرب الحزن إليهم، يتوقف الأمر على نوعية الأدوية ونوعية حصص العلاج التي يخضعون لها» توضح السيدة "أمينة"، إحدى الناشطات بالجمعيات ،يتابع المرضى الصغار هنا دروسهم التي لم يستطيعوا الاستفادة منها في المدرسة لكي يتفادوا مرور سنة بيضاء في مشوارهم الدراسي. لكن على عكس أقرانهم، سرعان ما يتسلل الملل إليهم أثناء الحصص بعد ساعة من الزمن ويطلبون من المدرسة أن تتوقف عن الشرح لإحساسهم بالتعب. تداوم"لمياء" التي بدأت العلاج قبل أشهر على التردد على القاعة بشكل منتظم لقراءة قصص الأطفال ومتابعة دروسهم. بشعرها الخفيف بعد أن تساقط معظمه ونظراتها الهادئة، تحاول "لمياء" بناء بيت بلاستيكي، وعندما تسألها المدرسة عن أحوالها تقول إن الطبيب يعطيها الدواء كي لا يعود الورم للظهور من جديد.. لا تخفي السيدة" أمينة" أنها تحس بعاطفة تجاه هؤلاء الأطفال المرضى وتريد دائما أن تلبي أي شيء يطلبونه دون أن تفرض عليهم أي قيود.